الجواب الاجمالي:
هو استخدام متبادل، وخدمة ذات طرفین، وبتعبیر آخر: فإنّ الهدف من التسخیر هو التعاون فی أمر الحیاة، ولا شیء آخر.
ولا یخفى أنّ البشر لو کانوا متساوین جمیعاً من ناحیة الذکاء والإستعداد الروحی والجسمی، فسوف لن تتهیّأ مستلزمات الحیاة الاجتماعیّة، والنظم الحیاتیّة مطلقاً
الجواب التفصيلي:
من الممکن أن یتبادر هذا السؤال الى الذهن عند قراءة الآیة 32 من سورة «الزخرف»، حیث یقول تعالى: (نحن قسمنا بینهم معیشتهم فی الحیاة الدّنیا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات لیّتخذ بعضهم بعضاً سخریّاً)، ولکن مع بذل القلیل من التمعن فی نص الآیة یتضح جواب السؤال:
إن من یشکل هکذا إشکال یتصور أنّ معنى الآیة هو أنّ جماعة معیّنة من البشر تسخر من جماعة اُخرى لأنفسها تسخیراً ظالماً یمتصّ الدماء والجهود، فی حین أن الأمر لیس کذلک، بل هو استخدام الناس بعضهم بعضاً، أی أنّ کل جماعة من الناس لهم إمکانیّات وإستعدادات خاصّة یستطیعون العمل بواسطتها فی مجال ما من شؤون الحیاة، وهم بطبیعة الحال یقدمون خدماتهم فی ذلک الحقل إلى الآخرین، کما أنّ خدمات الآخرین فی الحقول الاُخرى تقدم إلیهم.
والخلاصة: هو استخدام متبادل، وخدمة ذات طرفین، وبتعبیر آخر: فإنّ الهدف من التسخیر هو التعاون فی أمر الحیاة، ولا شیء آخر.
ولا یخفى أنّ البشر لو کانوا متساوین جمیعاً من ناحیة الذکاء والإستعداد الروحی والجسمی، فسوف لن تتهیّأ مستلزمات الحیاة الاجتماعیّة، والنظم الحیاتیّة مطلقاً، کما أن خلایا جسم الإنسان لو کانت متشابهة من ناحیة البنیة والرقة والمقاومة لاختل نظام الجسم، فأین خلایا عظم کعب القدم القویّة جدّاً من خلایا العین الرقیقة؟ إنّ لکل من هاتین مهمّة خاصّة بنیت على أساسها.
والمثال الحی الذی یمکن أن یضرب لهذا الموضوع هو الخدمات المتبادلة فی جهاز التنفّس، ودوران الدم، والتغذیة، وسائر أجهزة بدن الإنسان، التی هی مصداق واضح لـ (لیتّخذ بعضهم بعضاً سخریّاً) فی إطار نشاطات البدن الداخلیّة، فهل یمکن الإشکال على مثل هذا التسخیر؟ وهل فیه خلل أو نقص؟
فإن قیل: إنّ جملة: (رفعنا بعضهم فوق بعض درجات) دلیل على عدم العدالة الإجتماعیة.
قلنا: هذا یصحّ فی حالة تفسیر العدالة بالمساواة، فی حین أنّ العدالة تعنی وضع کلّ شیء فی محلّه ضمن منظومته، فهل أنّ وجود سلسلة المراجع والرتب فی فرقة عسکریّة، أو تنظیم إداری، أو فی الدولة، دلیل على وجود الظلم فی تلک الأجهزة؟
من الممکن أن یستعمل بعض الناس کلمة «المساواة» فی مجال الشعارات من دون الإلتفات إلى معناها الواقعی، أمّا فی الواقع العملی فلا یمکن أن یتمّ أو یقوم أی نظام بدون الاختلاف والتفاوت، غیر أنّ هذا التفاوت یجب أن لا یکون ذریعة لأنّ یستغل الإنسان أخاه الإنسان أبداً، بل یجب أن یکون الجمیع أحراراً فی استعمال قواهم الخلاقة، وتنمیة نبوغهم وإبداعهم، والاستفادة من نتائج نشاطاتهم بدون زیادة أو نقصان، وأمّا فی حال عجزهم فیجب على القادرین أن یجدّوا ویجتهدوا فی رفع النواقص وسد ما یحتاجونه(1)
لا يوجد تعليق