الجواب الاجمالي:
وجه الاستدلال بهذه الآية:أن الله تعالى قد بين صراحة أنه لا يعهد بالإمامة إلى ظالم، و الظالم من ارتكب معصية في حياته مهما كان نوعها حتى و لو تاب بعده، فلن يكون العاصي إمام، إذ الإمامة على شرافتها و عظمتها لا ينالها إلا من كان سعيد الذات بنفسه، أما من تلبست ذاته بالظلم و الشقاء و الكفر و الشرك و لو لحظة من عمره، لا يصلح لهذا المقام الرفيع بمقتضى الآية
الجواب التفصيلي:
تدل آیة الإبتلاء بوضوح على ان الظالمین لا ینالون الإمامة حیث یقول تعالى: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمات فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ)(1).
إن المقصود من الإمامة التی منحها الله تعالى لإبراهیم وذریته (علیهم السلام)، هی غیر مقام النبوة. وذلک ان الله تعالى خاطبه وأبشره بالإمامة فی حین کان نبیّاً. ویتضح مما تقدم ان الامامة التی أبشر بها إبراهیم (علیه السلام) هی غیر مقام النبوة. وبما ان ابراهیم دعى الله ان یجعل الإمامة من ذریته، استجاب الله لدعاءه، وان استثنى الظالمین من ذلک. والمراد من غیر الظالمین فی الآیة هم الذین لم یظلموا أحداً طوال حیاتهم. ویدلل على ما تقدم نقطتین:
الأولى: إن الهدف الأعلى من وراء تنصیب انسان لموقع الإمامة هو تجسید الشریعة الإلهیة فی المجتمع. وإذا ما کان الإمام رجلاً صالحاً ونموذجیاً، ولم یشهد سجل اعماله اللآمع معصیة وخطیئة فعند ذلک سیتحقق الهدف السامی من وراء تنصیبه لهذا المقام. ولکن إذا اغترف ذنباً أو أفسد فی مرحلة ما من حیاته فیکون محطاً للإنتقادات، فمن البعید أن یحظى کلامه بالقبول لدى الناس، ویصعب على الناس التسلیم بإمامته، وانما یقولون فی حقه: إن هذا الرجل کان یقترف الذنب بالأمس، وهو یدعوا الیوم إلى الحق، ویرید أن یقضی على الباطل!!
ومن أجل تحقق الهدف الأعلى من وراء تنصب الإمام، یحکم العقل بطهارة الإمام فی جمیع مراحل حیاته من الذنب والرذیلة، واذا ما کانت التوبة مجدیة فی الحیاة الفردیة الا انها لا تنفع کثیراً فی الحیاة الإجتماعیة، وعلى ذلک فلا ینقاد الناس لأمر من تاب ولا یطیعوه.
ثانیاً: إن العلاقة بین عامة الناس والظلم على أشکال أربعة هی:
1. الشخص الذی ظلم الآخرین طوال حیاته.
2. الشخص النزیه والمصان من الظلم طوال حیاته.
3. الشخص الذی کان ظالماً فی مطلع حیاته، وتاب فی آخرها.
4. الشخص النزیه من الظلم فی مطلع حیاته، وصار ظالماً فی آخرها.
وبعد الذی تقدم ینبغی فی هذه المرحلة أن نقف على مراد ابراهیم (علیه السلام) من جعل الخلافة فی بعض ذریته، ومن هم المقصودون بذلک؟ وحاشا ابراهیم (علیه السلام) أن یطلب الإمامة للفریق الاول والرابع من ذریته، حیث من الواضح ان الشخص الذی تلطخت أیدیه بالظلم أو ظَلَمَ الناس أثناء تصدیه لأمر الإمامة لا یمکن الإعتماد علیه.
ومع استثناء الفریقین فیما تقدم یبقى الکلام یدور مدار الفریقین الآخرین أی الثانی والثالث. إن الله تعالى قد صرح ان عهده لا ینال الظالمین، والمراد من الظالم فی الآیة لا ینطبق الا على الفریق الثالث أی الشخص الذی کان ظالماً فی مطلع حیاته وتاب فی آخرها. ومع خروج الفریق الثالث یبقى الفریق الثانی وهو الشخص النزیه والمصان من الظلم طوال حیاته، ولم یصدر منه تجاوزاً ولا انحرافاً عن الحق والطریق الصحیح قبل تصدیه للامامة وبعدها(2)
لا يوجد تعليق