الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
لا شکّ أنّ الآیات المدح فی القرآن تثنی على طائفة خاصّة من الصحابة، والمهم- الآن- هو الدّقة فی استجلاء مفاهیم الآیات، فهل إنّ الآیات فی معرض الثناء على کلّ فرد من أفراد هذه الطوائف؟ أم إنّها بصدد الثناء على المجموع فی فترات خاصّة؟ حیث لا ینافی ذلک خروج بعض الأفراد إذا ثبت صدور عمل منه لا یتّفق مع عدالته.
و للثناء الجمعیّ نظائر فی القرآن الکریم و الأدب العربی. فأمّا القرآن فنشیر إلى الآیات التالیة:
1. انّه سبحانه أثنى على بنی إسرائیل فی غیر واحدة من الآیات، و قال: «یَا بَنِی إِسْرَائِیلَ اذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ وَ أَنِّی فَضَّلْتُکُمْ عَلَى الْعَالَمِینَ»(1)
2. و قال تعالى: «وَ لَقَدْ آتَیْنَا بَنِی إِسْرَائِیلَ الْکِتَابَ وَ الْحُکْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِینَ»(2)
أفیصح لأحد أن یستدلّ بهذه الآیات على تنزیه کلّ فرد من بنی إسرائیل؟!
3. و قال تعالى فی حق أُمّة نبیّنا: «کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَر»(3)
فالآیة تصف الأُمّة المرحومة بأنّها خیر أُمّة و لکنّها لیست بصالحة للاستدلال على صلاح کلّ مسلم و فلاحه.
إذا وقفت على نماذج من الثناء الجمعیّ فی القرآن فلا محیص عن حمل الآیات المادحة للصحابة علیه بوجوه:
أوّلًا: انّ القرآن الکریم یصنّف صحابة النبیّ- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم- إلى أصناف مختلفة من غیر فرق بین البدری و غیره، و من غیر فرق بین من آمن قبل الحدیبیة أو بعده، التحق بالمسلمین قبل الفتح أو بعده، وإلیک رؤوس هذه الطوائف مع الإشارة إلى مواضعها فی القرآن الکریم، وهم:
1. المنافقون المعروفون. (المنافقون: 1)
2. المنافقون المندسّون. (التوبة: 101)
3. مرضى القلوب. (الأحزاب: 12).
4. السمّاعون. (التوبة: 45- 47).
5. خالطو العمل الصالح بغیره. (التوبة: 102).
6. المشرفون على الارتداد. (آل عمران: 154).
7. الفاسق. (الحجرات: 6).
8. المسلمون غیر المؤمنین (الحجرات: 14).
9. المؤلّفة قلوبهم (التوبة: 60).
10. المولّون أمام الکفّار. (الأنفال: 15- 16).
فهذه الأصناف العشرة من صحابة النبیّ لا یمکن وصفها بالعدالة و التقوى کما لا یمکن القول بشمول الآیات المادحة لهؤلاء، و إلّا یلزم التناقض فی مدلول الآیات.
ثانیاً: انّ القرآن الکریم یتنبّأ بارتداد لفیف من الصحابة بعد رحیل الرسول کما فی قوله: « وَمَا مُحمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِکُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضرّ الله شَیئاً وَ سَیَجْزِی الله الشّاکرین»(4)
والآیة و إن کانت قضیة شرطیة، والقضیة الشرطیة لا تدلّ على وقوع طرفیها، و لکنّها تدلّ بمضمونها على أنّ فی صحابة الرسول فی عصر نزول الآیة- أعنی: السنة الثالثة (غزوة أُحد)- مَن کانت سیرته وأعماله تدلّ على إمکان ارتداده بعد رحیل الرسول، وعند ذلک کیف یمکن أن نکیل جمیع الصحابة بمکیال واحد حتّى الأُحدیین؟ فکیف بمن آمن بعدهم و یعدّ دونهم؟!
فهذه الآیات إذا انضمت إلى الآیات المادحة یخرج المفسر بنتیجة واحدة، و هی انّ مَن صحب النبی کان بین صالح و طالح، و بین من یُستدر به الغمام و من لا یساوی إیمانه شیئاً.
ثالثاً: انّ التاریخ سجّل أسماء جماعة من صحابة النبی لم یحسنوا الصحبة، و نحن نأتی بأسماء لفیف منهم، و هم لیسوا من المنافقین قطعاً إلّا واحد منهم و مع ذلک ساءت سیرتهم و لا یمکن غض النظر عن هذا التاریخ:
1. الجد بن قیس الأنصاری، الذی قال النبیُّ فی حقّه کلکم مغفور له إلّا صاحب الجمل الأحمر(5)
2. عبد الله بن أبیّ بن سلّول، کان من المبایعین تحت الشجرة فی بیعة الرضوان (و إن کان منافقاً).
3. الحرقوص بن زهیر السعدی، شهد بیعة الرضوان و صار رأس الخوارج، و هو الذی قال للنبیّ: إعدل یا محمد!!
4. حارث بن سوید بن الصامت، شهد بدراً لکنّه قتل المجذر بن زیاد یوم أُحد لثأر جاهلی، فأمر النبیّ بقتل الحارث بالمجذر.
5. العرنیون، الذین قتلهم النبی- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم- جزاءً على فعلهم بقتل بعض الرعاة و سرقة الإبل، کانوا قد صحبوا قبل الحدیبیة.
6. محلم بن جثامة، قال فیه النبی: «اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة» لأنّه قتل صحابیاً متعمداً.
7. مقیس بن صبابة، قتل نفساً مؤمنة فأهدر النبیّ دمه، فقتل فی فتح مکة.
8. عبد الله بن خطل، کان صحابیاً ثمّ ارتد و لحق بمکة وقتل یوم فتحها.
9. المغیرة بن شعبة، ساءت سیرته بعد النبی کما هو واضح.
10. مدعم، مولى النبی- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم- الذی غلّ من غنائم خیبر.
11. کرکرة، مولى النبی غلّ من غنائم خیبر.
12. سمرة بن جندب، أساء السیرة بعد النبی فکان یبیع الخمر و یقتل البشر ویُرضی معاویة.
13. عبید الله بن جحش الأسدی، کان من السابقین إلى الإسلام و من مهاجرة الحبشة لکنّه تنصّر بالحبشة.
14. الحارث بن ربیعة بن الأسود القرشی، افتنن و ارتد بمکة.
15. أبو قیس بن الولید بن المغیرة، افتتن بمکة.
16. علی بن أُمیة بن خلف افتتن بمکة.
17. العاص بن منبه بن الحجاج، افتتن بمکة وقتل ببدر مع المشرکین(6)
أضف إلى ذلک : انّه کیف یمکن للذکر الحکیم أن یُثنی على الأفراد التالیة أسماؤهم:
1. معاویة بن أبی سفیان، 2. الولید بن عقبة (الفاسق بنصّ القرآن)، 3. بُسر بن أبی أرطأة، 4. أبو الأعور السلمی وغیرهم.
فهؤلاء حاربوا علیّاً وعماراً وعشرات البدریّین و مئات الرضوانیین الذین کانوا مع علی فی خلافته، و شتموهم، فهؤلاء وأمثالهم خارجون عن الآیات المادحة على فرض شمولها لهم(7)
لا يوجد تعليق