الجواب الاجمالي:
بما أنه اليهود كانوا عارفین بما فی العهدین من القصص والأُصول والعقائد، عمِدوا إلى نشرها بین المسلمین بخداع خاصّ، وبطریقة تعلیمیّة، ولما کانت السذاجة تغلب على عامة المسلمین لذا تلقوهم کعلماء ربانیین، فأخذوا ما یلقونه إلیهم بقلبٍ واعٍ ونیّة صادقة، وبالتالی نشر هؤلاء فی هذا الجوّ المساعد کلّ ما عندهم من القصص الإنحرافیة
والعقائد الباطلة، خصوصاً فیما یرجع إلى التجسیم والتشبیه وتصغیر شأن الأنبیاء فی أنظار المسلمین
الجواب التفصيلي:
لمّا انتشر الإسلام فی الجزیرة العربیة، ودخل الناس فی الإسلام زرافاتٍ ووحدانا، لم یجد الیهود والنصارى المتواجدون فیها محیصاً إلّا الإستسلام، فدخلوا فیه متظاهرین به، غیر معتقدین غالباً إلّا من شملتهم العنایة الإلهیة منهم وکانوا قلیلین، ولکن الأغلبیة الساحقة منهم خصوصاً الأحبار والرهبان بقوا على ما کانوا علیه من العقائد السابقة.
و بما أنهم کانوا من أهل الکتاب عارفین بما فی العهدین من القصص والحکایات والأُصول والعقائد، عمِدوا إلى نشرها بین المسلمین بخداع خاصّ، وبطریقة تعلیمیّة، ولما کانت السذاجة تغلب على عامة المسلمین لذا تلقوهم کعلماء ربانیین، یحملون العلم، فأخذوا ما یلقونه إلیهم بقلبٍ واعٍ ونیّة صادقة، وبالتالی نشر هؤلاء فی هذا الجوّ المساعد کلّ ما عندهم من القصص الإنحرافیة والعقائد الباطلة، خصوصاً فیما یرجع إلى التجسیم والتشبیه وتصغیر شأن الأنبیاء فی أنظار المسلمین، بإسناد المعاصی الموبقة إلیهم، والترکیز على القدر وسیادته فی الکون على کلّ شیء، حتى على إرادة اللَّه سبحانه ومشیئته.
فما ترى فی کتب الحدیث قدیماً وحدیثاً من الأخبار الکثیرة حول التجسیم، والتشبیه، والقدر السالب للاختیار والرؤیة ونسبة المعاصی إلى الأنبیاء، فکلّ ذلک من آفات المستسلمة من الیهود والنصارى. فقد حسبها المسلمون حقائق راهنة وقصِصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن نشرها السلف بین الخلف، ودام الأمر على ذلک.
و من العوامل التی فسحت المجال للأحبار والرهبان لنشر ما فی العهدین بین المسلمین، النهی عن تدوین حدیث الرسول صلى الله علیه وآله ونشره ونقله والتحدّث به أکثر من مائة سنة، فأوجد الفراغ الذی خلفه هذا العمل أرضیة مناسبة لظهور بدع یهودیة ونصرانیة وسخافات مسیحیة وأساطیر یهودیة، خصوصاً من قبل الکهنة والرهبان.
فقد کان التحدّث بحدیث الرسول صلى الله علیه وآله أمراً مکروهاً، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزیز (19- 101 ه)، بل إلى عصر المنصور العباسی (143 ه)، ولکن کان المجال للتحدّث بالأساطیر من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به، فهذا هو تمیم بن أوس الداری من رواة الأساطیر، وقد أسلم سنة تسع للهجرة، وهو أول من قصّ بین المسلمین واستأذن عمر أن یقصّ على الناس قائماً، فأذن له، وکان یسکن المدینة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان[1]
ولمّا سَمِحت الظروف لمثل هذا الکتابی أن یتحدّث بما تعلّم فی حیاته السابقة ومنع من أراد التحدّث بحدیث الرسول، لذا کان المجال خصباً لنشر الأساطیر والعقائد الخرافیة.
یقول الشهرستانی: وضع کثیر من الیهود الذین اعتنقوا الإسلام أحادیثَ متعددة فی مسائل التجسیم والتشبیه وکلها مستمدّة من التوراة[2]
و هذا هو المقدسی یتکلم عن وجود هذه العقائد بین عرب الجاهلیة، یقول: وکان فیهم من کلّ ملة ودین، وکانت الزندقة والتعطیل فی قریش، والمزدکیة والمجوسیة فی تمیم، والیهودیة والنصرانیة فی غسان، وعبادة الأوثان فی سائرهم[3]
قال ابن خلدون: انّ العرب لم یکونوا أهلَ کتاب ولا علم وإنّما غلبت علیهم البداوة والأُمیّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شیء ممّا تتوقّ إلیه النفوس البشریة فی أسباب المکوَّنات وبدء الخلیقة وأسرار الوجود فإنّما یسألون عنه أهلَ الکتاب قبلهم، ویستفیدونه منهم، وهم أهل التوراة من الیهود ومن تبع دینهم من النصارى، مثل کعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد اللَّه بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسیر من المنقولات عندهم وتساهلَ المفسّرون فی مثل ذلک وملأوا کتب التفسیر بهذه المنقولات، وأصلها کلّها کما قلنا من التوراة أو ممّا کانوا یفترون[4]
و لو أردنا أن ننقل کلمات المحققین حول الخسارة التی أحدثها الیهود والنصارى لطال بنا الکلام وطال مقالنا مع القرّاء.
و من أکابر أحبار الیهود الذین تظاهروا بالإسلام هو کعب الأحبار، حیث خدع عقولَ المسلمین وحتى الخلفاء والمترجمین عنه من علماء الرجال، وقد أسلم فی زمن أبی بکر وقدِمَ من الیمن فی خلافة عمر، فانخدع به الصحابة وغیرهم.
قال الذهبی: العلامة الحبر الذی کان یهودیاً فأسلم بعد وفاة النبی، وقدم المدینة من الیمن فی أیام عمر (رض)، وجالس أصحاب محمّد، فکان یحدّثهم عن الکتب الاسرائیلیة ویحفظ عجائب،- إلى أن قال:- حدّث عنه أبو هریرة ومعاویة وابن عباس، وذلک من قبیل روایة الصحابی عن تابعی، وهو نادر عزیز، وحدّث عنه أیضاً أسلم مولى عمر وتبیع الحمیری ابن امرأة کعب، وروى عنه عدّة من التابعین کعطاء بن یسار وغیره مرسلًا، وقع له روایة فی سنن أبی داود والترمذی والنسائی[5] وعرفه الذهبی أیضاً فی بعض کتبه بأنه من أوعیة العلم[6]
فقد وجد الحبر الماکر جوّاً ملائماً لنشر الأساطیر والقصص الوهمیة، وبذلک بثّ سمومه القاتلة بین الصحابة والتابعین، وقد تبعوه وهم یحسبون أنهم یحسنون صنعاً.
و قد تنبه إلى جسامة الخسارة التی أحدثها ذلک الحبر لفیف من القدماء، منهم ابن کثیر فی تفسیره، حیث أنه بعدما أورد طائفة من الأخبار فی قصة ملکة سبأ مع سلیمان، قال: والأقرب فی مثل هذه السیاقات انها متلقاة عن أهل الکتاب ممّا وجد فی صحفهم، کروایات کعب ووهب- سامحهما اللَّه تعالى- فی ما نقلاه إلى هذه الأُمة من أخبار بنی اسرائیل من الأوابد والغرائب والعجائب ممّا کان وما لم یکن، وممّا حُرِّف وبُدِّل وفُسِخَ، وقد أغنانا اللَّه سبحانه عن ذلک بما هو أصحّ منه وأنفع وأوضح وأبلغ[7]
و الذی یدلّ على عمق مکره وخداعه لعقول المسلمین أنه ربّما ینقل شیئاً من العهدین، وفی الوقت ذاته نرى أنّ بعض الصحابة الذین تتلمذوا على یدیه وأخذوا منه ینسب نفس ما نقله إلى الرسول! والذی یبرّر ذلک العمل حسن ظنّهم وثقتهم به، فحسبوا المنقول أمراً واقعیاً، فنسبوه إلى النبی زاعمین أنه إذا کان کعب الأحبار عالماً به فالنبی أولى بالعلم منه.
فإن کنت فی شکٍّ من ذلک فاقرأ نصّین فی موضوع واحد أحدهما للإمام الطبری فی تاریخه ینقله عن کعب الأحبار فی حشر الشمس والقمر یوم القیامة، والآخر للإمام ابن کثیر صاحب التفسیر ینقله عن أبی هریرة عن النبی الأکرم، ومضمون الحدیث ینادی بأعلى صوته بأنه موضوع مجعول على لسان الوحی، نشره الحبر الخادع وقبله الساذج من المسلمین.
1- قال الطبری: عن عکرمة، قال: بینا ابن عباس ذات یوم جالس إذ جاءه رجل فقال: یا ابن عباس سمعت العجب من کعب الحبر یذکر فی الشمس والقمر، قال: وکان متکئاً فاحتفز ثمّ قال: وما ذاک؟ قال: زعم یجاء بالشمس والقمر یوم القیامة کأنّهما ثوران عقیران فیقذفان فی جهنم، قال عکرمة: فطارت من ابن عباس شفة ووقعت أُخرى غضباً، ثمّ قال: کذب کعب، کذب کعب، کذب کعب، ثلاث مرّات، بل هذه یهودیة یرید إدخالها فی الإسلام، اللَّه أجل وأکرم من أن یعذّب على طاعته، ألم تسمع قول اللَّه تبارک وتعالى «وَ سَخَّرَ لَکُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَیْنِ»، انما یعنی دؤوبهما فی الطاعة، فکیف یعذّب عبدین یُثنی علیهما أنهما دائبان فی طاعته؟ قاتلَ اللَّه هذا الحبر وقبّح حبریته، ما أجرأه على اللَّه وأعظم فریته على هذین العبدین المطیعین للَّه، قال: ثمّ استرجع مراراً[8]
2- قال ابن کثیر: روى البزار، عن عبد العزیز بن المختار، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن فی هذا المسجد- مسجد الکوفة-، وجاء الحسن فجلس إلیه فحدّث، قال: حدّثنا أبو هریرة أنّ رسول اللَّه (ص) قال: «إنّ الشمس والقمر ثوران فی النار عقیران یوم القیامة»
فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أُحدّثک عن رسول اللَّه (ص) وتقول- أحسبه قال-: وما ذنبهما، ثمّ قال: لا یروى عن أبی هریرة إلّامن هذا الوجه[9]
و لما کان إسلام کعب الأحبار بعد رحیل الرسول، لذلک تعذر علیه إسناد ما رواه من أساطیر إلى النبی الأکرم، ولو أنه أدرک شیئاً من حیاته صلى الله علیه وآله وإن کان قلیلًا لنسب تلک الأساطیر إلیه، ولکن حالت المشیئة الإلهیة دون أمانیه الباطلة، ولکن أبا هریرة لما صحب النبی واستحسن الظنّ بکعبالأحبار، وکان أُستاذه فی الأساطیر نسب الروایة إلى النبی صلى الله علیه وآله[10]
و بما أنهم کانوا من أهل الکتاب عارفین بما فی العهدین من القصص والحکایات والأُصول والعقائد، عمِدوا إلى نشرها بین المسلمین بخداع خاصّ، وبطریقة تعلیمیّة، ولما کانت السذاجة تغلب على عامة المسلمین لذا تلقوهم کعلماء ربانیین، یحملون العلم، فأخذوا ما یلقونه إلیهم بقلبٍ واعٍ ونیّة صادقة، وبالتالی نشر هؤلاء فی هذا الجوّ المساعد کلّ ما عندهم من القصص الإنحرافیة والعقائد الباطلة، خصوصاً فیما یرجع إلى التجسیم والتشبیه وتصغیر شأن الأنبیاء فی أنظار المسلمین، بإسناد المعاصی الموبقة إلیهم، والترکیز على القدر وسیادته فی الکون على کلّ شیء، حتى على إرادة اللَّه سبحانه ومشیئته.
فما ترى فی کتب الحدیث قدیماً وحدیثاً من الأخبار الکثیرة حول التجسیم، والتشبیه، والقدر السالب للاختیار والرؤیة ونسبة المعاصی إلى الأنبیاء، فکلّ ذلک من آفات المستسلمة من الیهود والنصارى. فقد حسبها المسلمون حقائق راهنة وقصِصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن نشرها السلف بین الخلف، ودام الأمر على ذلک.
و من العوامل التی فسحت المجال للأحبار والرهبان لنشر ما فی العهدین بین المسلمین، النهی عن تدوین حدیث الرسول صلى الله علیه وآله ونشره ونقله والتحدّث به أکثر من مائة سنة، فأوجد الفراغ الذی خلفه هذا العمل أرضیة مناسبة لظهور بدع یهودیة ونصرانیة وسخافات مسیحیة وأساطیر یهودیة، خصوصاً من قبل الکهنة والرهبان.
فقد کان التحدّث بحدیث الرسول صلى الله علیه وآله أمراً مکروهاً، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزیز (19- 101 ه)، بل إلى عصر المنصور العباسی (143 ه)، ولکن کان المجال للتحدّث بالأساطیر من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به، فهذا هو تمیم بن أوس الداری من رواة الأساطیر، وقد أسلم سنة تسع للهجرة، وهو أول من قصّ بین المسلمین واستأذن عمر أن یقصّ على الناس قائماً، فأذن له، وکان یسکن المدینة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان[1]
ولمّا سَمِحت الظروف لمثل هذا الکتابی أن یتحدّث بما تعلّم فی حیاته السابقة ومنع من أراد التحدّث بحدیث الرسول، لذا کان المجال خصباً لنشر الأساطیر والعقائد الخرافیة.
یقول الشهرستانی: وضع کثیر من الیهود الذین اعتنقوا الإسلام أحادیثَ متعددة فی مسائل التجسیم والتشبیه وکلها مستمدّة من التوراة[2]
و هذا هو المقدسی یتکلم عن وجود هذه العقائد بین عرب الجاهلیة، یقول: وکان فیهم من کلّ ملة ودین، وکانت الزندقة والتعطیل فی قریش، والمزدکیة والمجوسیة فی تمیم، والیهودیة والنصرانیة فی غسان، وعبادة الأوثان فی سائرهم[3]
قال ابن خلدون: انّ العرب لم یکونوا أهلَ کتاب ولا علم وإنّما غلبت علیهم البداوة والأُمیّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شیء ممّا تتوقّ إلیه النفوس البشریة فی أسباب المکوَّنات وبدء الخلیقة وأسرار الوجود فإنّما یسألون عنه أهلَ الکتاب قبلهم، ویستفیدونه منهم، وهم أهل التوراة من الیهود ومن تبع دینهم من النصارى، مثل کعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد اللَّه بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسیر من المنقولات عندهم وتساهلَ المفسّرون فی مثل ذلک وملأوا کتب التفسیر بهذه المنقولات، وأصلها کلّها کما قلنا من التوراة أو ممّا کانوا یفترون[4]
و لو أردنا أن ننقل کلمات المحققین حول الخسارة التی أحدثها الیهود والنصارى لطال بنا الکلام وطال مقالنا مع القرّاء.
و من أکابر أحبار الیهود الذین تظاهروا بالإسلام هو کعب الأحبار، حیث خدع عقولَ المسلمین وحتى الخلفاء والمترجمین عنه من علماء الرجال، وقد أسلم فی زمن أبی بکر وقدِمَ من الیمن فی خلافة عمر، فانخدع به الصحابة وغیرهم.
قال الذهبی: العلامة الحبر الذی کان یهودیاً فأسلم بعد وفاة النبی، وقدم المدینة من الیمن فی أیام عمر (رض)، وجالس أصحاب محمّد، فکان یحدّثهم عن الکتب الاسرائیلیة ویحفظ عجائب،- إلى أن قال:- حدّث عنه أبو هریرة ومعاویة وابن عباس، وذلک من قبیل روایة الصحابی عن تابعی، وهو نادر عزیز، وحدّث عنه أیضاً أسلم مولى عمر وتبیع الحمیری ابن امرأة کعب، وروى عنه عدّة من التابعین کعطاء بن یسار وغیره مرسلًا، وقع له روایة فی سنن أبی داود والترمذی والنسائی[5] وعرفه الذهبی أیضاً فی بعض کتبه بأنه من أوعیة العلم[6]
فقد وجد الحبر الماکر جوّاً ملائماً لنشر الأساطیر والقصص الوهمیة، وبذلک بثّ سمومه القاتلة بین الصحابة والتابعین، وقد تبعوه وهم یحسبون أنهم یحسنون صنعاً.
و قد تنبه إلى جسامة الخسارة التی أحدثها ذلک الحبر لفیف من القدماء، منهم ابن کثیر فی تفسیره، حیث أنه بعدما أورد طائفة من الأخبار فی قصة ملکة سبأ مع سلیمان، قال: والأقرب فی مثل هذه السیاقات انها متلقاة عن أهل الکتاب ممّا وجد فی صحفهم، کروایات کعب ووهب- سامحهما اللَّه تعالى- فی ما نقلاه إلى هذه الأُمة من أخبار بنی اسرائیل من الأوابد والغرائب والعجائب ممّا کان وما لم یکن، وممّا حُرِّف وبُدِّل وفُسِخَ، وقد أغنانا اللَّه سبحانه عن ذلک بما هو أصحّ منه وأنفع وأوضح وأبلغ[7]
و الذی یدلّ على عمق مکره وخداعه لعقول المسلمین أنه ربّما ینقل شیئاً من العهدین، وفی الوقت ذاته نرى أنّ بعض الصحابة الذین تتلمذوا على یدیه وأخذوا منه ینسب نفس ما نقله إلى الرسول! والذی یبرّر ذلک العمل حسن ظنّهم وثقتهم به، فحسبوا المنقول أمراً واقعیاً، فنسبوه إلى النبی زاعمین أنه إذا کان کعب الأحبار عالماً به فالنبی أولى بالعلم منه.
فإن کنت فی شکٍّ من ذلک فاقرأ نصّین فی موضوع واحد أحدهما للإمام الطبری فی تاریخه ینقله عن کعب الأحبار فی حشر الشمس والقمر یوم القیامة، والآخر للإمام ابن کثیر صاحب التفسیر ینقله عن أبی هریرة عن النبی الأکرم، ومضمون الحدیث ینادی بأعلى صوته بأنه موضوع مجعول على لسان الوحی، نشره الحبر الخادع وقبله الساذج من المسلمین.
1- قال الطبری: عن عکرمة، قال: بینا ابن عباس ذات یوم جالس إذ جاءه رجل فقال: یا ابن عباس سمعت العجب من کعب الحبر یذکر فی الشمس والقمر، قال: وکان متکئاً فاحتفز ثمّ قال: وما ذاک؟ قال: زعم یجاء بالشمس والقمر یوم القیامة کأنّهما ثوران عقیران فیقذفان فی جهنم، قال عکرمة: فطارت من ابن عباس شفة ووقعت أُخرى غضباً، ثمّ قال: کذب کعب، کذب کعب، کذب کعب، ثلاث مرّات، بل هذه یهودیة یرید إدخالها فی الإسلام، اللَّه أجل وأکرم من أن یعذّب على طاعته، ألم تسمع قول اللَّه تبارک وتعالى «وَ سَخَّرَ لَکُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَیْنِ»، انما یعنی دؤوبهما فی الطاعة، فکیف یعذّب عبدین یُثنی علیهما أنهما دائبان فی طاعته؟ قاتلَ اللَّه هذا الحبر وقبّح حبریته، ما أجرأه على اللَّه وأعظم فریته على هذین العبدین المطیعین للَّه، قال: ثمّ استرجع مراراً[8]
2- قال ابن کثیر: روى البزار، عن عبد العزیز بن المختار، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن فی هذا المسجد- مسجد الکوفة-، وجاء الحسن فجلس إلیه فحدّث، قال: حدّثنا أبو هریرة أنّ رسول اللَّه (ص) قال: «إنّ الشمس والقمر ثوران فی النار عقیران یوم القیامة»
فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أُحدّثک عن رسول اللَّه (ص) وتقول- أحسبه قال-: وما ذنبهما، ثمّ قال: لا یروى عن أبی هریرة إلّامن هذا الوجه[9]
و لما کان إسلام کعب الأحبار بعد رحیل الرسول، لذلک تعذر علیه إسناد ما رواه من أساطیر إلى النبی الأکرم، ولو أنه أدرک شیئاً من حیاته صلى الله علیه وآله وإن کان قلیلًا لنسب تلک الأساطیر إلیه، ولکن حالت المشیئة الإلهیة دون أمانیه الباطلة، ولکن أبا هریرة لما صحب النبی واستحسن الظنّ بکعبالأحبار، وکان أُستاذه فی الأساطیر نسب الروایة إلى النبی صلى الله علیه وآله[10]
لا يوجد تعليق