الجواب الاجمالي:
إن فلسفة الغيبة فلسفة متكاملة وعميقة على مستوى النظرية والتطبيق معاً، ولا يفهم هذه الفلسفة حق فهمها إلا المؤمنون السائرون على نهج أهل البيت(ع) في سلوكهم وفي فكرهم على حد سواء ، ومن أهم مفاصل هذه الفلسفة هو التمحيص وتحدث العملية التمحيصية باستعمال غربال خاص أشير إليه في روايات أهل البيت (ع): عن جعفر بن محمد قال: (والله لتمحصن، والله لتغربلن كما يغربل الزؤان من القمح) وهكذا شأن الناس في الغيبة فكلما طال أمد الغيبة أو أمتد زمانها كلما وقع من الغربال الزؤان من الناس، حتى يحصل الامتياز التام بين الخبيث والطيب ومثل الغربال في الغيبة هو الفتن، وهي امتحانات من الله تعالى للناس، إن المراحل التي تمر بها عملية الغربلة عبر العصور لابد أن تتمخض عن جماعة صالحة من المؤمنين الذين هم الحصيلة التاريخية التي تفرزها جولة الباطل في الدنيا ليكونوا قادة دولة الحق إلى قيام الساعة. وهنا نلحظ مفصل آخر من مفاصل فلسفة الغيبة إلا وهو انتظار الفرج، لأن انتظار الفرج هو من أبرز مقومات النجاح في التمحيص.
الجواب التفصيلي:
ان الحکمة وراء غیبة الإمام المهدی (علیه السلام) من الأسرار الالهیة التی لا نستیطع معرفتها. وهناک بعض المصادیق على غیبة أولیاء الله تعالى بشکل مؤقت فی الأمم السابقة. وعلى سبیل المثال فان موسى کلیم الله (علیه السلام) غاب عن قومه لأربعین یوماً ومضى تلک الایام فی المیقات(1) وکما اختفى سیدنا المسیح بأمر من الله تعالى عن انظار امته، ولم یفلح اعدائه فی قتله والقضاء علیه(2) ویونس (علیه السلام) اختفى عن قومه لفترة من الزمن کذلک(3) ونظراً لما تقدم فان غیبة الامام الزمان (علیه السلام) عن الانظار لیس مسألة جدیدة، ومهما طالت الغیبة لا یمکن أن تکون ذریعة لإنکار وجود المهدی (علیه السلام). ولا یمکن انکار قضیة أو التردد فی قبولها بمجرد عدم قدرة الانسان على مشاهدتها أو تجربتها ما زالت القضیة ثابتة عن طریق النقل المتواتر، لإن التواتر فی النقل یبعث على الاطمئنان. وفی غیر هذه الحالة تتعرض کثیراً من المسلمات وضروریات الدین للانکار، والتردید. ونظراً لما تقدم یجب أن نقول: معرفة فلسفة الغیبة أمر ممکن فی حدود قدرة العقل البشری، وهی ان الله یرید أن یبسط العدل وینشر التوحید فی کافة أرجاء العالم على ید الامام المهدی (علیه السلام)، ویتحقق هذا الهدف السامی والمتعالی والکبیر بعد مضی فترة من الزمن، أی المرحلة التی ینضج فیها العقل البشری ویتهیئ فکریاً لتلک المرحلة، وعندما یستقبل العالم باشتیاق موکب الامام الباسط للعدل والحریة، ومن الطبیعی ان وجود الامام بین الناس وعیشه معهم قبل أن تنضج القضیة وتتهیئ الظروف والمقدمات المناسبة سیؤول الى تعرض مصیره ما آل إلیه مصیر آبائه الکرام أی الشهادة.
وقد أشیر فی بعض روایات أهل البیت الى الحکمة من وراء غیبة الامام، حیث قال الامام الباقر (علیه السلام): إن للقائم غیبة قبل ظهوره، قلت: ولم؟ قال: یخاف - وأومأ بیده إلى بطنه - قال زرارة: یعنی القتل(4) أی ان الغیبة هی بسبب الحیلولة دون قتل الامام قبل تحقق الهدف المنتظر.
وأشیر فی الروایات الى أسباب أخرى للغیبة نحو: اختبار وامتحان الأمة فی عصر الغیبة لیتضح من وراء ذلک مدى ثباتها وصمودها فی مسار الایمان والمعتقدات(5)
لا يوجد تعليق