الجواب الاجمالي:
كفانا علماء الفريقين مؤنة الجواب عن ذلك كلّه... بذكر الأدلّة الكثيرة عن النبي، الدالّة على جواز زيارة القبور والبكاء على الميّت، قولا وفعلا وتقريراً، والمخرّج جملةٌ منها في الصحيحين وغيرهما من الكتب الستّة، وكذا عن غيره صلّى الله عليه وآله وسلّم قولا وفعلا وتقريراً، متابعةً له وعملا بسنّته، وإنّ المستفاد من مجموعها أنّ المنع إنّما كان سنّةً من عمر بن الخطّاب.
الجواب التفصيلي:
دلالة الکثیر من الروایات تدل على وقوع البکاء من النبی (صلى الله علیه وآله) أو بکاء الآخرین بحضوره ونحن نشیر إلى بعض منها:
1- روایة فی صحیح البخاری نقلت بهذا المضمون:
"أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَیْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ یَأْتِیَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّایَةَ زَیْدٌ فَأُصِیبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِیبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِیبَ وَعَیْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ"(1)
فی هذا الخبر صرّح ببکاء النبی على شهادة المؤمنین الذین کانوا یحملون لواء الإسلام.
2- فی روایة أخرى هکذا ینقل المؤرخون نقرأ:
"لما أصیب جعفر وأصحابه دخل رسول الله (صلى الله علیه وآله) بیته وطلب بنی جعفر فشمهم ودمعت عیناه فقالت زوجته أسماء بابی وأمی ما یبکیک أبلغک عن جعفر وأصحابه بشئ ؟ قال نعم أصیبوا هذا الیوم ، قالت أسماء فقمت أصیح واجمع النساء ودخلت فاطمة وهی تبکی وتقول واعماه ، فقال رسول الله (صلى الله علیه وآله) على مثل جعفر فلتبک البواکی"(2)
3- وفی روایة أخرى هکذا جاء:
" قال انس : دخلنا مع رسول الله (صلى الله علیه وآله) وإبراهیم یجود بنفسه فجعلت عینا رسول الله تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف (رضی الله عنه) وأنت یا رسول الله ! فقال یا ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها بأخرى فقال إن العین تدمع والقلب یحزن ولا نقول الا ما یرضی ربنا وانا بفراقک یا إبراهیم لمحزونون"(3).
فی سنن ابن ماجة فی إدامة هذه الروایة یقول:
"فأنکب علیه وبکى"(4).
4- وکذلک فی روایة أخرى جاء:
"لما سمع رسول الله (صلى الله علیه وآله) بعد غزوة أحد ، البکاء من دور الأنصار على قتلاهم ذرفت عینا رسول الله وبکى ، وقال : لکن حمزة لا بواکی له . فسمع ذلک سعد بن معاذ وا سید بن حضیر ، فرجع إلى نساء بنی عبد الأشهل فساقهن إلى باب رسول الله (صلى الله علیه وآله) فبکین على حمزة ، فسمع ذلک رسول الله (صلى الله علیه وآله) فدعا لهن وردهن ، فلم تبک امرأة من الأنصار بعد ذلک إلى الیوم على میت الا بدأت بالبکاء على حمزة ثم بکت على میتها"(5).
وعلى هذا الأساس بکاء النبی (صلى الله علیه وآله) على الشهداء وبکاء الآخرین بحضوره، بل عقد المجلس لأجل البکاء والتعزیة بحضور النبی وتوصیته بالبکاء على العظماء یدل على انّ البکاء على الأموات والعظماء کان جزء من سیرة النبی (صلى الله علیه وآله)(6).
لا يوجد تعليق