الجواب الاجمالي:
إنّ مراعاة الجانب النفسی للمتلقي تؤدّی إلى إیقاظ وجدانه وإثارة روح البحث عن الحقیقة وإحیائها فیه.
والمهمّ هنا أن نعلم أنّ الإنسان لیس فکراً وعقلا صرفاً کی یستسلم أمام قدرة الاستدلال، بل علاوةً على ذلک فإنّ مجموعة من العواطف والأحاسیس التی تشکّل جانباً مهمّاً من روحه مطویة فی وجوده، والتی یجب إشباعها بشکل صحیح ومعقول.
الجواب التفصيلي:
کثیراً ما یلاحظ أفراد فضلاء وعلى مستوى من العلم والمعرفة، لا یمکنهم النفوذ فی أفکار الآخرین، لعدم إطّلاعهم على الفنون الخاصّة بالبحث والاستدلال، وعدم رعایتهم للجوانب النفسیة، على عکس البعض الآخر الذین لیسوا على وفرة من العلم، إلاّ أنّهم موفّقین من ناحیة جذب القلوب وتسخیرها والنفوذ فی أفکار الآخرین.
والعلّة الأساسیة لذلک هی أنّ طریقة البحث، واُسلوب التعامل مع الطرف المقابل یجب أن تکون مقرونة باُصول وقواعد تتّسق مع الخُلُق والروح، فلا تستثار الجوانب السلبیة فی الطرف المقابل، کی لا یندفع إلى العناد والإصرار، إذ إنّ مراعاة الجانب النفسی ستؤدّی إلى إیقاظ وجدانه وإثارة روح البحث عن الحقیقة وإحیائها فیه.
والمهمّ هنا أن نعلم أنّ الإنسان لیس فکراً وعقلا صرفاً کی یستسلم أمام قدرة الاستدلال، بل علاوةً على ذلک فإنّ مجموعة من العواطف والأحاسیس التی تشکّل جانباً مهمّاً من روحه مطویة فی وجوده، والتی یجب إشباعها بشکل صحیح ومعقول.
والقرآن الکریم علّمنا کیفیة مزج البحوث المنطقیة بالاُصول الأخلاقیة فی المحاورة، حتى تنفذ فی أرواح الآخرین.
شرط التأثیر والنفوذ فی روح الطرف المقابل هو إحساس الطرف المقابل بأنّ المتحدّث یتحلّى بالصفات التالیة:
1ـ مؤمن بما یقول، وما یقوله صادر من أعماقه.
2ـ هدفه من البحث طلب الحقّ، ولیس التفوّق والتعالی.
3ـ لا یقصد تحقیر الطرف المقابل، وإعلاء شأن نفسه.
4ـ لیس له مصلحة شخصیة فیما یقول، بل إنّ ما یقوله نابع من الإخلاص.
5ـ یکنّ الإحترام للطرف المقابل، لذا فهو یستخدم الأدب والرقّة فی تعبیراته.
6ـ لا یرید إثارة العناد لدى الطرف المقابل، ویکتفی من البحث فی موضوع بالمقدار الکافی، دون الإصرار على إثبات أنّ الحقّ إلى جانبه. لیعرض حدیثه.
7ـ منصف، لا یفرط بالإنصاف أبداً، حتى وإن لم یراع الطرف المقابل هذه الاُصول.
8ـ لا یقصد تحمیل الآخرین أفکاره، بل یرغب فی إیجاد الدافع لدى الآخرین حتى یوصلهم إلى الحقیقة بمنتهى الحریة.
الدقّة المتناهیة فی هذه الایات، واُسلوب تعامل الرّسول(صلى الله علیه وآله) ـ بأمر الله ـ مع المخالفین، المقترن بکثیر من اللفتات الجمیلة، تعتبر دلیلا حیّاً على ما ذکرناه، فهو أحیاناً یصل إلى حدّ لا یشیر بدقّة إلى المهتدی أو المضلّ فی أحد الفریقین، بل یقول: (وإنّا أو إیّاکم لعلى هدىً أو فی ضلال مبین) حتى یثیر فی الذهن التساؤل عن علامات الهدى أو الضلال فی أی الفریقین.
أو یقول: (قل یجمع بیننا ربّنا ثمّ یفتح بیننا بالحقّ).
لا يوجد تعليق