الجواب الاجمالي:
الإنسان المؤمن المتسلح بالعقيدة وقور عند الشدائد، صبور عند النوازل، لا يتسرب الشك إلى نفسه: (.. لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون).
يصف مولى الموحدين (عليه السلام) أولياء الله فيقول: (.. وإن صبت عليهم المصائب لجؤوا إلى الاستجارة بك، علما بأن أزمة الأمور بيدك، ومصادرها عن قضائك)
الجواب التفصيلي:
یمکن الحصول على جواب هذا السؤال من خلال الرجوع الى الآیة 23 من سورة «الحدید» یقول الله تعالى: (لکیلا تأسوا على ما فاتکم ولا تفرحوا بما آتاکم).
هاتان الجملتان القصیرتان تحلاّن ـ فی الحقیقة ـ إحدى المسائل المعقّدة لفلسفة الخلقة، لأنّ الإنسان یواجه دائماً مشاکل وصعوبات وحوادث مؤسفة فی عالم الوجود، ویسأل دائماً نفسه هذا السؤال وهو: رغم أنّ الله رحمن رحیم وکریم ..، فلماذا هذه الحوادث المؤلمة؟!
ویجیب سبحانه أنّ هدف ذلک هو: ألا تأسرکم مغریات هذه الدنیا وتنشدّوا إلیها وتغفلوا عن أمر الآخرة... کما ورد فی الآیة أعلاه.
والمطلوب أن تتعاملوا مع هذا المعبر والجسر الذی إسمه الدنیا بشکل لا تستولی على لباب قلوبکم، وتفقدوا معها شخصیّتکم وکیانکم وتحسبون أنّها خالدة وباقیة، حیث إنّ هذا الإنشداد هو أکبر عدوٍّ لسعادتکم الحقیقیة، حیث یجعلکم فی غفلة عن ذکر الله ویمنعکم من مسیرة التکامل.
هذه المصائب هی إنذار للغافلین وسوط على الأرواح التی تعیش الغفلة والسبات، ودلالة على قصر عمر الدنیا وعدم خلودها وبقائها.
والحقیقة أنّ المظاهر البرّاقة لدار الغرور تبهر الإنسان وتلهیه بسرعة عن ذکر الحقّ سبحانه، وقد یستیقظ فجأةً ویرى أنّ الوقت قد فات وقد تخلّف عن الرکب.
هذه الحوادث کانت ولا تزال فی الحیاة، وستبقى بالرغم من التقدّم العلمی العظیم، ولن یستطیع العلم أن یمنع حدوثها ونتائجها المؤلمة، کالزلازل والطوفان والسیول والأمطار وما إلى ذلک... وهی درس من قسوة الحیاة وصرخة مدوّیة فیها...
وهذا لا یعنی أن یعرض الإنسان عن الهبات الإلهیّة فی هذا العالم أو یمتنع من الإستفادة منها، ولکن المهمّ ألاّ یصبح أسیراً فیها، وألاّ یجعلها هی الهدف والنقطة المرکزیة فی حیاته.
ومن ملاحظة ما تقدّم أعلاه فإنّ المؤمنین عندما یرزقون النعم من قبل الله سبحانه فإنّهم یعتبرون أنفسهم مؤتمنین علیها، ولا یأسفون على فقدانها وفواتها، ولا یغفلون ویسکرون بوجودها، إذ یعتبرون أنفسهم کالأشخاص المسؤولین عن بیت المال إذ یستلمون فی یوم أموالا کثیرة ویدفعونها فی الیوم الثانی، وعندئذ لا یفرحون باستلامها، ولا یحزنون على إعطائها.
وکم هو تعبیر رائع ما قاله أمیر المؤمنین(علیه السلام) حول هذه الآیة: «الزهد کلّه بین کلمتین فی القرآن الکریم قال تعالى: (لکیلا تأسوا على ما فاتکم ولا تفرحوا بما آتاکم)، ومن لم یأس على الماضی ولم یفرح بالآتی فقد أخذ الزهد بطر فیه»(1)
والنقطة الاُخرى الجدیرة بالملاحظة هی أنّ هذا الأصل ـ وجود المصائب ـ فی حیاة الإنسان أمر قدّر علیه طبقاً لسنّة حکیمة، حیث إنّ الدنیا فی حالة غیر مستقرّة، وهذا الأصل یعطی للإنسان الشجاعة لتحمّل المصائب ویمنحه الصبر والسکینة أمام الحوادث ویکون مانعاً له من الجزع والضجر ..
ونؤکّد مرّة اُخرى أنّ هذا یتعلّق ـ فقط ـ بالمصائب المقدّرة وغیر القابلة للردّ، وإلاّ فإنّ المصائب والمصاعب التی تکون بسبب ذنوب الإنسان وتسامحه فی الطاعات والالتزامات الإلهیّة، فإنّها خارجة عن هذا البحث، ولمواجهتها لابدّ من وضع برنامج صحیح فی حیاة الإنسان(2)
لا يوجد تعليق