الجواب الاجمالي:
(أو لم یر الإنسان أنّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصیم مبین) الآیة تؤکّد أوّلا على مخاطبة الإنسان، ثمّ تتحدّث عن «النطفة» والتی هی بمعنى «الماء المهین» لکی یعلم هذا الإنسان المغرور المتکبّر ماذا کان فی البدء؟ کما أنّ هذا الماء المهین لم یکن هو السبب فی نشوئه وظهوره، بل خلیّة حیّة متناهیة فی الصغر، لا ترى بالعین المجرّدة وباتّحادها مع خلیة صغیرة اُخرى مستقرّة فی رحم المرأة تکوّنت الخلیّة البشریة الاُولى، ودخل الإنسان إلى عالم الوجود!
الجواب التفصيلي:
یتضح جواب هذا السؤال من خلال التمعن فی الآیة 77 من سورة «یس»، وکأنها تأخذ بید الإنسان وتشیر له إلى بدء حیاته فی ذلک الیوم حیث کان نطفة مهینة لا غیر وتدعوه إلى التأمّل والتفکّر، فتقول: (أو لم یر الإنسان أنّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصیم مبین)(1). یا له من تعبیر حیوی؟ فالآیة تؤکّد أوّلا على مخاطبة الإنسان، أیّاً کان وأیّ إعتقاد کان یعتقد، وعلى أیّ مستوى کان من العلم، فهو یستطیع إدراک هذه الحقیقة.
ثمّ تتحدّث عن «النطفة» والتی هی لغویاً بمعنى «الماء المهین» لکی یعلم هذا الإنسان المغرور المتکبّر ـ بقلیل من التأمّل ـ ماذا کان فی البدء؟ کما أنّ هذا الماء المهین لم یکن هو السبب فی نشوئه وظهوره، بل خلیّة حیّة متناهیة فی الصغر، لا ترى بالعین المجرّدة، من ضمن آلاف بل ملایین الخلایا الاُخرى التی کانت تسبح فی ذلک الماء المهین، وباتّحادها مع خلیة صغیرة اُخرى مستقرّة فی رحم المرأة تکوّنت الخلیّة البشریة الاُولى، ودخل الإنسان إلى عالم الوجود!
وتتواصل مراحل التکامل الجنینی الواحدة بعد الاُخرى والتی هی ستّة مراحل کما نقلها القرآن الکریم فی بدایة سورة «المؤمنون» (النطفة، العلقة، المضغة، العظام، إکتساء العظام باللحم، وتمثّل الخلق السوی). ثمّ إنّ الإنسان بعد الولادة کائن ضعیف جدّاً، لا یملک القدرة على شیء، ثمّ یقطع مراحل نموّه بسرعة حتى بلوغ الرشد الجسمانی والعقلی.
نعم، فهذا الموجود الضعیف العاجز، یصبح قویّاً إلى درجة أن یجیز لنفسه النهوض لمحاربة الدعوات الإلهیّة، وینسى ماضیه ومستقبله، لیکون مصداقاً حیّاً لقوله تعالى: (فإذا هو خصیم مبین). إنّ هذا العمل لا یکون إلاّ من إنسان یملک عقلا وفکراً وشعوراً وإستقلالا وإرادة، ونعلم بأنّ أهمّ مسألة فی حیاة الإنسان هی التکلّم والحدیث الذی یهیّأ محتواه مسبقاً فی الذهن، ثمّ یصبّ فی قالب من العبارات ویطلق باتّجاه الهدف کالرصاص المنطلق من فوهة البندقیة، وهذا العمل لا یمکن حدوثه فی أی کائن حی عدا الإنسان.
وبذلک فإنّ الله سبحانه وتعالى یجسّد قدرته فی إعطاء هذا الماء المهین هذه القوّة العظیمة...(2)
لا يوجد تعليق