الجواب الاجمالي:
إنّ العلوم البدیهیة والضروریة والفطریة لم تکن فی الإنسان بصورة فعلیة حین ولادته، وإنّما على شکل استعداد ووجود بالقوّة، وبالتدریج تحصل لأعیننا قوّة النظر ولآذاننا قوة السمع ولعقولنا القدرة على الإدراک والتجزئة والتحلیل، فننعم بهذه العطایا الإلهیّة الثلاث التی بواسطتها نستطیع أن ندرک کثیراً من التصورات ونودعها فی العقل لکی ننشیء منها مفاهیم کلیّة
الجواب التفصيلي:
یشیر الله تعالى فی الآیة 78 من سورة «نحل» إلى نعمة العلم والمعرفة ووسائل تحصیله.. ویقول: (واللّه أخرجکم من بطون أمّهاتکم لا تعلمون شیئاً).
تصرّح الآیة بوضوح بأنّ الإنسان حین یولد فإنّه لا یدرک من الأشیاء شیئاً، وکلّ ما یدرکه إنّما هو بعد الولادة وبواسطة الحواس التی منحه اللّه إیّاه.
ویواجهنا الإشکال التالی: إنّ الإنسان مزوّد بجملة من العلوم الفطریة کالتوحید ومعرفة اللّه، بالإضافة إلى بعض البدیهیات مثل (عدم اجتماع النقیضین، الکل أکبر من الجزء، حسن العدل، قبح الظلم... الخ) وکل هذه العلوم قد أودعت فی قلوبنا وتولّدت معنا.. فکیف یقول القرآن إنّ الإنسان حین یخرج من محیط الجنین لیس له من العلم شیئاً؟
وهل علمنا بوجودنا (والذی هو علم حضوری) لم یکن فینا وإنّما نکتسبه عن طریق السمع والبصر والفؤاد؟
والجواب: وللإجابة على هذا الإشکال، نقول: إنّ العلوم البدیهیة والضروریة والفطریة لم تکن فی الإنسان بصورة فعلیة حین ولادته، وإنّما على شکل استعداد ووجود بالقوّة.
وبعبارة اُخرى: إنّنا عند الولادة نکون فی غفلة عن کلّ شیء حتى عن أنفسنا التی بین جنبینا، إلاّ أنّ مسألة إدراک الحقائق تکمن فینا بصورة القوّة لا الفعل، وبالتدریج تحصل لأعیننا قوّة النظر ولآذاننا قوة السمع ولعقولنا القدرة على الإدراک والتجزئة والتحلیل، فننعم بهذه العطایا الإلهیّة الثلاث التی بواسطتها نستطیع أن ندرک کثیراً من التصورات ونودعها فی العقل لکی ننشیء منها مفاهیم کلیّة، ومن ثمّ نصل إلى الحقائق العقلیة بطریق (التعمیم) و(التجرید).
وتصل قدرتنا الفکریة إلى إدراک أنفسنا (باعتبارها علماً حضوریاً) ومن ثمّ تتحرر العلوم التی اُودعت فینا قوّةً لتصبح علوماً بالفعل، ونجعل بعد ذلک من العلوم البدیهیة والضروریة سلّماً للوصول إلى العلوم النظریة وغیر البدیهیة.
وعلى هذا... فالعموم والکلیّة التی نطقت بها الآیة (من أنّنا لا نعلم شیئاً عند الولادة) لیس لها استثناء ولا تخصیص(1)
لا يوجد تعليق