الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
نعلم بأنّ الآراء قد اختلفت في قتل عثمان، فهناك من ذهب إلى تقصير عثمان وأنّه كان مستحقاً للقتل؛ فقد سلط بطانته على بيت المال وأغدق عليهم المناصب الحساسة في الحكومة، حتى قام الناس ضده دون أن يهب أحد من المسلمين لنجدته فكان الجميع راضياً بقتله.
بينما هناك من يعتقد بعدم صوابية قتله وكان ينبغي أن يمنح فرصة التوبة ليتدارك بعدها ما فرط منه، وإن كان ولابدّ يخلعونه من الخلافة، أمّا قتله بتلك الصورة العلنية إنّما هو بدعة، أضف إلى ذلك فانّ قتله أصبح ذريعة للمنافقين من أجل بث الفرقة والشقاق في صفوف المسلمين.
و أخيراً هناك طائفة ضيقة النظر ممن لا تكلف نفسها عناء التحقيق والتفكير في سيرة الخليفة الثالث تراه الخليفة المظلموم الذي قتل شهيداً، كما تنزه ساحته من كل نقص وعيب.
الإمام علی عليه السلام من جانبه وفي خضم هذه الآراء المتضاربة يكشف النقاب عن الحقيقة ويعرض بالتحليل للمسائل المرتبطة بقتل عثمان و قال: «لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قاتِلًا أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، لَكُنْتُ ناصِراً، غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ: «خَذَلَهُ مَنْ أَنا خَيْرٌ مِنْهُ»؛ وَمَنْ خَذَلَهُ، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ: «نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي»؛ وَأَنا جامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ، اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ، وَ جَزعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ وَلِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ»(1)
قال ابن أبي الحديد: معناه أنّ خاذليه كانوا خيرا من ناصريه، لأنّ الذين نصروه كانوا فسّاقا كمروان بن الحكم و أضرابه، و خذله المهاجرون و الأنصار(2)
فالشواهد التأريخية تفيد تواجد كبار صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من المهاجرين والأنصار حين هجم الناس على بيت عثمان، ولو كانوا يرتضون عثمان وأعماله لحالوا دون وصول الناس إليه، الأمر الذي يدل على تخليهم عنه وعدم تقديم أي دعم أو إسناد له.
أمّا الأفراد الذين هبوا للدفاع عن عثمان آنذاك فقد كانوا يمثلون أراذل المجتمع الإسلامي، و ما ذلك الدفاع إلّا لمنافعهم اللامشروعة التي كانوا يحظون بها آنذاك.
على كل حال فانّ الخطبة تبين أنّ الإمام عليه السلام إذا لم ينصر عثمان فانه لم يكن وحيداً في هذا الأمر، بل كان هذا موقف كبار الصحابة، فلم الإشكال على الإمام عليه السلام؟
فكلنا نعلم بان لقتل عثمان جذور معلومة نابعة من طبيعة أعماله و أفعاله، فقد أجمع المحققون على أنّ سوء تدبير عثمان في ادارة دفة الحكم وتبديل الحكومة بموروث قبلي والتطاول على بيت المال والظلم والاضطهاد الذي مارسه أقربائه وبطانته بحق الناس قد أدى إلى غضب عام حتى انبرت طائفة مؤلفة من بضعة مئات لتحاصره في داره وتهجم عليه وتقتله، وقد وقف ذلك الجيش الجرار الذي فتح مصر وبلاد الروم متفرجاً دون أن يحرك ساكنا؛ فقد كان ذلك الجيش ساخطاً عليه ويرى ضرورة قتله، غير أنّ الناس إنقسموا طائفتين بعد قتله: طائفة- لعلها كانت تشكل الاكثرية- كانت راضية بهذا القتل أو على الأقل غير مكترثة له بينما ترى الطائفة الثانية أنّه قتل مظلوماً.
وفي ظل هذه الظروف إنتهز المنافقون الفرصة لبث بذور الفرقة في صفوف المسلمين وحرف مسير الخلافة عن محورها الأصيل أمير المؤمنين علي عليه السلام- والذي كان يخطى بتاييد كافة أفراد الامّة- واستغلوا قضية قتل عثمان كذريعة لتحقيق أطماعهم ومآربهم، وبعبارة اخرى فانّهم أحالوا قميص عثمان إلى مناورة سياسية هدفها إغفال الامّة وصدها عن الحق. وبالطبع فانّ أفراد من كلا الطائفتين كانوا من ضمن صحب الإمام عليه السلام واتباعه، وإن كانت الطائفة الثانية وعلى ضوء تصريحات بعض المؤرخين تشكل الأقلية، وعليه فمن الطبيعي أن تكثر هذه الطائفة من سوالها لعلي عليه السلام عن قتل عثمان، فلم يكن أمام الإمام عليه السلام من بد سوى الاجابة التي تتضمن عكس الحقائق التأريخية من جانبه وعدم منح هذا وذاك الفرصة بغية إستغلالها ضد الدين. فمفهوم قوله عليه السلام: «لو أمرت به، لكنت قاتلًا، أو نهيت عنه، لكنت ناصراً»؛ هى أني كنت محايداً فلم ألطخ يدي بدمه ولم أدافع عن زلاته، فالأمران ينطويان على محاذير(3)
واشار الي هذا المعني ما رواه الواقدي من العامة عن الحكم بن الصلت عن محمد بن عمّار بن ياسر عن أبيه قال: رأيت عليّا عليه السّلام على منبر رسول اللّه حين قتل عثمان وهو يقول: «ما أحببت قتله ولا كرهته ولا أمرت به ولا نهيت عنه»(4) و في رواية قال: «ولا مالأت على قتله، ولا ساءني ولا سرني»(5)
لا يوجد تعليق