المقدّمة
سُمّي يوم 21 من شهر تير الإيراني (الموافق 12 يوليو/تموز) بيوم العفاف والحجاب. والمناسبة إحياء لذكرى قمع انتفاضة الشعب الإيراني الدامية ضد الإعلان عما سمّي آنذاك بـ «كشف الحجاب» من قبل رضا شاه البهلوي في مسجد جوهرشاد بالحرم الرضوي بمدينة مشهد المقدّسة عام 1936م. ويبدو من الضروري في هذه المناسبة القيام بتحليل ومراجعة تحقق حكم الحجاب والعفاف في ظل النظام الإسلامي القائم. والمقال برمته مؤسس على رؤى وأفكار سماحة المرجع الديني الكبير الشيخ مكارم الشيرازي القيّمة حيث يسعى إلى تحليل تفصيلي شامل لأهم مقومات وعناصر تحقيق هذا الحكم الإسلامي وترسيخه في المجتمع.
ويجب الإذعان - بادئ ذي بدء - على أنّ الحجاب ووفقاً لرأي سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي جزء حيوي لا ينفصل عن الثقافة الإسلامية الراقية ولا يحق لأحد كائناً من كان أن يجبر المرأة المسلمة على ترك هذه الثقافة الدينية مهما كانت الأسباب لأهمية هذا الحكم الديني القصوى ولوجود الآيات الدالة عليه في كتاب الله المجيد. فلا يمكن لأحد أن ينكر هذا الحكم ويقدم تبريرات خاطئة عنه لا تمت بصريح ما ورد في الآيات بصلة[1].
وتراجيديا جريمة رضا شاه البهلوي في باحة مسجد جوهرشاد والكم الهائل من الشهداء الذين سقطوا في هذا الحدث لم يبقي مجالاً للشك إزاء قضية الحجاب ولا يمكن التغاضي عن هذا الحكم الإلهي بسهولة[2]. ومن هذا المنطلق وبعد الاطلاع على ما تقوم به حكومة طاجيكستان من محاكاة لممارسات رضا شاه البهلوي في السعي وراء محاربة الحجاب، قام سماحته بتقديم النصائح الوديّة إلى رئيسها شخصياً حيث قال: أما نحن فقد جربنا هذه العملية في عهد رضاخان فكان يعارض الحجاب ويسحب الشادور من على رؤوس النسوة وقام بجريمة قتل عدد كبير من الناس في مسجد جوهرشاد؛ مع هذا فإنّ الشعب لم يستسلم وثار ضد رضاخان وأعاد الحجاب الإسلامي الأصيل إلى مكانته الحقيقية[3]. إذن، من الأفضل أن تتركوا الناس بحالهم ليقوموا بواجبهم الشرعي تجاه الحجاب. فأصل الحجاب أمر لا يمكن إنكاره أو صرف أنظار المسلمين عنه[4]. لأن المسلمين ملتزمون بهذا الحكم الديني لتصريح القرآن به في آيات وسور عديدة لا يمكن إنكارها؛ فالحجاب من مظاهر الإسلام ويعرف المسلمون به في أنحاء العالم كافة[5] .
والكاتب بذكره مقاطع مهمّة واستراتيجية من أقوال سماحته في مستهل المقال، إنّما يؤكد على استلهامه في كتابة هذا البحث من ينابيع آراءه الراقية والسامية دعماً وتعزيزاً لما سيأتي في المقال من دراسة وتحليل وتدقيق لبحث مدى تحقيق حكم الحجاب والعفاف على المستوى الفردي والاجتماعي ليضعه بين يدي القارئ الكريم والحمد لله رب العالمين.
ضرورة البحث
لا شكّ في أن الحجاب من مسلمات الإسلام التي تجتمع حوله آراء علماء المسلمين كافة ولا يختلف عليه اثنان. وأي محاولة للسفور أو كشف الحجاب أو خلعه جزئياً تتنافى وأحكام الشريعة المقدّسة. ويجب أن يتضاعف التزام المرأة المسلمة بالحجاب في المدن والأماكن الدينية المقدسة لأن ذنب عدم الالتزام به في هذه الماكن سيتضاعف أيضاً. ومما لاشك فيه فإن ارتداء الشادور يكون من الأولى في جميع الأماكن لاسيما الدينية والمقدسة منها[6].
أجل؛ فالحجاب من ضرورات الدين ومقتبس من القرآن الكريم وتعترف به جميع المذاهب الإسلامية. والمقصود من ضرورات الدين هو ما يشعر بالتزام المسلمين به كل من عايش المسلمين ورافقهم بالقدر المتيسر[7] .
ومن هنا، يجب الترويج للحجاب والعفاف والقضايا العقائدية الأخرى في المجتمع لأن المشاكل الاجتماعية والثقافية تساعد على تفاقم المشاكل الأخرى في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية[8].
والحجاب واجب إسلامي ومن الضروريات الدينية التي كثر التأكيد عليها في آيات كتاب الله والروايات الإسلامية حتى بلغ الأمر الأصدقاء والأعداء وعرفوا بأن الحجاب جزء من برنامج الإسلام الكوني ولهذا أبدى أعداء الإسلام حساسية بالغة إزاءه[9] .
إن السفور وعدم الالتزام بالحجاب يزعزع أركان الأسرة وعلينا متابعة تحقيق هذا الحكم كواجب اجتماعي ونقف سداً أمام أي نوع من السفور وشبه السفور والعري. ومن ينكر نتائج هذه الأفعال السلبية، فقد خدع نفسه. والحقيقة، شئنا أم أبينا، إن هذه الآثار تأتي نتاجاً للسفور وشبه السفور[10].
سيتعرض النظام لضربة قاسية لو لم نحافظ على حجاب المجتمع؛ لأن أعداء الثورة يرصدون أي مبادرة لكشف الحجاب لاتخاذها مطية لإضعاف النظام[11].
ويمكن القول بعد هذه التفاصيل بأن الحجاب للمرأة المسلمة أمر يقيني ومن ضروريات الإسلام. وقد صرح به كتاب الله المجيد وأكدت عليه سيرة رسول الله صل الله عليه وآله والتزم به جميع علماء الإسلام بمختلف مذاهبهم. وفي الحقيقة أن الحجاب هو عزّ المرأة المسلمة وشرفها ويجلب لها الاحترام ويطهر المجتمع الإسلامي من الكثير من المفاسد[12]؛ فمن منظور الإسلام كلما التزمت المرأة جانب العفاف والحجاب، كلما كانت أفضل وأقرب إلى التقوى والطهارة[13].
إذن فقضية الحجاب في بلدنا خرجت عن كونها حكماً دينياً فرعياً وتحولت إلى أصل ديني متين؛ لأن المسلمين المغتربين لا يعرف إسلامهم إلا من خلال التزامهم بالحجاب. ويعارض الأعداء حكم الحجاب لإضعاف الإسلام في الخارج كما يحاول أعداء الثورة في الداخل في تأكيدهم على السفور وكشف الحجاب، إضعاف النظام. فيقول هؤلاء بأننا لو تمكنا من سحب هذه الفوطة عن رأس المرأة المسلمة، فقد تقدمنا خطوة كبيرة نحو إضعاف النظام الإسلامي ومن هنا يأتي تأكيدنا على الاهتمام بالحجاب في داخل الجامعات وخارجها[14].
إذن يجب التأكيد على قضية الحجاب المهمّة لا باعتبارها من المسلمات والواجبات الدينية بل باعتبارها من ضروريات الإسلام خاصة، وقد علم من يعاشر المسلمين في زمننا بأن الحجاب حكم متفق عليه من قبل الطوائف الإسلامية كافة وقد تحول إلى شعار الإسلام والتزم به المسلمون ومن هنا جاءت خشيتهم من هذا الحكم الديني[15].
وقفة تأمل نحوية مصطلحية ومفهومية حول الحجاب والعفاف
يقول سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي في معرض شرحه وتفسيره اللغوي والمفهومي حول مصطلحي العفاف والحجاب بأن العفة حسب ما بينها الراغب في المفردات هي «حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة»[16][17] وبتعبير أسهل تعبر عن حالة السيطرة عند مواجهة الشهوات. وعندما نتحدث عن الشهوة لا نقصد منها الشهوة الجنسية بل نعني بها المعني العام كشهوة المال والجاه والمأكل والتحدث والشهوة الجنسية وغيرها من الشهوات. والعفة في جميع هذه الشهوات هي الكابح والعنصر المسيطر دون الوقع فيها[18].
إذن فالعفة فضيلة وتجسد نقطة التعادل في القوة الشهوية بمعناها العام دون التخصيص والتي تعني الرغبة والانجذاب نحو شيء ما كالجذبة نحو المال والمنصب والرغبة الجنسية وغيرها. وإذا طغت هذه القوة واخترقت حدودها فستتحول إلى الحرص وإن لم تبلغ حد الاعتدال ووقفت دون ذلك فيميل طابعها نحو الكسل والخمود. وبين الحرص والكسل تقف نقطة الاعتدال وتسمي لغوياً بالعفاف[19].
والحجاب من حيث اللغة يعني الحائل بين الشيئين[20] ولذلك يسمى الحاجز الموجود بين الأمعاء والقلب والرئة بالـ «الحجاب الحاجز»[21]. وكلما وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم كان القصد منها الستار أو الحائل[22].
والحجاب الشرعي للمرأة هو ستر كامل الجسد ما عدا الوجه والكفين[23]. إذن يكفي للحجاب الواجب الشرعي أن تستر المرأة جسدها ماعدا الوجه والكفين بأي ملبوس متاح ولا يشترط في هذا الأمر ارتداء زي خاص وإنّما الإشكال يقع في ارتدائها أزياء ضيقة تظهر وتبرز مفاتن الجسد وأزياء الزينة[24].
العقبات والأضرار الحائلة دون تحقق حكم الحجاب والعفاف
هناك عدة أسباب وحسب رؤية المرجع الديني الشيخ مكارم الشيرازي، تحول وبقوة دون تحقق حكم الحجاب والعفاف في المجتمع الإسلامي، نورد أهمها في البنود التالية:
أوّلاً: تزييف مبدأ حرية الرأي في مقولة الحجاب والعفاف:
لقد ردّ سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي في معرض شجبه وتنديده لبعض الأفكار الخاطئة التي تطالب بنقد مقولة الحجاب والعفاف شأنها كشأن سائر المظاهر الاجتماعية مستندين في ذلك على مبدأ حرية الرأي والتعبير والنقد البنّاء قائلاً: يجب أن يكون النقد موجّها للإصلاح وليس للتدمير، وأن يكون بنّاءً وودّياً ومفيداً وألا يقدّم بنية التدمير والمقاصد الخفية والانتقامية. وهذه هي شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي بينتها الشريعة. فسيكون من الأمر الجيد لو لم نتجاوز تلك الحدود. سيكون من الخطأ الفادح لو التزمنا الصمت إزاء تردّي وضع الحجاب والعفاف وانتشار المفاسد في المجتمع بحجة الظروف الاقتصادية أو العقوبات الاقتصادية المفروضة وغيرها من الذرائع[25].
ثانياً: تدخّل آراء غير مختصة في مقولة الحجاب والعفاف:
صرح سماحته في شرحه لضرورة تدخل النخب في المجالات المهمّة لاسيّما مجال العفاف والحجاب بأن النقد يجب أن يوجه من قبل أهل العلم وأساتذة الجامعة ومن يمتلكون المعلومة في هذا المجال بغية إصلاح المجتمع والظروف الراهنة[26] وقد يري البعض وللأسف أن ظاهرة شبه السفور لا تترك أثراً مهمّاً على المجتمع متجاهلين بذلك المفاسد الناتجة عن هذا النشوز الاجتماعي والذي يلوّث الجنسين بتبعاته[27].
ثالثاً: التسامح المبذول من قبل بعض الأشخاص والجهات في مواجهة شبه السفور:
يري سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي أن النظرة السياسية لبعض المدراء تجاه مقوّم الحجاب الثقافي وعدم القيام بتخطيط منهجي لهذا المجال المهم والحيوي يشكل العقبة التي تحول دون تحقيق حكم الحجاب والعفاف في المجتمع. ومن هذا المنطلق دعى سماحته إلى التخطيط الصحيح لمواجهة الانحلال الأخلاقي وظاهرة شبه السفور وانتقد الجهات التي تتجاهل القضية وتكبّل أيدي من يريد القيام بواجبه في مكافحة هذه الظاهرة اللاثقافية[28].
رابعاً: الليبرالية الأخلاقية، عقبة مهمّة تحول دون تحقيق الحجاب والعفاف:
إن وجود المثقفين المتغرّبين والمساعي المبذولة من قبل هؤلاء والتيارات المتغرّبة لإزالة قبح وبشاعة السفور تشكل حسب رأي سماحة الشيخ الشيرازي العقبة الأساس ضد أي محاولة لرقي المجتمع نحو الالتزام بحكم الحجاب والعفاف وقال في هذا المجال: تتصاعد النغمات من المتغرّبين من هنا وهناك بأن حرية ارتداء الحجاب أصبحت وشيكة. وعلى المسؤولين أن يبذلوا قصارى جهدهم لمكافحة ظاهرة شبه السفور حتى لا يُتّهموا من قبل الشعب بالتهاون ودعم الليبرالية الأخلاقية وحمايتها[29]. ثم أضاف سماحته قائلاً: يروّج البعض بأننا لم نتمكن من الترويج لحكم الحجاب باستخدام القوة في حين تظهر فعاليات بعض المؤسّسات القيمية بأنه من الممكن تصحيح مواطن الضعف والخلل عبر إطلاق برامج ثقافية تقدم تعليمات ثقافية محدّدة في هذا المجال[30].
وانتقد سماحته في جزء آخر من حديثه بعض مواقف الحكومة في تنفيذ اتجاهات المتغرّبين قائلاً: إن المحافظة على الحجاب واجب شرعي وأخلاقي خلافاً لما يناشد به المغترّبين الحكومة من عدم الإصرار على هذا الواجب وجعله في إطار الحريات الشخصية[31].
ثم تطرّق سماحته إلى الضرر البالغ الكامن في نمط تفكير بعض المدراء حول الحجاب حيث قال: وللأسف الشديد لقد حلّ السفور في بعض المناطق بدل ظاهرة شبه السفور إثر تصريحات بعض الساسة وبعض تفسيرات وسائل الإعلام فضلاً عن الإهمال الموجود بالحجاب. في حين أن الحجاب حكم مصيري جعله الله تطهيراً لقلوب الجنسين حين قال عزّ من قال: «ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن».
وأشار سماحته إلى انعكاسات السفور وشبه السفور السلبيّة على المجتمع وأضاف: إن الحجاب أمر مصيري وليس مجرد أمر ديني بسيط. فإذا زال الحجاب عن المجتمع أو أصبح حكماً هامشياً، عمّت في إثره العلاقات غير الشرعية وارتفعت نسبة الجريمة وحلّت الفوضى وانعدم الأمن وحدثت أمور أخرى تسبّب انهيار كيان الأسرة الواحدة[32].
السفور والخلاعة؛ النتائج والتبعات
إن السفور والخلاعة وحسب رأي سماحة آية الله العظمى، تجعل المجتمع الإسلامي وكيان الأسرة أمام تحدّيات عديدة، نشير إلى بعضها في السياق التالي:
أوّلاً: السفور نافذة نحو الخلاعة والتعرّي:
يقول سماحته في هذا المجال: إن الأمر بالستر والحجاب من أوامر الإسلام المؤكدة وقد أشار القرآن الكريم وفي آيات عديدة ومنها الآيات 31 و60 من سورة النور والآيات 33 و53 و59 من سورة الأحزاب إلى هذا الحكم الشرعي حيث خاطب فيه النساء المؤمنات تارة ونساء النبي تارة أخرى بالالتزام بهذا الحكم وحدّد تكليف الجميع مستثنياً من هذا الحكم القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً مبيّناً سبحانه وتعالى بذلك أهمية هذا الواجب الإسلامي. ومن البديهي بأن كشف الحجاب أو التهاون بهذا الحكم سيفتح نوافذ عريضة للخلاعة والحرية الجنسية والاستهتار وقد لا تخفى على أحد المشاكل والمفاسد الناتجة عن هذه الحالة في زمننا الراهن.
ثانياً: السفور؛ سباق الابتذال والبهرجة:
وشرح سماحته في مقام آخر ضمن حديثه عن الحجاب، نتائج وتبعات السفور قائلاً: إن السفور يسبب اشتراك جمع من النساء في سباق لن ينته لاستعراض مفاتن أجسادهن وإثارة ذوي النزوة من الرجال. وسيترتب على هذا الأمر نتائج وانعكاسات بالغة الضرر لاسيما مع ارتفاع سن الزواج في عصرنا هذا وانهماك الشباب في شؤونهم الدراسية والتي تسببت في تكوين طبقة عظيمة من الشباب الأعزب[33].
ثالثاً: السفور؛ مصدر الأمراض النفسية والروحية:
فضلاً عن ما يسببه السفور من الناحية الاخلاقية من كثير من حالات انعدام الامن في الاسر وارتفاع معدلات الجرائم، فإنه يؤدي إلى الهياج العصبي المستمر والنرفزة والأمراض النفسية التي تهدد التماسك الأسري وتحدّ من قيمة شخصية المرأة في المجتمع[34].
رابعاً: الطلاق في ظل السفور:
إن السفور يلوّث القلب والأخلاق سواء عند المرأة والرجل. والتخلص من الحجاب يؤدي إلى علاقات غير مشروعة تزعزع أركان الأسرة عند تزايدها وتنتهي إلى الطلاق والذي يضيع بدوره مستقبل الأطفال ويجعلهم أدوات للجريمة في المستقبل[35].
ويظهر كشف على الملفات أجري في بريطانيا على أنّ الأطفال غير الشرعيين أو الأطفال فاقدي الكفيل يشكلّون النسبة الأعلى من بين من يرتكب الجرائم في المجتمع وهذا من شأنه تحميل المجتمع أعباء ثقيلة جراء ذلك. إذن فالحجاب ليس مجرّد واجب شرعي بل هو واجب اجتماعي للحفاظ على أمن وسلامة المجتمع برمته[36].
خامساً: التسامح إزاء المنكرات:
يقول سماحته في إحدى خطاباته: لو أردنا مجتمعاً سالماً ونزيهاً وأسرة متينة متماسكة، فيجب علينا الاهتمام بقضية الحجاب والوقوف أمام المنكرات.
سادساً: السفور؛ السبب الأساس في مفاسد لا حصر لها:
إن السبب الأساس لكثير من المفاسد والجرائم يأتي من شبه السفور والتساهل بالحجاب. لقد كان الحجاب في الماضي فرعاً من فروع الدين ولكنه اليوم وفي الظروف الراهنة أصبح من أصول الدين، لأنّه رمز الإسلام.
إنّ لشبه السفور تبعات سلبية كثيرة، تتسبب في زعزعة كيان الأسرة وارتفاع نسبة الدعارة. كما تؤدي إلى تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع فضلاً عن جلبه للكثير من الذنوب للمرأة والرجل على المستوى الاجتماعي[37].
ويعتبر آية الله الشيخ مكارم الشيرازي ظاهرة السفور المصدر الأساس لكثير من المفاسد الأخلاقية والاجتماعية حيث يؤكد قائلاً: إن الحجاب واجب مهمّ وفضلاً عن كونه واجباً شرعياً فهو واجب اجتماعي، ومن الضروري أن تبذل الأسر اهتمامها البالغ إزاء هذه القضية[38].
العناصر الدالة على تحقق حكم الحجاب والعفاف في النظام الإسلامي
فيما يلي استعراض لأهم عناصر تحقيق حكم الحجاب والعفاف في النظام الإسلامي وفقاً لوجهة نظر سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي مرتّبين من الأهم إلى المهم:
أوّلاً: التعاليم الإسلامية؛ العنصر الرئيس في تحقيق حكم الحجاب والعفاف:
يقدم سماحته مقولة التعليم الإسلامي على التزام الحجاب والعفاف وتحدّث في أحد لقاءاته حول هذا الموضوع قائلاً: لقد سُئل الناس في استطلاع عن رأيهم حول أهم مشكلة ثقافية يواجهها البلد في الوقت الراهن. فأجاب الكثير بأنها مشكلة المخدرات والإدمان وأجاب آخرون على أنّها مشكلة الفضائيات والإعلام الغربي الفاسد. وقد ذكر البعض بأنها تأتي من السفور وشبه السفور كما رأى البعض الآخر بأنّها تكمن في ارتفاع سن الزواج لدي الشباب. وكل الاجابات أصابت الهدف لكن علينا القول بأن أهمّ مشكلة تواجه البلد هي الابتعاد عن التعاليم الإسلامية. فمتى عمّت وسادت التعاليم الإسلامية على المجتمع ارتفعت المشاكل الثقافية[39].
ثانياً: دور الحكومة والمنظمّات الأخرى في تحقيق حكم الحجاب والعفاف
للحكومة والمنظمّات الأخرى دوراً رئيساً ومهماً في التمهيد لآليات تنفيذ حكم الحجاب والعفاف الإسلامي في المجتمع ويقول سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي مشيراً إلى واجبات الحكومة الذاتية في تحقيق هذا الحكم بأنه من الممكن نشر هذه الثقافة بدء من الدوائر والمشافي ووصولاً إلى المراكز الخاضعة لإشراف للحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر. كما يجب أن تبذل الجامعات والمدارس ومراكز التعليم والمؤسسات الأخرى اهتماماً أكثر جدية بقضية الحجاب؛ فضلاً عن منظمة الإذاعة والتلفزيون والتي يمكن لها الترويج لهذه القضية بصورة مباشرة وغير مباشرة[40].
وقال سماحته مشيراً إلى ظاهرة شبه السفور المنتشرة في البلاد ومذكّراً في الوقت ذاته بدور الإعلام بأنه يجب على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون أن تبذل مجهوداً أوسع في القضية بشكل مباشر وغير مباشر لأنّ السفور وشبه السفور يؤدي إلى الشذوذ ويتسبب في ظهور الكثير من المفاسد الأخلاقية والاجتماعية[41].
وأضاف سماحته بأن الحكومة وفضلاً عن مساعيها لحلحلة المشاكل الاقتصادية، يجب أن تقوم بالتخطيط للقضايا الثقافية وتبدأ بتفعيل الجانب الثقافي المرتبط بالحجاب من موظفيها بلوغاً نحو انتشارها في المجتمع.
ولم يغب قطاع التربية والتعليم وما له من دور مهم في هذه الساحة من توجيهات سماحته حول الحجاب حيث خاطب المسؤولين على هذا القطاع الحيوي بقوله بأن موضوع الحجاب لابدّ وأن يدخل الكتب الدراسية بشكل منطقي ليبين للتلاميذ أضرار وأعراض اللامبالاة والانحلال وأهمية الحجاب كواجب ديني لا يمكن التغاضي عنه بسهولة[42].
وعليه فالجميع يتوقع من الحكومة الإسلامية أن تأخذ القضية على محمل الجد وأن لا تمر عليها مرور الكرام لأن القضية حيوية وترتبط بشكل رئيس بكيان الأسرة والأمن الوطني لهذا البلد الإسلامي[43].
الشعب - وبحمدالله - قام بواجبه في هذا المجال وأبدي اهتماماً مضاعفاً لهذه القضية وقد حان الوقت للمسؤولين والمنظمات الحكومية أن يدخلوا الساحة بهمة مضاعفة ويقومون بتنفيذ مبادرات جادة تواكب وتكمل ما انجزة الشعب في هذا المجال[44].
ثالثاً: العمل الجماعي؛ ضرورة اساسية في امر الحجاب والعفاف:
وانتقد سماحته المبادرات الفردية التي يقوم بها الاشخاص بدافع الرغبة الشخصية في مجال الحجاب والعفاف منوهاً على ضرورة التقاء كل المساعي المبذولة بمجرى واحد مقوّم بالعقل والعمل الجماعيّين ليترك الأثر المنشود له في المجتمع وأضاف سماحته قائلاً: يجب على الحكومة أن تقوم بواجبها في هذا المجال وتبدأ بإصلاح الوضع من المنظمات والمؤسسات التي تقع تحت إمرتها ومن جانب آخر يقوم مجلس الشورى بسنّ قوانين ومشاريع عمليّة لمكافحة المفاسد الأخلاقية. يجب أن تتنحى الآراء والمبادرات الفرديّة في هذه القضية جانباً ويتم العمل بشكل جماعي ومنسق حتى نتخلّص مما نعانيه من مشاكل[45].
ويتبيّن مما جاء بأن سماحته يرى أنه من الممكن الحؤول دون انتشار ظاهرة شبه السفور باستخدام التعميمات الإدارية الموجهة نحو الدوائر والمنظمات والمؤسسات التعليميّة والاستعانة بمشروع الأمر بالمعروف قيد التنفيذ حالياً في جميع أنحاء البلاد[46].
رابعاً: قوات الشرطة؛ الذراع التنفيذي لتحقيق مشروع العفاف والحجاب:
لقد أشاد سماحة المرجع الكبير ومفسر القرآن الكبير الشيخ مكارم الشيرازي بجهود قوات الشرطة الجبارة في مواجهة ظاهرة شبه السفور. وفي لقائه مع عدد من كوادر قوات الشرطة أكّد سماحته على دعمه لقوات الشرطة في تحركهم ضد المفاسد الأخلاقية وقال إن سعي هذه القوات مشكور لأن ضباط قوات الشرطة يقومون أولاً بتوجيه إنذار شفوي وبشكل محترم لكلّ من لم يلتزم بالحجاب وإذا لم يجدي هذا الإنذار نفعاً أو تسبّب في ردة فعل عنيفة من قبل مخترق القانون، يلجأ الضباط إلى التعامل القاطع لحسم الموقف ثانية. فلا يتوقع هؤلاء الأشخاص التشجيع والتكريم إزاء انتهاكهم للقانون[47].
خامساً: مهمّة علماء الدين في تحقيق الحجاب والعفاف:
لقد أعطى سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي لعلماء الدين الدور الريادي في تحقيق حكم الحجاب والعفاف وقال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ومسؤولية يقوم بها الجميع إنّما تتضاعف هذه المسؤولية لدى علماء وعلماء الدين. فعليهم الوقوف أمام المنكرات. فلو انتشرت ظاهرة شبه السفور وأصبحت عرفاً متبعاً في المجتمع فلا يمكن حينئذٍ القيام بأي عمل ضدها[48].
إذن، يجب علينا نشر ثقافة الحجاب والعفاف والقضايا العقائدية الأخرى لأن المشاكل الاجتماعية والثقافية قد تتسبب في ظهور مشاكل أخرى اقتصادية وسياسية وأمنية[49].
وبناءً على ما ورد، يتحتّم على خطباء المنبر المحترمين أن يستثمروا منابرهم لتعزيز الحجاب والعفاف في المجتمع من خلال الآيات القرآنية والروايات الإسلامية تعزيزاً لمبادئ الدين الحنيف العقائدية ولتعريف الناس بالأحكام الدينية والأخلاق الإسلامية. كما عليهم أن يدعوا الناس إلى الوحدة ومزيد من اليقظة في مواجهة أعداء النظام الإسلامي[50].
والمسؤولية في هذا المجال ثقيلة، وتقع على عاتق المراجع والعلماء والحوزات العلمية، فكلّ مكلّف من موقعه بأن يقوم بأداء مهمّته وواجبه. فما الفائدة والجدوى من أن نسخّر جل وقتنا للدراسة وأن نقضي عمرنا في الحوزة دون أن يؤدّي ذلك إلى نشر تعاليم الإسلام ومدرسة أهل البيت عليهم السلام وإصلاح المجتمع من الجانب الثقافي؟ يجب أن ينتفع المجتمع من علمنا[51].
سادساً: الحاجة إلى الممارسات الثقافية بدلاً من الممارسات السلبية والقسرية في تحقيق حكم الحجاب والعفاف:
من جملة المواقف التي انفرد بها سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي في مجال تحقيق الحجاب والعفاف، رؤيته في تقديم العامل الثقافي على العناصر الأخرى في مواجهة ظاهرة السفور وشبه السفور. حيث يري سماحته أن الممارسات الثقافية تمثل الحل الأفضل لهذه الظاهرة السلبية فيقول: لسنا من دعاة العنف والتعسف. يجب الدخول وبتدبير عبر الطرق والممارسات الثقافية. فلا حاجة للعنف مادام التدبير والحزم يفيان لإنجاز الأمور[52]. وأضاف قائلاً: نحن نتحدث بشكل منطقي ومؤدّب وبشفافية وصراحة، ولم نخش تذمّر البعض من حديثنا عن الحجاب والفضائيات[53] إذن فمواجهة ظاهرة شبه السفور بالممارسات القسرية لا تجدي نفعاً والوعظ والممارسات الثقافية هي الطريق الأنجع للحدّ من هذه الظاهرة وكما نرى وبحمدالله أنّ اهتمام سماحة قائد الثورة الإسلامية ومجلس الشورى الإسلامي والسلطات الأخرى منصب نحو هذا الاتجاه[54]. فحذاري أن نهمل الجانب الثقافي في قضية الحجاب والعفاف لأن الحجاب رمز الإسلام[55] ولهذا نتساءل لماذا أهمل مشروع العفاف والحجاب؟ ماهي العقبات والأفكار التي تحول دون تنفيذه؟ علينا الوقوف على أسباب هذا الأمر ودوافعه[56].
وقال سماحته في بيان أسباب اللجوء إلى الحل الثقافي في مواجهة التعاليم والثقافة المضادة بأن الحجاب ثقافة ويجب نشر هذه الثقافة على الصعيد الاجتماعي؛ ففي الماضي لم يكترث الغرب كثيراً بالحجاب لكن الحجاب اليوم يشكل رمزاً للاسلام وبوابة لاحتضانه وبلغ الأمر حداً لم تتسامح الحكومة الفرنسية والتي تدعي بأنها موطن الحرية، لم تتسامح مع من ترتدي البرقع من النساء المسلمات وتخشي من الحجاب[57].
وحذر سماحته من المخاطر والتهديدات المستقبلية وما لقضية الحجاب من انعكاسات سياسية وأمنية متوقعاً بأن لو نجح هؤلاء في الحد من الحجاب ونشر السفور، فيقع النظام بخطر محدق بمعدل خمسين بالمئة حسب رأيي. نحن بحاجة إلى بذل مزيد من الاستثمارات حول حكم الحجاب لاعتبارات تتخطى كون الظاهرة مجرد قضية دينية[58].
سابعاً: الحجاب ضمان للأمن الاجتماعي:
يرى سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي بأن الالتزام بالحجاب الشرعي الإسلامي في المجتمع ضمان لأمنه[59].
ثامناً: الالتزام بالحجاب وارتدائه دعوة سلوكية نحو التشيع:
ولسماحته إشارات واضحة المعالم حول دور الالتزام بالحجاب ومراعاة القيود الأخلاقية من قبل النساء في مواسم الحج في الدعوة للتشيع وقال في مناسبة بأن التزام النسوة الإيرانيات بالحجاب كان ممتازاً في السنين الأولى لانتصار الثورة في مواسم الحج حتى دعى بعض خطبائهم أن يوصوا شعبهم بالتأسي بالإيرانيات كقدوة في الحجاب لكن الوضع اليوم انقلب، فهم يقولون إياكم أن تتأثروا بحجاب الإيرانيات. وعلى علماء الدين المرافقين لحملات الحج ومدراء الحملات أن يوصوا بالتي هي أحسن ودون فظاظة في مخاطبة النساء للالتزام بالحجاب والعفاف[60].
مسك الختام
يتصور أعداؤنا بأنهم - بنشر السفور والخلاعة - يمكنهم أن يوجهوا ضربة قاسية لنظام الحكم في إيران، ونعتقد نحن بأننا لو قضينا على ظاهرة السفور، حفظنا النظام الإسلامي وعززنا موقعه[61].
إن الحجاب قد فُرض من أجل الحفاظ على شخصية المرأة وشرفها والحدّ من انحراف الشباب وانتشار الفساد في المجتمع الإسلامي وكما أن مبدأ ارتداء الزي والملابس لا يتنافى مع حرية الإنسان، فلا يتنافي الحجاب مع حرية المرأة أيضاً[62]. وقد اعتبر القرآن الحجاب والعفاف سبباً لطهارة القلوب والابتعاد عن وساوس الشيطان وأهواء النفس[63].
لا يوجد تعليق