الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
نقل عن ابن تيميّة وأمثاله: أنّ مهديّ الرافضة لا خير فيه على قرارهم
بإمامته، فلا ينتفعون به لا في دين ولا في دنيا لغيبته عنهم!(1)؛
و الجواب عمّا نقل عن ابن تيميّة الذي له ولأمثاله قلوب
عميّة: أنّ وجود المهدي عليه السّلام عين خير ولطف من واهب العطيّة (فإن وجوده لطف
وتصرفه لطف آخر)، والمؤمنون منتفعون به في الدارين معا وإن كان غائبا، کما اشار
الیه فی حديث جابر عن خير البريّة صلّى اللّه عليه وآله العترة المرضيّة:
حدثنا غير واحد من أصحابنا بسند عن جابر بن يزيد الجعفي
قال: سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري يقول: لما أنزل اللّه على نبيه صلّى اللّه
عليه وآله وسلّم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقلت: يا رسول
اللّه عرفنا اللّه ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ قال: هم خلفائي يا جابر
أئمة المسلمين بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين،
ثم محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فأقرئه
مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى؛ ثم محمد
بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي وكنيّي حجة اللّه على أرضه وبقيته
في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها،
ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه (له) غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا
من امتحن اللّه قلبه للإيمان، قال: فقال جابر: يا رسول اللّه فهل ينتفع الشيعة به
في غيبته؟ فقال: أي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته
كانتفاع الناس بالشمس؛ وإن جلله السحاب.(2)
و كذا ما ورد عن مولانا وسيّدنا الإمام المهديّ روحي
لتراب نعليه الفداء في توقيعه لإسحاق بن يعقوب على يد السفير الثاني في الغيبة
الصغرى محمّد بن عثمان، قال عليه السّلام:
«و أمّا علة ما وقع من الغيبة فإن
اللّه عزّ وجلّ يقول: (يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ
تَسُؤْكُمْ)(3) إنّه لم
يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا
بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس
إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل
السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا
الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع
الهدى(4).
و التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب ترمز إلى أمور:
الأول: أن نور الوجود والعلم والهداية، يصل إلى الخلق
بتوسطه عليه السّلام إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق،
فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم، والتوسّل إليهم
تظهر العلوم والمعارف على الخلق، وتكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح
أعمالهم أنواع العذاب كما قال تعالى:(وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ)(5) ولقد تفضّل علينا اللّه
تعالى بالإنعام وتفريج الكرب عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل- كما تفضّل على
العلّامة المجلسي أعلى اللّه مقامه(6) - لمّا توسّلنا بهم واستشفعنا بحقهم، فهذا
حاصل لكلّ عبد أناب إلى ربّه وتوجّه إلى وجهه، وهم عليهم السّلام وجهه الذي لا بدّ
للعباد أن يعرجوا إليه من خلالهم، إذ بقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم، تنكشف
تلك الأمور الصعبة، وتنجلي الكرب والبلوى.
الثاني: كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس
بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك
في أيام غيبته عليه السّلام ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان
ولا ييأسون منه.
الثالث: أن منكر وجوده عليه السّلام مع وفور ظهور آثاره
كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: أن الشمس قد يكون غيابها في السحاب أصلح للعباد
من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته عليه السّلام أصلح لهم في تلك الأزمان، فلذا
غاب عنهم.
الخامس: أن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة
عن السحاب، وربما عمي النظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته
المقدّسة ربما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم، ويكون سببا لعماهم عن الحق، وتحتمل
بصائرهم الإيمان به في غيبته، كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرر
بذلك.
السادس: أن الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون
آخر فكذلك يمكن أن يظهر عليه السّلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: أنهم عليهم السّلام كالشمس في عموم النفع، وإنما
لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى: ومَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ أَعْمى وأَضَلُّ سَبِيلًا(7).
الثامن: أن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما
فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق إنما
ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن
قلوبهم من الشهوات النفسانية، والعلائق الجسمانية، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من
الغواشي الكثيفة الهيولانية إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت
السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب(8).
ثم إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور، فهو يتصرّف بالكائنات على
حسب ما تقتضيه المصلحة الربانية من دون أن تشعر بوجوده تماما كخرق الخضر عليه
السّلام للسفينة دون علم أصحابها، وإلّا لكانوا منعوه من خرقها، فخرقه للسفينة
لمصلحة كانت خافية على أصحاب السفينة، كذلك قتل الغلام وإقامة الجدار كان خافيا
على النبيّ موسى عليه السّلام بحسب الظاهر، فأي مانع من أن يكون للإمام الغائب
(عجّل اللّه فرجه الشريف) في كل يوم وليلة تصرّف كهذا النمط من التصرفات، ويؤيده
ما ورد من أنه عليه السّلام يحضر الموسم في أشهر الحج ويلتقي بأنصاره وأعوانه، ويصاحب
الناس إلى غير ذلك، ومع هذا فالناس لا يعرفونه.
ثم نفس التصديق بوجوده وأنّه خليفة اللّه في الأرض أمر
مطلوب لذاته، وركن من أركان الايمان كتصديق من كان في عصر النبيّ صلّى اللّه عليه
وآله بوجوده ونبوّته.
قال أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السّلام:كأنّي بكم قد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أما أنّ المقرّ بالأئمّة بعد
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المنكر لولدي، كمن أقرّ بجميع الأنبياء ورسله،
ثمّ أنكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله؛ لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، أما أنّ
لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلّا من عصمه اللّه(9).
نعوذ باللّه من حال يكون منزلة الشخص فيها منزلة من أنكر
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، أو منزلة من جحده أو جحد عيسى صلوات اللّه
عليهما نبوّتهما.
لا يوجد تعليق