الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
مبتدع هذه الشّبهة هو المستشرق دوايت رونلدسن في
كتابه «عقيدة الشيعة» ص 231 حيث أوعز فكرة المهدويّة إلى فشل الشيعة واضطهاد
الأعداء لهم فقال: «من المحتمل جدا أن الفشل الظاهر الذي أصاب المملكة
الإسلامية في توطيد أركان العدل والتساوي على زمن دولة الأمويين عام 41- 132 ه كان
من الأسباب لظهور فكرة المهديّ آخر الزمان».
نحن نقول: لا نستغرب من كلام هذا المستشرق
الحاقد على الإمامية، فقد سبقه إلى ذلك ابن خلدون(1)، وقلدهما أحمد أمين في
كتابه ضحى الإسلام متنكرا من القضية المهدوية ومدعيا أن لها أسبابا سياسية واجتماعية
ودينية، وأنها انبثقت من الشيعة بعد خروج الخلافة من أيديهم، فأحمد أمين وابن
خلدون وأمثالهما لا يمثّلون الشيعة والأشاعرة، بل هم أناس انعزاليون بحاجة إلى
رعاية فكرية.
و نحن نسأل أحمد أمين وأمثاله من النواصب:
إذا كان الشيعة هم المخترعون لهذه الفكرة، فما ذا يفعل بمئات الأحاديث التي رواها
علماؤه وأساتذته في مصر وغيرها من الديار في مصادرهم وبطرقهم وأسانيدهم؟! ولماذا
لم يكلّف أحمد أمين نفسه مناقشة هذه الأحاديث في إسنادها ومتونها، مكتفيا بشطحة
قلم تطيح بمئات الأحاديث بل الألوف، فهل يا ترى كل هذه الأخبار من صنع الشيعة
الإمامية، وإذا كانت من صنعهم، فلما ذا أخذ بها كبار علماء العامة ودافعوا عنها
بكلّ قوة؟! فلا يخلو الأمر حينئذ من شيئين:
إما تواطؤ علماء العامة مع الشيعة، وإما
جهلهم بطرق الحديث ومتونه؛ وكلاهما لا يقرّ بهما أحمد أمين وأمثاله، فيثبت أنّ ما
ادّعاه الشيعة ليس من مبتدعاتهم وإنما هي من وحي السماء نزل على سيّد المرسلين
محمّد (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) الذي أخبر عن حفيده الإمام المهديّ ابن الحسن
العسكري عليه السّلام فنحن نؤمن بما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين رغما لأنفي
ابن خلدون وأحمد أمين و... .
اما ممن نصّ على تواتر أحاديث المهدي
الحافظ شمس الدين السخاوي في «فتح المغيث» والحافظ جلال الدين السيوطي في «الفوائد
المتكاثرة في الأحاديث المتواترة» واختصاره «الأزهار المتناثرة» وغيرهما من كتبه،
والعلّامة ابن حجر الهيثمي في «الصواعق المحرقة» وغيره من مصنّفاته، والمحدّث
الزرقاني في شرحه ل «المواهب اللدنّية» وجمّ غفير من الحفاظ النقّاد والمحدّثين
المتقنين لفنون الأثر. وذكر القنوجي في «الإذاعة لما كان وما يكون بين يديّ
الساعة» أنّ القاضي أبا عبد اللّه محمّد بن عليّ الشوكاني ألّف في إثبات تواتر
أخباره كتابا أسماه: «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح» ونقل
عنه أنه قال فيه: «و الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها
خمسون حديثا فيها الحسن والصحيح والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل
يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الأصول؛ وأما الآثار
عن الصحابة المصرّحة بالمهدي فهي كثيرة لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل
ذلك».
وقال القنوجي في كتابه المذكور: «والأحاديث
الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدا تبلغ حدّ التواتر وهي في السنن وغيرها
من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد. وقد اضجع القول فيها ابن خلدون في مقدمة
تاريخه حيث قال: يحتجون في الباب بأحاديث خرّجها الأئمة وتكلّم فيها المنكرون وربّما
عارضوها ببعض الأخبار إلى آخر ما قال وليس كما ينبغي فإنّ الحق الأحق بالاتباع والقول
المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع أنّ المعتبر في الرواة رجال الحديث
أمران لا ثالث لهما وهما: الضبط والصدق دون ما اعتبره أهل الأصول من العدالة وغيرها
فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك، كيف؟! ومثل ذلك يتطرق إلى رجال الصحيحين
وأحاديث المهدي عند الترمذي وأبي داود وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبي يعلى
الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة؛ فتعرّض المنكرين لها ليس كما ينبغي، والأحاديث
يشدّ بعضها بعضا ويتقوّى أمرها بالشواهد والمتابعات، وأحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها
ضعيف وأمره مشهور بين الكافّة من أهل الإسلام على ممر الأعصار».
فلذا یمکن ان یتخلص الجواب فی امرین:
(1) إذا
كانت فكرة المهدويّة نتيجة فشل الشيعة واضطهادهم، فهل أن اعتقاد أكابر علماء
العامة وروايته لأحاديث المهديّ حيث بلغت فوق الاربعمائة خبر بطرق متعددة كان
نتيجة فشلهم واضطهاد الآخرين لهم؟ ومن أين علم رونلدسن وغیره ذلك؟
(2) لقد
قام الإجماع بين المسلمين وتصافقت عليه الأخبار المتواترة والتي بلغت المئات، كلها
دلت على أن خروج المهديّ عليه السّلام من المحتوم الذي لا يتخلّف وأنه عليه
السّلام يصلّي عيسى بن مريم خلفه ويبسط العدل ويرفع الظلم، وليس الشيعة وحدهم
الذين رووا هذه الأخبار، مضافا إلى أن تاريخ صدور هذه الأخبار كان قبل نشوء الدولة
الأموية عام 41 ه، وسقوطها عام 132 ه، وعليه فما ادّعاه ذاك المستشرق الخبيث وغیره
ما هو إلا افتراء على الشيعة الإمامية وإمامهم المغيّب عن دول الكافرين، والمستتر
عن أعين الظالمين(2)
لا يوجد تعليق