الجواب الاجمالي:
إنّ أبواب المغفرة والرحمة مفتوحة للجمیع من دون أىّ استثناء، ولکن شریطة أن یعودوا إلى أنفسهم بعد إرتکاب الذنب، ویتوجّهوا فی مسیرهم نحو الباریء عزّوجلّ، ویستسلموا لأوامره، ویظهروا صدق توبتهم وإنابتهم بالعمل، وبهذا الشکل فلا الشرک مستثنى من المغفرة ولاغیره
الجواب التفصيلي:
یمکن الحصول على جواب هذا السؤال من خلال الرجوع الى الآیات 53 ـ 55 من سورة «الزمر»، یقول الله تعالى فی هذه الآیات: (قل یا عبادی الّذین أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله یغفر الذّنوب جمیعاً).
التدقیق فی عبارات هذه الآیة یبیّن أنّها من أکثر آیات القرآن الکریم التی تعطی الأمل للمذنبین، فشمولیتها وسعتها وصلت إلى درجة قال بشأنها أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام): «ما فی القرآن آیة أوسع من یا عبادی الذین أسرفوا...»(1).
قد شغلت أذهان المفسّرین مسألتان، رغم أنّ حلّهما کامن فی هذه الآیة والآیة التی تلیها:
الاُولى: هل أنّ عمومیة الآیة تشمل کل الذنوب حتّى الشرک والذنوب الکبیرة الاُخرى، فإذا کان کذلک فلم تقول الآیة 48 من سورة النساء: إنّ الشرک من الذنوب التی لا تغتفر (إنّ الله لا یغفر أن یشرک به ویغفر ما دون ذلک لمن یشاء)؟
والثّانیة: هل أنّ الوعد الذی أعطاه الله بغفران الذنوب مطلق أم مشروط بالتوبة ونظیر ذلک؟
وبالطبع فإنّ السؤال الأوّل مرتبط بالسؤال الثّانی، والجواب علیهما سیتّضح خلال الآیات التالیة بصورة جیّدة، لأنّ هناک ثلاثة أوامر وردت فی الآیات التالیة وضّحت کلّ شیء (انیبوا إلى ربّکم) والثّانیة (وأسلموا له) والثّالثة (واتّبعوا أحسن ما أنزل إلیکم من ربّکم).
هذه الأوامر الثّلاثة تقول: إنّ أبواب المغفرة والرحمة مفتوحة للجمیع من دون أىّ استثناء، ولکن شریطة أن یعودوا إلى أنفسهم بعد إرتکاب الذنب، ویتوجّهوا فی مسیرهم نحو الباریء عزّوجلّ، ویستسلموا لأوامره، ویظهروا صدق توبتهم وإنابتهم بالعمل، وبهذا الشکل فلا الشرک مستثنى من المغفرة ولاغیره، وکما قلنا فإنّ هذا العفو العام والرحمة الواسعة مشروطان بشروط لایمکن تجاهلها.
وإذا کانت الآیة 48 من سورة النساء تستثنی المشرکین من هذا العفو والرحمة، فإنّها تقصد المشرکین الذین ماتوا على شرکهم، ولیس اُولئک الذین صحوا من غفلتهم واتبعوا سبیل الله، لأنّ أکثر مسلمی صدر الإسلام کانوا کذلک، أی أنّهم ترکوا عبادة الأصنام والشرک بالله، وآمنوا بالله الواحد القهار بعد دخولهم الدین الإسلامی.
إذا طالعنا الحالة النفسیة عند الکثیر من المجرمین بعد ارتکابهم للذنب الکبیر، نرى أنّ حالة من الألم والندم تصیبهم بحیث لا یتصورون بقاء طریق العودة مفتوحاً أمامهم، ویعتبرون أنفسهم ملوّثین بشکل لا یمکن تطهیره، ویتسألون: هل من الممکن أن تغفر ذنوبنا؟ وهل أنّ الطریق إلى الله مفتوح أمامنا؟ وهل بقی خلفنا جسر غیر مدمّر؟
إنّهم یدرکون معنى الآیة جیّداً، ومستعدون للتوبة،ولکنّهم یتصورون استحالة غفران ذنوبهم، خاصّة إذا کانوا قد تابوا مرّات عدیدة من قبل ثمّ عادوا إلى إرتکاب الذنب مرّة اُخرى.
هذه الآیة تعطی الأمل للجمیع فی أنّ طریق العودة والتوبة مفتوح أمامهم(2)
لا يوجد تعليق