الجواب الاجمالي:
لفاطمة الزّهراء سلام الله علیها مکانة رفیعة فی السّنّة النّبویّة و فی شأنها من الأحادیث الصّحیحة، و حسبک فی تفضیل الزهراء أنّها بضعة من سید الأنبیاء، و لا نعدل به و لا ببضعته أحدا من العالمین. وقد وافقنا فی تفضیلها جمهور من المسلمین، و صرح به کثیر من المحققین، نقل ذلک عنهم غیر واحد من العلماء الباحثین المتتبعین، کالمعاصر النبهانی
الجواب التفصيلي:
لفاطمة الزّهراء سلام الله علیها مکانة رفیعة فی السّنّة النّبویّة و فی شأنها من الأحادیث الصّحیحة، والنّصوص الصّریحة ما تضیق عنه هذه الرّسالة، ولا تحتمله هذه العجالة وإنّما نذکر منها اثنی عشرة حدیثا تبرکا بهذا العدد المیمون.
1- قول رسول اللّه (ص): «أفضل نساء أهل الجنة خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمد، و آسیه بنت مزاحم امرأة فرعون، و مریم بنت عمران». أخرجه جماعة من المحدّثین کثیرون، کالإمام أحمد من حدیث رواه عن ابن عباس فی صفحة 293 من الجزء الأول من مسنده، و أبی داود «کما فی ترجمة خدیجة من الاستیعاب»[1] و قاسم بن محمد «کما فی ترجمة الزهراء من الاستیعاب»[2] و جماعة من حملة الآثار و حفظة الأخبار لا یسع المقام استیفاءهم[3]
2- قول رسول اللّه (ص): «خیر نساء العالمین أربع: مریم بنت عمران و آسیا بن مزاحم، و خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمد». أخرجه أبو داود «کما فی ترجمة خدیجة من الاستیعاب»[4] بالإسناد الى أنس و رواه عبد الوارث بن سفیان، (کما فی ترجمتی الزهراء[5] و خدیجة من الاستیعاب)[6] بالإسناد الى أبی هریرة. و نقله غیر واحد من ثقات المحدّثین بطرقهم الى أنس و أبی هریرة[7]
3- قول رسول اللّه (ص): «حسبک من نساء العالمین، مریم بنت عمران، و خدیجة بنت خویلد و فاطمة بنت محمد، و آسیة امرأة فرعون». أخرجه الترمذی[8] «کما فی الأربعین للنبهانی»[9] عن أنس. و رواه عنه أیضا السراج «کما فی ترجمة الزهراء من الاستیعاب»[10] و أخرجه أبو داود «کما فی ترجمة خدیجة من الاستیعاب»[11] و نقله الشّعبی «کما فی ترجمة الزهراء من الإصابة» عن جابر[12] و لا یسعنا استقصاء من أخرج هذا الحدیث بطرقهم المختلفة الى أنس و جابر[13]
و أنت تعلم: أن هذه الأحادیث الثلاثة و نحوها نصوص جلیة فی تفضیل الأربع على سائر نساء البریة، و لا تعرض فیها لبیان الأفضل من تلک الأربع لکن صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة نصوص فی تفضیل الزهراء صریحة لا تقبل التأویل،[14] کما یشهد به کل من أنعم اللّه علیه الاستسلام لحکمها.
و حسبک فی تفضیل الزهراء أنّها بضعة من سید الأنبیاء، و لا نعدل به و لا ببضعته أحدا من العالمین.
و قد وافقنا فی تفضیلها جمهور من المسلمین، و صرح به کثیر من المحققین، نقل ذلک عنهم غیر واحد من العلماء الباحثین المتتبعین، کالمعاصر النبهانی، حیث قال فی أحوال الزهراء من کتابه «الشرف المؤبد» ما هذا لفظه:
و صرّح بأفضلیتها على سائر النساء، حتى على السیدة مریم کثیر من العلماء المحققین، منهم التقیّ السبکی، و الجلال السیوطی، و البدر الزرکشی، و التقی المقریزی.
«قال»: و عبارة السبکی حین سئل عن ذلک: الذی نختاره و ندین به: أنّ فاطمة بنت محمد أفضل.
«قال»: و سئل عن مثل ذلک ابن أبی داود، فقال: إنّ رسول اللّه (ص) قال: «فاطمة بضعة منی»، و لا أعدل ببضعة رسول اللّه أحدا.[15] و نقل المناوی هذا عن جمع من الخلف و السلف فراجع.[16]
4- ما استخرجه أبو داود «کما فی ترجمة خدیجة من الاستیعاب»[17] بسنده الى ابن عباس قال: قال رسول اللّه (ص):
«سیدة نساء أهل الجنة بعد مریم بنت عمران، فاطمة بنت محمد و خدیجة و آسیة»....
و هذا کالأحادیث السابقة فی الدلالة على تفضیل الأربع على من سواهن من نساء العالمین، إلّا أنّه ربما یستشعر منه تفضیل العذراء على الزهراء، لکن الأدلة الأخر التی هی أکثر عددا و أصحّ سندا و أصرح دلالة من هذا الحدیث و نحوه توجب الإعراض عمّا یستشعر منه. على أنّه لا یروى من طریق أصحابنا کما لا یخفى.
5- ما أخرجه البخاری[18] و مسلم[19] و الترمذی[20] فی صحاحهم و صاحب الجمع بین الصحیحین[21] و صاحب الجمع بین الصحاح الستة[22] و الإمام أحمد من حدیث الزهراء من مسنده[23] و ابن عبد البرّ فی ترجمتها من استیعابه[24] و محمد بن سعد فی ترجمتها من الجزء الثامن من طبقاته.[25] و فی باب ما قاله النبی فی مرضه من المجلد الثانی من الطبقات أیضا.[26] و اللفظ الذی تسمعه للبخاری فی آخر ورقة من کتاب «الاستئذان» من الجزء الرابع من صحیحه، قال:
حدّثنا موسى، عن أبی عوانة، عن فراس، عن عامر، عن مسروق، حدّثتنی عائشة أم المؤمنین، قالت:
إنّا کنّا أزواج النبی عنده جمیعا لم تغادر منّا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشی، لا و اللّه ما تخفی مشیتها من مشیة رسول اللّه (ص)، فلمّا رآها رحّب و قال: «مرحبا بابنتی»، ثم أجلسها عن یمینه أو عن شماله، ثم سارّها فبکت بکاء شدیدا، فلمّا رأى حزنها سارّها الثانیة اذا هی تضحک.
فقلت لها: أنا من بین نسائه: خصّک رسول اللّه (ص) بالسرّ من بیننا، ثم أنت تبکین فلمّا قام رسول اللّه (ص) سألتها عمّا سارّک. قالت: «ما کنت لأفشی على رسول اللّه سرّه».
فلما توفّی، قلت لها: عزمت علیک بما لی علیک من الحقّ لما أخبرتنی. قالت: «أما الآن فنعم»، فأخبرتنی.
قالت: «أما حین سارّنی فی الأمر الأول، فإنّه أخبرنی أن جبرائیل کان یعارضه کل سنة مرة، و أنّه قد عارضنی به العام مرتین، و لا أرى الأجل إلّا قد اقترب، فاتقی اللّه و اصبری، فإنّی نعم السلف أنا لک».
قالت: فبکیت بکائی الذی رأیت، فلمّا رأى جزعی سارّنی الثانیة.
قال: «یا فاطمة ألا ترضین أن تکونی سیدة نساء المؤمنین، أو سیدة نساء هذه الأمة»....[27]
و اللفظة فیما ذکره ابن حجر فی ترجمتها من الإصابة[28] و غیر واحد من المحدّثین:[29] «ألا ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین». و کیف کان: فالحدیث صحیح، و النص فی تفضیلها صریح.
و أخرج ابن سعد فی باب ما قاله النبی لها فی مرضه من المجلد الثانی من طبقاته بالإسناد الى أم سلمة.
قالت: لما حضر رسول اللّه (ص) دعا فاطمة فناجاها فبکت، ثم ناجاها فضحکت، فلم أسألها حتى توفی رسول اللّه (ص)، فسألتها عن بکائها و ضحکها. فقالت: أخبرنی أنه یموت، ثم أخبرنی «أنی سیدة نساء أهل الجنة» الحدیث[30]
و أخرجه أیضا أبو یعلى[31] «کما فی ترجمة الزهراء من الإصابة»[32] بالإسناد الى أم سلمة، و رواه عنها غیر واحد من أهل الحدیث[33]
6- ما أخرجه جماعة من الحفظة و أهل الضبط ممّن حملوا العلم بأسانیده و طرقه کابن عبد البر فی ترجمتها علیها السّلام من الاستیعاب: انّ النبی (ص) عادها و هی مریضة، فقال: «کیف تجدینک یا بنیة»؟
قالت: «إنی لوجعة، و إنّه لیزیدنی أنّی ما لی طعام آکله». قال یا بنیة: «أ ما ترضین أنّک سیدة نساء العالمین»؟
قالت: «یا أبة فأین مریم بنت عمران»؟ قال: «تلک سیدة نساء عالمها، و أنت سیدة نساء عالمک، أما و اللّه لقد زوجتک سیدا فی الدنیا و الآخرة»....[34]
7- ما أخرجه أحمد[35] و الترمذی[36] و النسائی[37] و ابن حبّان[38] «کما فی الفصل الثالث من الباب 11 من الصواعق المحرقة لابن حجر» عن حذیفة: أن النبی (ص) قال له: «أما رأیت العارض الذی عرض لی قبل ذلک هو ملک، لم یهبط الى الأرض قطّ قبل هذه اللیلة، استأذن ربّه عز و جل أن یسلّم علیّ و یبشّرنی أنّ الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنة، و أنّ فاطمة سیدة نساء أهل الجنة» ....[39]
و أخرج ابن حبّان و غیره- کما فی أحوال الزهراء من «الشرف المؤبد» و غیره- عن أبی هریرة، قال: قال رسول اللّه (ص): «إنّ ملکا من السماء لم یکن زارنی، فاستأذن ربی فی زیارتی فبشرنی أنّ فاطمة سیدة نساء أمتی» ....[40]
8- ما أخرجه حفظة الأخبار و حملة الآثار، کعبد الرحمن بن أبی نعیم- کما فی ترجمة الزهراء من الاستیعاب و الإصابة و غیرهما- عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول اللّه (ص): «فاطمة سیدة نساء أهل الجنة»....[41]
9- ما أخرجه البخاری[42] و مسلم[43] فی صحیحیهما- کما فی ترجمة الزهراء من الإصابة و غیرها[44] - عن المسور قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول على المنبر: «فاطمة بضعة منی، یؤذینی ما آذاها و یریبنی ما رابها»[45]
و نقل النبهانی فی أحوال الزهراء من «الشرف المؤبد» عن البخاری بسنده الى رسول اللّه (ص):
«فاطمة بضعة منی، یغضبنی ما یغضبها». قال: و فی روایة: «فمن أغضبها أغضبنی».
قال: و فی الجامع الصغیر: «فاطمة بضعة منی یقبضنی ما یقبضها و یبسطنی ما یبسطها»[46]
و قالت- بأبی هی و أمی- لابی بکر و عمر، کما صرح به الإمام ابن قتیبة فی أوائل کتاب «الإمامة و السیاسة»-:
«نشدتکما اللّه أ لم تسمعا رسول اللّه (ص) یقول: «رضا فاطمة من رضای، و سخط فاطمة من سخطی، فمن أحبّ ابنتی فاطمة فقد أحبنی، و من أرضى فاطمة فقد أرضانی و من أسخط فاطمة فقد أسخطنی»؟
قالا: نعم سمعناه من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله[47]
و هذا من الأحادیث المتواترة، عن أئمة العترة الطاهرة، و کفى به حجة لتفضیلها على من سواها من نساء العالمین.
و هل یعدل مسلم ببضعة النبی صلّى اللّه علیه و آله و بقیته فی أمته أحدا من الناس؟
و قد تدبّر هذا الحدیث من تدبّره من أولی الألباب، فرآه یرمی الى عصمتها لدلالته على امتناع وقوع کل من أذیتها و ریبتها و غضبها و سخطها و رضاها و انقباضها و انبساطها، فی غیر محلّه، کما هو الشأن فی أذیة النبی صلّى اللّه علیه و آله و ریبته و رضاه و سخطه و انقباضه و انبساطه، و هذا کنه العصمة و حقیقتها کما لا یخفى.
10- ما أخرجه ابن أبی عاصم[48] - کما فی ترجمتها من الإصابة- بسنده الى علی علیه السّلام قال: قال رسول اللّه (ص) لفاطمة: «إنّ اللّه یغضب لغضبک و یرضى لرضاک»[49] و أخرجه الطبرانی[50] و غیره باسناد حسن، کما فی أحوالها من «الشرف المؤبد»[51] و غیره، و هو فی الدلالة على تفضیلها و عصمتها کالحدیث السابق.
11- ما أخرجه جماعة من إثبات المحدّثین و أعلامهم کالإمام أحمد بن حنبل من حدیث أبی هریرة فی صفحة 442 من الجزء الثانی من مسنده. قال: نظر النبی (ص) الى علی و الحسن و الحسین و فاطمة، فقال: «أنا حرب لمن حاربکم، و سلم لمن سالمکم».
و أخرج الترمذی[52] من حدیث زید بن أرقم «کما فی ترجمة الزهراء من الإصابة» أن رسول اللّه قال: «علی و فاطمة و الحسن و الحسین، أنا حرب لمن حاربهم و سلم لمن سالمهم»....[53]
و هذا الحدیث فی الدلالة على تفضیلها و عصمتها کسابقه، و فیه دلالة على کفر محاربیهم کما ترى.
12- ما أخرجه المحدّثون بالإسناد الى علی و اللفظ لأحمد فی صفحة 101 من الجزء الأول من مسنده عن عبد الرحمن الأزرق عن علی(ع) قال: دخل علیّ رسول اللّه (ص) و أنا نائم على المنامة، فاستسقى الحسن أو الحسین قال: فقام النبی (ص) الى شاة لنا بکیء[54] فحلبها فدرّت، فجاءه الحسن فنحاه النبی (ص). فقالت فاطمة: «یا رسول اللّه کأنّ أخاه أحبّهما ألیک». قال: «لا، و لکنه استسقى قبله». ثم قال: «إنّی و إیّاک و هذین و هذا الراقد فی مکان واحد یوم القیامة» ....
بخ بخ، هذا هو الفضل الذی بخع له الأوّلون و الآخرون، فلا یلحقهم بعده لاحق، و لا یطمع فی إدراکهم طامع، و ذلک فضل اللّه یؤتیه من یشاء و اللّه ذو الفضل العظیم[55]
لا يوجد تعليق