الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
متعة الحج التي حرّمها عمر بن الخطّاب فهي الفترة الواقعة بين العمرة و حج التمتع.
فان عمر صعد المنبر و قال: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول اللّه أنا أنهى هن، و هي متعة النساء، و متعة الحج و حي على خير العمل(1) و من الغريب ما اعتذر به القوشجي عن عمر «يأذن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع» و ليت شعري ما قيمة اجتهاد عمر في قبال نص النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) الذي لا ينطق عن الهوى، و الذي مخالفته مخالفة للّه سبحانه(2)
حدّث الرواة عن حال عمر و بعض الصحابة الذين لم يكونوا على استعداد لتلقي حكما يخالف ما دأبوا عليه في العصر الجاهلي حيث كانوا يرون المتعة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فقد ورد عن ابن عبّاس أنه قال: إن المشركين في الجاهلية كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، و يجعلون المحرّم صفر، و يقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر و انسلخ صفر، حلّت العمرة لمن اعتمر(3) فقدم النبيّ وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول اللّه أي الحلّ؟ قال: الحلّ كله(4)
قال ابن حجر في تعليل هذا الأمر: وجه تعلق جواز الاعتماد بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحج، و كذلك المحرّم أنهم لمّا جعلوا المحرّم صفرا ولا يبرأ دبر إبلهم إلا عند انسلاخه، ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية، و جعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرّم الذي هو في الأصل صفر، والعمرة عندهم في أشهر الحج(5)
كان هذا دأب قريش و سنتهم في العمرة وقد خالفهم الرسول في ذلك فقد روي عن الصحابي عمران بن الحصين قال: تمتعنا على عهد رسول اللّه ونزل القرآن، وقال رجل برأيه ما شاء(6)
وحسب رواية مسلم عن عمران بن الحصين قال المطرّف: إني لأحدّثك بالحديث اليوم، ينفعك اللّه به بعد اليوم، و اعلم أن رسول اللّه قد اعمر طائفة من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه، ارتأى كلّ امرئ بعد، ما شاء أن يرتئي(7). ومن شاء برأيه ما شاء هو عمر(8)
وقد عيّنت النصوص التاريخية متعة الحج التي لم يتقبّلها عمر، و أراد من خلال تحريمه للمتعة في أشهر الحج أن يرفع من البنية الاقتصادية في مكة لأن المتعة هي أن يأتي المكلف بالعمرة ثم يحل من إحرامه، فيحلّ له كل ما حرم عليه ثم يأتي بإحرام جديد لحج التمتع، فكان هدف عمر أن يفصل بين العمرة و حج التمتع، فتكون الأولى في غير أشهر الحج لئلا تبقى مكة خالية من الحجيج، و قد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا وغيره في عدة مواطن نذكر بعضا منها:
1- عن الأسود بن يزيد قال: بينا أنا واقف مع عمر بن الخطّاب بعرفة عشية عرفة فإذا هو برجل مرجّل شعره يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر: أ محرم أنت؟ قال: نعم، فقال عمر: ما هيئتك بهيئة محرم، إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر، قال: إني قدمت متمتعا و كان معي أهلي، و إنما أحرمت اليوم، فقال عمر عند ذلك: لا تتمتعوا في هذه الأيام فإني لو رخّصت في المتعة لهم لعرّسوا بهنّ في الأراك ثم راحوا بهن حجاجا(9)
قال ابن القيم: قال ابن حزم- معلّقا على الخبر-: وكان ما ذا؟ و حبّذا ذلك وقد طاف النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على نسائه ثم أصبح محرما و لا خلاف أن الوطء مباح قبل الإحرام بطرفة عين، واللّه أعلم.
2- وعن أبي حنيفة عن حمّاد عن ابراهيم عن عمر بن الخطّاب: أنه بينا هو واقف بعرفات إذ أبصر رجلا يقطر رأسه طيبا، فقال له عمر: أ لست محرما؟ ويحك! فقال: بلى يا أمير المؤمنين، قال: ما لي أراك يقطر رأسك طيبا، والمحرم أشعث أغبر، قال: أهللت بالعمرة المفردة و قدمت مكة ومعي أهلي ففرغت من عمرتي، حتى إذا كان عشية التروية أهللت بالحج، قال: فرأى عمر أن الرجل قد صدّقه إنّما عهده بالنساء والطيب بالأمس، فنهى عمر عند ذلك عن المتعة و قال: إذا و اللّه لأوشكتم لو خلّيت بينكم و بين المتعة أن تضاجعوهن تحت أراك عرفة ثم تروحون حجّاجا(10)
3- عن عبد اللّه بن عمر قال: إنّ عمر بن الخطّاب قال: افصلوا بين حجّكم وعمرتكم، فإنّ ذلك أتمّ لحجّ أحدكم، و أتمّ لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج(11)
4- عن سعيد بن المسيّب: أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج و قال: فعلتها مع رسول اللّه و أنا أنهي عنها، و ذلك أن أحدكم يأتي من أفق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في أشهر الحج، و إنما شعثه و نصبه و تلبيته في عمرته، ثم يقدم فيطوف بالبيت و يحلّ و يلبس و يتطيّب و يقع على أهله إن كانوا معه، حتى إذا كان يوم التروية أهلّ بالحج و خرج إلى من يلبي بحجة لا شعث فيها و لا نصب و لا تلبية إلا يوما، و الحجّ أفضل من العمرة، لو خلينا بينهم و بين هذا لعانقوهنّ تحت الأراك، مع أن أهل البيت (12) ليس لهم ضرع و لا زرع و إنما ربيعهم فيمن يطرأ عليهم(13)
4- وعن أبي موسى: أن عمر قال: هي سنّة رسول اللّه- يعني المتعة- و لكنّي أخشى أن يعرّسوا بهنّ تحت الأراك، ثم يروحوا بهن حجّاجا(14)
علي كل حال ليست هذه الحكم الابدعة من ناحية عمر؛ فلذا قال ابن عبّاس لمن كان يعارضه في متعة الحج بأبي بكر وعمر: يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول اللّه وتقولون قال أبو بكر وعمر(15)
لا يوجد تعليق