الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
الدعوة العلمانیة الیوم إلى الفصل بین الدین، والسیاسة، أو بین أحکام الشرع، و أحکام القانون هی دعوة باطلة؛ وشاهدها التقلید الأعمى لحضارات الکفر، وواقع النظم السائدة فی مجتمعات الاشتراکیة و الرأسمالیة. فإن استبداد الکنیسة، وتجاوزات تدخلها فی شئون الأفراد، و المجتمعات المادیة، و الفکریة استدعى إبعادها عن الحیاة السیاسیة، وحصر نشاطها فی الأمور الروحیة. فإن کون المسیحیة ظالمة، وغیر منهجیة، وروحیة کهنوتیة جاز فصلها عن السیاسة، وإبعادها عن الدولة.
و بذلک فإن فصل الدین عن السیاسة أو عن الدولة أمر له ما یبرره. فضلا عن أن المسیحیة لیست شریعة دنیا أو سیاسة. و من هنا جاء خطأ العلمانیین فی التقلید، و الاتباع، و القیاس. فالإسلام دین منهجی یعالج الشئون الروحیة، و الزمنیة، و شامل فی عدالته لأمور الحیاة، و جمیع الأحکام شرعیة دینیة، و سیاسة قانونیة. فالهیمنة فی إدارة جمیع شئون الحیاة سواء بالنسبة للأفراد أو الدول، کلها للشریعة- فلا فصل بین القرآن و السیاسة؛ و بین الدین، و السیاسة؛ أو بین السیاسة، و الدولة[1]
إن العلمانیة ضد الدین لأنها لا تقبل التعایش معه کما أنزله الله بل ترید إقصاءه عن الحیاة وحصره فی زاویة ضیقة منها، إنها ضد الدین لأنها ترید أن تأخذ منه ما یوافق هواها وتعرض عما یخالفه، ولأنها تؤمن ببعض الکتاب وتکفر ببعض، (أفتؤمنون ببعض الکتاب وتکفرون ببعض فما جزاء من یفعل ذلک منکم إلا خزی فی الحیاة الدنیا ویوم القیامة یردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)[2]، إنها ضد الدین لأنها تتعالم على الله عز وجل وتقول له: نحن أعلم منک بما یصلح للناس والقوانین الوضعیة أهدى سبیلاً من حکمک، مع أن العبادات والتشریعات وأحکام المعاملات من عند الله ولا ید فیها للبشر، والإسلام کل لا یتجزأ، فلیس مسلماً من قال: أصلی على نظام الإسلام وأتخذ منهجاً سیاسیاً على نظام میکافیللی، ونظاماً اقتصادیاً مارکسیاً، کیف یکون الشخص متدیناً وهو یرفض حکم الله وحکم رسوله، وصریح القرآن یقول: (وما کان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى له ورسوله أمراً أن یکون لهم الخیرة من أمرهم ومن یعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبیناً)[3]، ویقول: ( إنما کان قول المؤمنین إذا دعوا إلى الله ورسوله لیحکم بینهم أن یقولوا سمعنا وأطعنا وأولئک هم المفلحون)[4]، وهذا الفهم المغلوط للتدین هو الذی حمل بعضهم على أن یحج ویعتمر وینتسب إلى بیوتات دینیة، ثم لا یبالی بالجلوس على مائدة یدار فیها الخمر أو یراقص الفتیات؛ لأن التدین فی فهمه الکاذب الخاطئ قاصر على جانب الشعائر وحدها ولا علاقة له بمعتقد أو سلوک[5]
هذا و کیف یمکن إقامة القسط والعدل مع وجود حکومة ظالمة تفتقدُ إلى الإیمان و الدین أو عمیلة و مرتبطة بالاستکبار والاستعمار؟ فإنّ أیّاً من الأهداف التی جاء من أجلها الأنبیاء لا یمکن تحقیق الجزء الأعظم منها إلّا بوجود الحکومة الدینیة، و لذا نرى أنَّ الرسول الأکرم صلى الله علیه و آله لم یکن لیتمکّن من الوصول إلى الأهداف الإسلامیة السامیة إلّا بعد أن قام بتشکیل الحکومة الاسلامیة، و کذلک الحال مع الأنبیاء الآخرین الذین استطاعوا التوصل إلى التوفیق المنقطع النظیر بعد أن قاموا بتکوین الحکومة، بینما ظَلَّ أولئک الأنبیاء الذین لم یحققّوا نجاحاً فی تشکیل الحکومة مضطهدین من قِبَلِ الطبقات الفاسدة فی مجتمعهم.
ونفس الحالة ستتواجد فی آخر الزمان على ما ذُکِرَ، إذ لا یمکن نشر التوحید والعدل إلّا بتشکیل الحکومة، حکومة المهدی (عج) العالمیة، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإنّ الأحکام الإسلامیة لا تنحصر فی إطار (العبادات) وحسب، بل إنّ لدینا احکاماً جمّة تهتم بالشؤون السیاسیة والاجتماعیة للمسلمین، کأحکام الحدود والدیّات والخُمس والزکاة والانفال وما شاکل[6]
لا يوجد تعليق