المقدّمة
يمثّل التآلف والتعاون بين علماء المسلمين أحد أهمّ الضروريّات التي لا يمكن إنكار دورها الفاعل في تحقيق اتّحاد الأمّة الإسلاميّة، وذلك لأنّ الحديث عن عوامل اختلاف الآراء الفقهيّة ورقعة اتّساعها بالرغم من كلّ ما تشمله من تنوّع، إلا أنّها توجد في نطاق ضيّق جداً من فقه الإسلام وشريعته الكاملة، حيث نجد أنّ فقهاء المذاهب الإسلاميّة متّفقون في أكثر المسائل الفقهيّة، فكلّيات جميع أبواب الفقه من قبيل: الصلاة والصيام والخمس والزكاة والحجّ والجهاد ومختلف أنواع المعاملات والعقود الاجتماعيّة والأسريّة هي في الحقيقة من مشتركات الفقه الإسلاميّ التي أتّفقت فيها آراء فقهاء جميع المذاهب الإسلاميّة، وكذلك العديد من العناصر وما لها من أحكام وشروط صحّة، من قبيل أركان الصلاة وهي: التكبير والنيّة والقراءة والركوع والسجود والتشهّد والسلام، أو من قبيل شروط صحّة الصلاة مثل: الطهارة واستقبال القبلة، هذا بالإضافة إلى الأحكام التي تناول بيانها صراحة القرآن الكريم أو الأحاديث المتواترة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، إلى غير ذلك من ضروريّات الفقه الإسلامي[1].
من هذا المنطلق، فإنّ من واجب علما الإسلام أن يبذلوا كلّ ما أوتوا من قوّة ويسخّروا كلّ طاقاتهم من أجل تقوية التآلف والتعاون في ما بينهم ليشدّوا أواصر وحدتهم، ولا شكّ في أنّ إقامة المؤتمر الإسلاميّ العالميّ لمحاربة التطرّف والتكفير في رؤية العلماء المسلمين، والذي جرت فعاليّاته في العام المنصرم تحت إشراف سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي، يمثّل أحد الإجراءات المهمّة التي من شأنها أن تهيّء أجواء اشتداد وتقوية اتّحاد الأمّة الإسلاميّة والارتقاء بمستوى التآلف والتعاون بين علماء الإسلام أكثر فأكثر.
والأمر الذي يمكن ذكره على أنّه خبر أساسيّ في ما يتعلّق باتّفاق علماء المسلمين من أجل تحقيق الوحدة الإسلاميّة والذي جلب اهتمام وسائل الإعلام، هو الخطاب المهمّ الذي وجّهه سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي إلى الشيخ أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر بمصر وتقديم الدعوة إليه من أجل تشكيل اجتماعات علميّة مشتركة تلمّ شمل علماء المدرستين، مدرسة الشيعة ومدرسة أهل السنة من أجل تدارس العقبات التي تقف في طريق اتّحاد الأمة الإسلاميّة والتحدّيات التي تتخلّله، علاوة على استعراض الحلول المتاحة من أجل تقوية أواصر وحدة العالم الإسلاميّ، حيث يمثّل تصرّف سماحة المرجع الديني الشيعي هذا، أحد الخصائص المهمّة لسماحته والتي تمتاز بأهميّة منقطعة النظير في مجال إيجاد التآلف والتعاون بين علماء الإسلام والعمل على تقويته أكثر فأكثر علاوة على تحقيق اتّحاد الأمة الإسلاميّة.
وعلى هذا الأساس، يجدر بنا استعراض أهمّ معايير التآلف والتعاون بين علماء العالم الإسلاميّ والحلول المتّبعة في ذلك بحسب الرؤية بعيدة المدى لسماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، وتقديمها للقرّاء المحترمين وذلك لكي يطّلع هؤلاء الأعزّاء لا سيّما المثقّفين منهم والمهتمّين بثقافة المجتمعات الإسلاميّة على ضرورة الدور الذي يمكن لعلماء الإسلام أن يؤدّوه في سبيل تحقيق اتّحاد الأمّة الإسلاميّة والارتقاء به وتقويته أكثر فأكثر.
التأكيد على المشتركات ونقاط التلاقي هو من الخصائص المهمّة المؤدّية لاتّفاق العلماء المسلمين
كثيراً ما جاء في ما طرحه سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي من آراء وأفكار، التأكيد على وجود المشتركات التي لا مثيل لها ونقاط التلاقي بين المذاهب الإسلاميّة، باعتبره أهمّ أصل في منومة اتّحاد الأمّة الإسلاميّة.
فقد تطّرق سماحته إلى هذا الموضوع في إحدى خطبه فقال: تتّفق آراء عامّة فقهاء الإسلام -بغضّ النظر عن ما يعتنقونه من مذاهب مختلفة- في ماهيّة أهمّ منابع الاستنباط، حيث يمثّل كلّ من القرآن الكريم والسنّة الركنين الأساسيّين في عملية استنباط الأحكام، وأمّا الفرق فيكمن في بعض الأمور من قبيل: أسلوب تلقّي المفاهيم من القرآن الكريم ومدى اتّساع رقعة السنّة وكيفيّة حجّية الإجماع ومقدار قيمة العقل في عمليّة استنباط الأحكام.[2]
وقد ذكر سماحة المرجع الدينيّ الشيعيّ مبيّناً ضرورة هذا الأمر من أجل تحقيق اتّحاد الأمّة الإسلاميّة حيث قال: لا شكّ في أنّ مواضع الاختلاف بين مذهب الشيعة وباقي الفرق الإسلاميّة قاصرة عن أن تلعب دور المانع عن تحقّق التعاون المشترك بين أتباع هذا المذهب وأتباع ما عداه من المذاهب الإسلاميّة، وذلك لأنّ نقاط الاشتراك والتلاقي في ما بين جميع المذاهب الإسلاميّة كثيرة جدّاً كما أنّ تلك المذاهب الإسلاميّة محاطة بالكثير من الأعداء المشتركين.[3]
وأبان سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي مؤكّداً على ضرورة الكشف عن مروّجي التفرقة والاختلاف في الوسط الإسلاميّ وإزالة النقاب عن وجوههم القبيحة، قائلاً: هناك أياد خائنة تعمل على تهويل الاختلافات بين المذاهب الإسلاميّة وتوسيع الشقّة بينهم، من خلال إشعال نيران النزاع والحروب وسفك الدماء بينهم... ويجب على المسلمين أن لا يفتحوا الباب لمخالفيهم وأعدائهم فيتمكّنوا من من تحقيق أهدافهم المشؤومة، فتضيع فرصة التعريف بالدين الإسلاميّ القيّمة التي توافرت ظروفها في عالمنا اليوم.[4]
ومن هذا المنطلق اعتبر سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي التعاون العلميّ والثقافيّ في ما بين العلماء المسلمين، أفضل الأساليب التي من شأنها الخروج بالأمّة الإسلاميّة من هاوية الإختلافات وحالة التفرّق المؤسّفة التي يعيشها المسلمون اليوم، فقال: إذا ما اجتمع العلماء المسلمون وجلسوا مع بعضهم البعض واشتغلوا ببحث المسائل محلّ الخلاف والتحقيق فيها في جوّ ملؤه الصفاء والودّ بعيداً عن التعصّب الأعمى، فإنّ احتمال تناقص الاختلافات وتضاؤلها كبير جدّاً، ولا أقول أنّ جميع الاختلافات ستزول ولكنّى متأكّد من أنّها ستتضاءل وتقلّ.[5]
ائتلاف علماء الإسلام من أجل مواجهة ظاهرة التكفير على نحو مؤثّر
يرى سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي أنّ التعاون المنشود بين العلماء المسلمين لا يتأتّى إلا بمواجهة علماء الإسلام الجادّة وموقفهم الثابت في مقابل جرائم التكفيريّين، ولأجل هذا نجد سماحته يقول بهذا الصدد: إنّ هدفنا الأوّل هو الخروج بموقف جادّ يُجمع عليه العلماء المسلمون ضدّ التكفيريّين،[6] فبملاحظة كلّ ما يجري اليوم من شنائع وفظائع، أليس من واجب علماء المسلمين أن يحذّروا الأمّة من خطر التكفيريّين الداهم وأن يعملوا على إيقاظها من غفلتها وتنبيهها لخطر الفكر التكفيريّ، لكي يتقهقر التكفيريّون ويتراجعوا؟![7].
وقد تناول سماحة المرجع الدينيّ الشيعيّ شرح الوضع الفعليّ للأمّة الإسلاميّة ودور التيّارات التكفيريّة في تنفيذ الأهداف المشؤومة لدول الاستكبار العالميّ على أكمل وجه، وذلك من خلال ما تقوم به هذه التيارات من تأجيج نيران الاختلاف وتنفيذ المجازر الشاملة في حقّ المسلمين لا سيّما الشيعة، سعياً منها إلى تقسيم العالم الإسلاميّ وتشرذمه. فقال سماحته في هذا الموضوع: في كل يوم، يشاهد المسلمون شيعة وسنّة أشلاء وجثث مجموعات من المسلمين ملقاة على قارعة الطرقات بعد أن قطّعها إرباً إرباً أشخاص ينتمون إلى تيّارات تدّعي الإسلام، هذا في حين يقف أعداء الإسلام في الغرب وأمريكا وعلى وجه الخصوص سعداء بل ويشجعونهم ويصفقون لهم لما ارتكبوا من جرائم.[8]
ولأجل هذا حذّر سماحته كبار علماء المسلمين مفتييهم من مغبّة السكوت على هذه الجرائم مؤكّداً على ضرورة الوقوف في وجه الفكر التكفيريّ المنحرف والتنديد بما ترتكبه التيّارات التكفيريّة من مجازر وجرائم، حيث قال: يا علماء الإسلام، في أي عصر من عصور الإسلام وقعت جرائم كالتي نشهدها اليوم، ألا يضاهي عصرنا هذا كلّ العصور من هذا الجانب؟! فلم أنتم تجلسون ساكتون إذاً، لم لا تنادون لإيقاف هذه المجازر لم لا تنطقون بكلمة تُعرب عن اعتراضكم على هذا الفجائع وتقولوا بأعلى أصواتكم : كفانا إراقة المسلم دم أخيه المسلم. وكلّكم تعلمون جيّداً أنّ يد أعداء الإسلام من الصهاينة وغيرهم من الدول الغربيّة وعملائهم المأجورين هم من يقفون خلف كواليس هذه الجرائم [9].
محاربة البدع، إحدى العناصر الأساسيّة في إئتلاف العلماء المسلمين
يمثّل منهاج سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في محاربة البدع أحد الخصائص المهمّة من أجل تحقيق الوحدة الإسلاميّة وتقوية أواصر التآلف بين العلماء المسلمين، فلقد أكّد سماحته في كلمة ألقاها على ضرورة محاربة بدع التيّارات التكفيريّة والوقوف في وجهها مستقبحاً سكوت بعض علماء الإسلام عنها، حيث قال: «أَوَلم يأت في المصدر الإسلاميّة أنّ واجب العالم إذا ما ظهرت البدع واستفحلت هو أن يُظهر علمه، وأنّه إن لم يفعل ذلك ستناله لعنة الله تعالى والملائكة والناس أجمعين؟! فأيّ بدعة أقبح من المجازر الانتحاريّة؟! وفي أي نصّ من آية أو رواية أو حتّى حوادث التاريخ الإسلاميّ يمكن أن نجد شيئاً يماثل قيام الانتحاريّ بتلغيم نفسه واندساسه في أوساط الآمنين العزل ليفجّر نفسه من بعد ذلك لينال جزاء فعله بدخوله جهنّم وأمّا ما قتلهم ظلماً وعدواناً فهم بمنزلة الشهداء ينعمون في رحمة الله تعالى وجنّته.[10]
أليس هذا الفعل بدعة قبيحة؟! فلا عذر لأيّ أحد في سكوته عن التنديد بهذه الجرائم، فبماذا سيعتذر الساكتون عن سكوتهم عندما يحلّ يوم الحشر ويسألهم الجبّار المنتقم؟! فهلمّوا جميعاً لكي ننهض بعزم راسخ ويقين صادق لمحاربة هذه الجرائم البشعة والمهيبة وأن نؤدّي ما برقبتنا من دَين للإسلام والمسلمين ولنعمل على أن يظلّ أعداء الإسلام ملومين محسورين.[11]
وقد أشار سماحته إلى رسالة العلماء المسلمين في إظهار حقيقة التيّارات التكفيريّة ووجهها القبيح، حيث قال: إنّ أذى هذه التيّار التكفيريّة لا ينحصر بالإسلام والمسلمين وحسب بل أنّه يتعداهما إلى البشريّة جمعاء، فواجبنا جميعاً في هذه الظروف الحالكة أن نبحث في بواعث هذه المجموعة المنحرفة ساعين إلى التعرّف على الأفكار التي ما فتأت تسوقهم إلى نار جهنّم ومن ثمّ العمل على تجفيف مصادر تلك الأفكار.[12]
كما أكّد سماحة العالم ومفسّر القرآن الكريم على ضرورة الحوار بين العلماء المسلمين من أجل صدّ هجمة الفكر التكفيريّ ومواجهته على النحو المنشود والعمل على اقتلاعه من جذوره فقال: ليس من الممكن إيقاف الهجمة الوهّابيّة الشرسة من خلال الأساليب العسكريّة والسياسيّة، بل يجب على علماء الدين أن يجتمعوا فيبحثوا القضايا الاعتقاديّة والفكريّة التي يبثّها الوهّابيّون والتي تقف وراء انجذاب الشباب إليهم.[13]
ومن هذا المنطلق يجب على علماء الإسلام أن يشمّروا عن سواعدهم فيقتلعوا معتقدات الوهّابيّة من جذورها. ويتحتّم على جميعنا أن نصدح عالياً بأنّ ما يقومون به من نشاطات مشبوهة لا يمتّ إلى الإسلام والقرآن الكريم بأيّ صلة... ويجب على علماء الإسلام أن يعملوا على تجفيف الجذور الفكريّة لهذه الفرقة، حيث إنّ المسؤوليّة الواقعة على عاتق العلماء المسلمين لعظيمة وجسيمة، وذلك لأنّ السكوت قد يؤدّي بهم إلى لعنة الله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عَلِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ».[14]
يجب على علماء المسلمين أن ينتظموا في لقاءات وحوارات دوريّة، وذلك لأن ابتعادهم عن بعضهم يجعلهم يسيؤون الظنّ بأنفسهم بينما تقاربهم عن بعضهم البعض يكشف حقائق الأمور ويخلق جواً من الثقة المتبادلة والاطمئنان فيما بينهم.[15]
تآلف العلماء المسلمين عنصر حيويّ في القضاء على تفرّق الأمّة الإسلاميّة
جدير بالذكر أنّ تبعات انعدام التواصل والتعاون العلمي والبحثيّ والتقريبيّ في ما بين علماء المذاهب الإسلاميّة وعواقب عدم التواصل الثقافيّ بين الشيعة وإخوانهم من أهل السنّة، قد أدّى بالأمّة الإسلاميّة إلى مواجهة العديد من الأزمات، حيث كان تشرذم الأمّة الإسلاميّة الواحدة وتفرّقها أحد هذه التبعات، ولأجل هذا قال سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «يمثّل انعدام التواصل والترابط في ما بين الأمّة الإسلاميّة، فعندما نتواصل في ما بيننا نكون متّحدين، وعندما ينعدم التواصل بيننا ولا نتعرّف على بعضنا البعض، لن يكون لدينا الاستعداد لكي نتعاون مع بعضنا البعض»[16].
فعلى سبيل المثال، لقد شاع بين أهل السنّة أنّ الشيعة لا يعتقدون بهذا القرآن الكريم الموجود بأيدي المسلمين بل أنّ لديهم قرآناً آخر، فإذا جاء أهل السنّة ورأوا المساجد الشيعيّة وتصفّحوا القرآن الكريم الموجود فيها وطالعوا تفاسير علماء الشيعة لزال سوء الظنّ هذا.[17]
وتطرّق سماحته إلى بيان سبب وجود التفرقة والاختلاف وارتباطها بالدور الهدّام الذي يلعبه المتؤامرون من أعداء الإسلام وبعض الأنظمة العميلة التي وضعت أيديها في أيديهم علاوة على التيّارات التكفيريّة، حيث قال: إنّ إحدى الأسباب التي أدّت وقوع الفرقة بين المسلمين، وجود العملاء الذين تواطؤوا مع أعداء المسلمين، حيث إنّ أعداء المسلمين عملوا على صفّ الوهابيّة وأهل السنة وحشدهم في مقابل الشيعة. ولكي نتمكّن من إفشال هذه المؤامرات يجب علينا أن نقوّي علاقاتنا بأهل السنّة ليتعرّفوا على منطقنا فلا يحكمون علينا من على البعد. [18]
نفي تهمة القول بالتحريف إحدى العناصر المهمّة في تقوية الاتّحاد بين علماء المسلمين
لا شكّ في كون آثار التعاون والترابط بين علماء المذاهب الإسلاميّة وبركاته قابلاً للبحث والتحليل من زوايا مختلفة، غير أنّ نفي تهمة التحريف عن التعاليم الدينيّة لدى كلّ من الشيعة وأهل السنّة يمثّل أحد أهمّ العناصر القيمة التي من شأنها أن تهّيئ أسباب إيجاد الألفة والتعاون بين علما الإسلام والإرتقاء بوحدة الأمّة الإسلاميّة.
ولقد أوضح سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي الدور منقطع النظير الذي يمكن للتعاون والتواصل بين علماء المسلمين أن يلعبه، فقال: إنّ تهمة التحريف تمثّل في واقع الأمر حرباً لأهمّ أركان الإسلام، وللأسف الشديد نجد أنّ بعض الجهلاء دائماً ما يسعون لترويج الفتنة من خلال رميهم بعض المذاهب الإسلاميّة بالاعتقاد بتحريف القرآن الكريم، قاصدين بذلك توسيع رقعة الخلاف بين المسلمين وإسكات أصوات المنادين بالوحدة الإسلاميّة من المشفقين على المسلمين، وقد غفل هؤلاء الجهلاء عن أنّ ترويج تهمة الاعتقاد بتحريف القرآن الكريم لن يفيدهم شيئاً بل أنّهم بفعلهم هذا يقومون بتضعيف القرآن الكريم من حيث لا يعلمون، وذلك لأنّهم يشعلون جذوة شبهة وقوع التحريف في القرآن الكريم في أذهان الناس.[19]
وقال سماحته مواصلاً حديثه: من المسلّم أنّ الأكثريّة القريبة للحدّ الإجماع من علماء الفريقين تردّ شبهة التحريف عن القرآن الكريم، ولذا لا يمكن إلصاق تهمة القول بتحريف القرآن الكريم بأي مذهب من المذاهب الإسلاميّة، فإن المعتقدين بوقوع التحريف في القرآن الكريم هم مجموعة صغيرة جدّاً، وبالالتفات إلى الأدلّة المحكمة التي أشرنا إليها إجمالاً يثبت بطلان عقيدتهم وأنّ قولهم لا أساس له.[20]
ولقد تحدّث سماحة المرجع الدينيّ الشيعي شارحاً عصمة القرآن الكريم عن وقوع التحريف فيه قائلاً: فكيف يمكن أن تصل يد التحريف إلى كتاب كان منذ نزوله وما زال مقروءاً في المجامع سواء في الصلاة أو في غيرها، بل وحفظه عن ظهر قلب أعداد كبيرة من الناس على مرّ الدهور والأزمنة، حتّى قيل أن عدد كتّاب الوحي في زمان نزوله قد وصل إلى أربعين شخصاً، هذا علاوة على أنّ هذا الكتاب قد كان دائماً وما زال يشمل جميع التعاليم التي يحتاجها المسلمون، قطعاً إنّ القول بوقوع التحريف في كتاب من هذا القبيل أمر غير عقلانيّ.[21]
سنّ القوانين المناهضة للتكفير في ظلّ تعاون وتآلف العلماء المسلمين
يمكن الإشارة إلى دعوة العلماء المسلمين إلى سنّ القوانين المناهضة للتكفير بعنوان كونه أحد المناهج التي التزم بها سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في خطّة محاربة التيّارات المتطرّفة ومواجهتها على النحو المنشود، فقد قال سماحته في إحدى خطبه: ومن أهمّ المعايير في إيجاد التآلف والتعاون بين العلماء المذاهب الإسلاميّة يمكن يذكر الآتي: توسيع رقعة نهضة الإصلاح، والاستفادة من آراء جميع فقهاء ومجتهدي المذاهب الإسلاميّة، وسنّ القوانين على أساس أفضل الآراء وأكثر الفتاوى توافقاً مع مقتضيات العصر واحتياجاته[22].
ومن هذا المنطلق أكّد سماحة المرجع الدينيّ الشيعيّ على ضرورة استمرار التعاون والتواصل بين كبار علماء المسلمين وذلك من خلال اهتمامه المتزايد يوماً بعد يوم بتنفيذ هذا الأمر المهمّ في تفعيل المقابلة المؤثّرة والهادفة لصدّ التيّارات التكفيريّة، لا سيّما في خصوص فعاليات المؤتمر العالمي لمناهضة التيارات المتطرّفة والتكفيريّة في رؤية العلماء المسلمين، حيث قال سماحته: لقد تمّ تأسيس الأمانة العامّة الدائمة لهذا المؤتمر في إحدى مدن العالم الإسلاميّ المهمّة من أجل العمل على محاربة التيّارات التكفيريّة فكريّاً وثقافيّاً، كما أنّ أعضاءه هم علما من المؤسّسات الفكريّة والثقافيّة في شتّى أرجا العالم الإسلاميّ، الذين يتشاورون من أجل إيجاد طريق الحلّ المناسبة لاجتثاث الأفكار المتطرّفة من جذورها.[23]
كلمة أخيرة
في نهاية المطاف، يجدر بنا القول أنّ أهمّ خصائص تحقيق اتّحاد الأمّة الإسلامية بحسب آراء وأفكار سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي الرامية لإيجاد الوحدة الإسلاميّة، من حيث كونها منشوراً جامعاً لإيجاد التآلف والتعاون بين علماء الأمّة الإسلاميّة، هي عبارة عما يلي:
أوّلاً: الابتعاد عن القضايا السياسيّة محلّ الاختلاف، والعمل على البحث في مسألة التكفير والغلو من منظور فقهيّ وإسلاميّ.[24]
ثانياً: عدم التطرّق إلى بحث الأمور التي توسّع شقة الخلاف الطائفيّ؛ وإن كان ذلك بمقدار ذكر كلمة واحدة، فالواجب على الجميع أن يضعوا أيديهم في أيدي بعضهم البعض، وأن يعملوا على تداول الأفكار والحلول في ما يتعلّق بخطر التطرّف والتكفير الداهم.[25]
ثالثاً: ضرروة احترام مقدّسات جميع المذاهب الإسلاميّة.[26]
لا يوجد تعليق