تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
129/ أنّى يتأتى العفو والقصاص ؟
الخلاصة : الجواب :
أولاً : النقطة المهمة في هذا الموضوع هي أن لتشريع القوانين أثراً اجتماعياً ونفسياً وإن لم تطبق على أرض الواقع ؛ فعلى سبيل المثال يکفي أن يشرع الاسلام لأولياء المقتول القصاص من القاتل ، فمن يرغب بإراقة دم شخص آخر يضع نصب عينيه حق القصاص الممنوح لأولياء المقتول ، فينصرف عن فکرة الانتقام حينما يشعر بخطر الاعدام .
بناء على هذا ، فان نفس تشريع حق القصاص ذو أثر کبير على المجتمع ، ومن شأنه أن يحول دون القتل والانتقام ، وإن لم يطبق ذلک إلا في موارد محدودة ولم يستفد الناس منه إلا نادراً من الناحية العملية .
وبعبارة أخرى : ضمان حياة البشر وبقاءهم وصمودهم إزاء التحديات يتمثل بالقدرة القانونية على القصاص لا الاقدام عليه ؛ لأن الشيء الذي بوسعه ردع المعتدي هو التفکير بأنه لو بادر الى الانتقام وأراق دم شخصٍ ما سيطالب أولياء دم المقتول بالقصاص منه ؛ وغالباً ما يحول ذلک دون تفکير المجرمين باقتراف جريمة القتل .
بناء على هذا ، فان تشريع قانون القصاص وإعطاء الحق للمظلو م بالانتقام من الظالم ضامن لاستمرار الحياة وبقائها ، وسبب رئيس للتقليل من الجرائم ؛ لکن الاسلام لم يرغم أولياء الدم على الاستفادة من هذا الحق القانوني ، بل خيّرهم بين القصاص والعفو ؛ فان شاءوا اقتصوا من الجاني ، وإن شاءوا عفوا عنه وأخذوا الدية منه .
إن الاسلام بتشريعه قانون القصاص والعفو استطاع بلوغ هدفين في آن واحد ؛ فمن جهة منح أولياء الدم حق القصاص والقدرة على الانتقام ، وبهذا وقف بوجه تکرار مثل تلک الحوادث الدموية . وإن لم يکن قد شرع مثل هذا الحق لهم لارتفعت نسبة الجرائم ولأصبح المجتمع البشري مهدداً بالمخاطر .
ومن جهة أخرى ، لم يجبر أولياء الدم على القصاص ، بل منحهم خيار الاستفادة من هذا الحق القانوني بحيث لو اقتضت المصلحة أو لم يشاؤا الاقتصاص فلهم أن يمنوا على الجاني بالعفو عنه.
والنتيجة : لو لم يشرع القصاص لما استتب الأمن والهدوء في المجتمع ، ولکانت الحياة الانسانية عرضة للمخاطر ؛ وإن لم يمنح ولي الدم الحرية في الاقتصاص أو عدمه لکان ذلک القانون ناقصاً . فربما تقتضي المصلحة أن يغضي ذو الحق عن حقه ويرجح العفو على الانتقام ؛ وفي هذه الحالة يکون تشريع قانون العفو مکملاً لحق القصاص .
ثانياً : لا بد من الالتفات الى أن للقصاص موارد وللعفو موارد أيضاً ؛ فان کان الاقتصاص من الجاني يساعد على إحلال الأمن وديمومة حياة الآخرين ( بحيث لو أغضي عن القصاص تأصلت فکرة الاعتداء لدى الآخرين ) ففي هذه الحالة ينبغي على أولياء الدم الاستفادة من هذا الحق القانوني ؛ أما لو رأوا أن الجاني قد ندم على فعلته واقتضت المصلحة الاغضاء عن خطيئته ، ففي هذه الحالة عليهم أن يرجحوا العفو على القصاص . ولا يبدو أن تشخيص هذا عن ذاک بالأمر العسير .
------------------
السؤال :
إن القرآن الکريم يدعو الناس من جهة الى القصاص ، ويرى أن فيه حياتهم وبقاءهم ؛ إذ قال تعالى : ) وَلَکُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ(.
ومن جهة أخرى يثني على العفو والقصاص ويحثّ الناس على الصفح ، فيقول مثلاً : )وَالْکَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ (. ألا يوجد تنافٍ بين الموردين ؟
لا يوجد تعليق