الجواب الاجمالي:
تعة الحج التي حرّمها عمر بن الخطّاب فهي الفترة الواقعة بين العمرة وحج التمتع، انعقد الإجماع على حليتها و استمرارها ودوامها عدا قليل من المسلمين لم يعملوا إلّا برأي سيّدهم عمر فحرّموها طبقا لتحريم عمر لها، فخالفوا الكتاب العزيز وسنّة رسول اللّه واتّبعوا بدعة عمر.
الجواب التفصيلي:
متعة الحج التي حرّمها عمر بن الخطّاب فهي الفترة الواقعة بين العمرة و حج التمتع، انعقد الإجماع على حليتها و استمرارها و دوامها عدا قليل من المسلمين لم يعملوا إلّا برأي سيّدهم عمر فحرّموها طبقا لتحريم عمر لها، فخالفوا الكتاب العزيز و سنّة رسول اللّه و اتّبعوا بدعة عمر.
انما يقول سبحانه فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ(1)، كان كلامه سبحانه في المحصر، و الكلام في المقام في غير المحصر و من حصل له الأمن و ارتفع المانع كما يدلّ عليه قوله سبحانه فَإِذا أَمِنْتُمْ، فعلى قسم من المكلّفين إذا أتوا بالعمرة ثمّ أحرموا للحج فعليه ما تيسّر من الهدي في يوم النحر في أرض منى.
و المراد من التمتع في فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ هو التمتع بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة فيبقى متحلّلا متمتعا إلى أن يحرم للحج، و عندئذ يجب عليه ما تيسّر من الهدي.
و الآية تصرح بأنّ صنفا من المكلّفين، و هم الذين فرض عليهم حجّ التمتع يحلّ لهم التمتع بعامة المحظورات إلى زمن إحرام الحجّ، فاستنكار التمتع بين العمرة و الحجّ- لأجل استلزامه تعرّس الحاج بين العمرة و الحج و رواحة إلى المواقف و رأسه يقطر ماء- إطاحة بالوحي و تقديم للرأي على الوحي(2)
و أوضح دليل على مشروعيتها في صدر الإسلام، نهى عمر عنها حيث قال:
متعتان كانتا على عهد رسول اللّه حلالا، و أنا أحرّمهما، و أعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء ... و الأخرى متعة الحج(3) فإنّ النهي إمّا كان بدعة من عمر كما هو ظاهر كلامه، أو كان مستندا إلى نصّ من رسول اللّه. و على كلا التقديرين، يدلّ على جوازه في فترة خاصة، و هذا واضح لمن ألّم بفقه المذاهب الإسلامية.
و الملفت للنظر أننا نقرأ في صحيح الترمذي الذي هو من صحاح أهل السنة المعروفة، و كذا عن الدارقطني (4) أن رجلا من أهل الشام سأل «عبد اللّه بن عمر» عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال ابن عمر: حسن جميل، قال: فإن أباك كان ينهى عنها، فقال: ويلك فإن كان أبي نهى عنها و قد فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمر به أ فبقول أبي آخذ، أم بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قم عنّي.
ثم تضافرت الروايات الصحاح على أنّ متعة الحجّ سنّة أبدية إلى يوم القيامة لا تتغيّر و لا تتبدّل، بل تبقى بحالها إلى أن يرث اللَّه الأرض و من عليها، و نذكر في ذلك ما رواه الشيخان و لا نتجاوز عنهما.
1. روى مسلم عن عمرة قالت: سمعت عائشة (رضي اللَّه عنها) تقول:
خرجنا مع رسول اللَّه لخمس بقين من ذي القعدة و لا نرى إلّا أنّه الحج حتّى إذا دنونا من مكة أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت و بين الصفا و المروة أن يحل(5)
2. أخرج مسلم عن جابر (رضي اللَّه عنه) انّه قال: أقبلنا مهلّين مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم بحجّ مفرد، و أقبلت عائشة (رضي اللَّه عنها) بعمرة، حتّى إذا كنا بسرف عركت حتّى إذا قدمنا طفنا بالكعبة و الصفا و المروة، فأمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم أن يحل منّا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حلّ ما ذا؟ قال: الحلّ كلّه، فواقعنا النساء و تطيّبنا بالطيب و لبسنا ثيابنا و ليس بيننا و بين عرفة إلّا أربع ليال، ثمّ أهللنا يوم التروية(6)
3. أخرج مسلم عن جابر (رضي اللَّه عنه) قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم مهلّين بالحج معنا النساء و الولدان، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت و بالصفا و المروة، فقال لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم: من لم يكن معه هدي فليحلل، قال: قلنا: أيّ الحل؟ قال: الحلّ كلّه، قال: فأتينا النساء و لبسنا الثياب و مسسنا الطيب، فلمّا كان يوم التروية أهللنا بالحج(7)
4. أخرج مسلم عن عطاء، قال: حدّثني جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أنّه حجّ مع رسول اللَّه عام ساق الهدي معه، و قد أهلّوا بالحجّ مفردا، فقال رسول اللَّه: «أحلّوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت و بين الصفا و المروة و قصّروا و أقيموا حلالا، حتّى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ، و اجعلوا التي قدمتم بها متعة» قالوا: كيف نجعلها متعة و قد سمّينا الحجّ؟ قال: «افعلوا ما آمركم به فانّي لو لا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به و لكن لا يحلّ منّي حرام حتّى يبلغ الهدي محله، فافعلوا»(8)
5. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللَّه قال: قدمنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم مهلّين بالحجّ، فأمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم أن نجعلها عمرة و نحل، قال: و كان معه الهدي فلم يستطع أن يجعلها عمرة(9)
6. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللَّه في حديث مفصّل انّه قال: لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الركن- إلى أن يقول:- حتّى إذا كان آخر طوافه (النبي) على المروة، فقال: «لو انّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و جعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ و ليجعلها عمرة» فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول اللَّه، أ لعامنا أم لا بد؟ فشبّك رسول اللَّه أصابعه واحدة في الأخرى، فقال: «دخلت العمرة في الحج مرتين: لا، بل لا بد أبد»(10)
هذا بعض ما رواه مسلم، و تركنا البعض الآخر.
و إليك بعض ما رواه البخاري في صحيحه:
1. أخرج البخاري عن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم، قالت: خرجنا مع النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع فأهللنا بعمرة، قال النبي: من كان معه هدي فليهل بالحجّ مع العمرة، ثمّ لا يحلّ حتّى يحلّ منهما جميعا(11)
2. أخرج البخاري عن ابن عباس انّه سئل عن متعة الحجّ، فقال: أحلّ المهاجرون و الأنصار و أزواج النبي في حجّة الوداع و أهللنا فلمّا قدمنا مكة، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلّم: اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة إلّا من قلّد الهدي، طفنا بالبيت و بالصفا و المروة و أتينا النساء و لبسنا الثياب(12)
و ما رواه الشيخان يدلّ على أمور:
1. انّ حجّ التمتع فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
2. انّ التمتّع بين العمرة و الحجّ سنّة فيها و ليس لأحد أن يعترض على التمتع بين الأمرين.
3. انّ العرب في الجاهلية و الإسلام كانوا يحرمون بالحجّ في أشهر الحجّ لا للعمرة، و لذلك أحرم أصحاب النبي و أزواجه للحجّ تبعا للسيرة السائدة بين العرب من اختصاص أشهر الحجّ بالحجّ فلمّا دنوا من مكة أو قضوا أعمال العمرة أمرهم النبيّ صلى اللَّه عليه و آله و سلّم بجعل الإحرام عمرة و العدول إليها، و قد كان ثقيلا عليهم.
4. انّ التمتع بين العمرة و الحجّ سنّة أبدية لا تختص بعام دون عام و لا بقوم دون قوم.
5. انّ من ساق الهدي معه ليس له أن يتحلّل و لا يخرج من الإحرام إلّا إذا بلغ الهدي محلّه و كان النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم ممّن ساق الهدي، و لذلك لم يخرج حتّى أبلغ هديه محله، و قد كان عمل النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم مظنة سؤال للصحابة حيث أمرهم بالتحلّل و بقي نفسه على إحرامه، فنبّههم النبي بأنّه ساق الهدي و لكنّه لو وفّق للحجّ في المستقبل لما ساق الهدي، و إلى ذلك يشير قوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي».
إنّ في هذا الموضوع روايات في السنن الأربع اقتصرنا بما ذكرنا، و للقارئ أن يرجع إلى السنن و المسانيد فإنّه يجد أمثال ما ذكرناه بوفرة.
لا يوجد تعليق