الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
يرى البعض: أن اللّه تعالى قد سمّى أبا بكر بالصّديق و يروون في ذلك روايات كثيرة.
نقول: نحن نشك في صحة ذلك للعلل التالية:
اولاً: الروايات في تسمية أبي بكر بالصّديق موضوعة و ضعيفة ندرس نماذج منها علي سبيل المثال:
1- عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه (ص): «ما في الجنّة شجرة إلّا مكتوب على كلّ ورقة منها: لا إله إلّا اللَّه، محمد رسول اللَّه، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين».
هذه من موضوعات عليّ بن جميل الرقّي. أخرجه الطبراني،و قال: موضوع، و عليّ بن جميل وضّاع، و قد تفرّد به و سرقه منه معروف بن أبي معروف البلخي، و عبد العزيز بن عمرو الخراساني رجل مجهول(1)
2- عن أبي هريرة مرفوعاً(2): «عُرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلّا وجدتُ فيها مكتوباً: محمد رسول اللَّه، و أبو بكر الصدّيق من خلفي».
من موضوعات عبد اللَّه بن إبراهيم الغفاري، ذكره الذهبي في ميزانه من طريق الخطيب، عن محمد بن عبد اللَّه الهلالي البصري، و قال: خبر باطل(3) ثمّ رواه بإسناد آخر فقال: و هو باطل ما أدري من يغمز فيه فإنّ هؤلاء ثقات، ثمّ ذكره من طريق الغفاري فقال: متّهم بالكذب فهذا عنه محتمل.(4)
3- عن أبي الدرداء مرفوعاً: «رأيت ليلة أُسري بي في العرش فريدةً خضراء، مكتوب فيها بنور أبيض: لا إله إلّا اللَّه، محمد رسول اللَّه، أبو بكر الصدّيق». زاد الطبري: «عمر الفاروق».
من موضوعات عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمداني الكذّاب الخبيث المتروك.(5)
أخرجه الدارقطني بطريقين: أحدهما لعمر بن إسماعيل المذكور، و الثاني للسريّ بن عاصم الكذّاب،(6) و ينتهي كلا الطريقين إلى محمد بن فضيل الشيعي. فقال الدارقطني: تفرّد به ابن فضيل، عن ابن جريج، لا أعلم أحداً حدّث به غير هذين- يعني الكذّابين ابني إسماعيل و عاصم- و أورده في الواهيات من طريق السريّ، و قال: لا يصحّ(7)
4- عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه مرفوعاً: «ليلة أُسري بي رأيت على العرش مكتوباً: لا إله إلّا اللَّه، محمد رسول اللَّه، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يُقتل مظلوماً».
أخرجه الخطيب في تاريخه(8) من طريق عبد الرحمن بن عفّان(9) عن محمد بن مجيب الصائغ،(10) و كلاهما كذّابان(11)
ثانيا: هذه الروايات تعارض الروايات الصحيحة و الحسنة سندا، و المروية في عشرات المصادر، في علي بن ابيطالب، منها:
1- عن رسول اللَّه (ص): «إنّ هذا أوّل من آمن بي، و هو أوّل من يصافحني يوم القيامة، و هو الصدِّيق الأكبر، و هذا فاروق هذه الأمّة، يَفْرُقُ بين الحقِّ و الباطل، و هذا يعسوب المؤمنين ...».
أخرجه الطبراني عن سلمان و أبي ذر، و البيهقي و العدني عن حذيفة، و الهيثمي في المجمع، و الحافظ الكنجي في الكفاية من طريق الحافظ ابن عساكر و في آخره «و هو بابي الذي أُوتى منه و هو خليفتي من بعدي». و ذكره باللفظ الأوّل المتّقي الهندي في إكمال كنز العمّال.(12)
من أسانيد هذا الحديث «في الكتب المعتمدة» ما أخرجه الطبراني في الكبير بقوله: «حدّثنا علي بن إسحاق الوزير الإصبهاني، حدّثنا إسماعيل بن موسى السدّي، ثنا عمر بن سعيد، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي سخيلة، عن أبي ذر وعن سلمان قالا: أخذ رسول اللَّه (ص) بيد علي(رضي اللَّه عنه) فقال: إن هذا أوّل من آمن بي، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الامّة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالم».(13)
ورواه المناوي قال: «ورواه الطبراني والبزّار عن أبي ذر وسلمان مطوّلًا قال: أخذ رسول اللَّه (ص) بيد علي ...»(14) و لم يتكلّم عليه بشيءٍ أصلًا، وإن تكلّم في غيره، وكذا المتقي الهندي.(15) و لم يورده ابن الجوزي- بهذا السند- لافي «الموضوعات» و لا «العلل».
2- عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «أنا عبد اللَّه و أخو رسوله و أنا الصدِّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مُفترٍ، لقد صلّيتُ قبلَ الناس سبعَ سنين».
أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح، و النسائي في الخصائص بسند رجاله ثقات، و ابن أبي عاصم في السنّة، و الحاكم في المستدرك و صحّحه، و أبو نعيم في المعرفة، و ابن ماجة في سننه بسند صحيح، و الطبري في تاريخه بإسناد صحيح، و العقيلي، و الخلعي، و ابن الأثير في الكامل، و ابن أبي الحديد في شرح النهج، و محبّ الدين الطبري في الذخائر، و الرياض، و الحمّوئي في الفرائد في الباب التاسع و الأربعين، و السيوطي في الجمع الجوامع، و في طبقات الشعراني: قال عليٌّ رضى الله عنه: «أنا الصدِّيقُ الأكبر لا يقولُها بعدي إلّا كاذب».(16)
3- أخرج ابن النجّار و أحمد في المناقب عن ابن عبّاس عن رسول اللَّه (ص): «الصدِّيقون ثلاثةٌ: حزقيل مؤمن آل فرعون، و حبيب النجّار صاحب آل ياسين، و عليُّ بن أبي طالب»(17) و أخرجه أبو نعيم في المعرفة(18) و ابن عساكرعن أبي ليلى، و زادا في لفظهما: «و هو أفضلهم».(19) و أخرجه محبُّ الدين الطبري في الرياض، و الكنجي في الكفاية بلفظ أبي ليلى، و ابن حجر في الصواعق بلفظ ابن عبّاس، و بلفظ أبي ليلى. (20) و ثمة روايات أخرى.
ثالثا: الروايات في تسمية أبي بكر بالصّديق تعارض متونها أحاديث صحيحة مسلّمة الصدورعند اهل السّنّة.
نورد مثالا للاختصار: روي عن أنس مرفوعاً: «قلت لجبريل حين أُسري بي إلى السماء: يا جبريل، أعلى أُمّتي حساب؟ قال: كلّ أُمّتك عليها حساب ما خلا أبا بكر الصدّيق، فإذا كان يوم القيامة قيل: يا أبا بكر ادخل الجنّة، قال: ما أدخل حتى أُدخل معي من كان يحبّني في الدنيا». أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد و قال: هذا الحديث كذب، و كذّبه الذهبي في ميزانه.(21) تعارض هذا الحديث، الاحاديث الصحيحة التالية.
1- «يدخل الجنّة من أُمّتي سبعون ألفاً بغير حساب». أخرجه البخاري، و مسلم، و أحمد، و الدارمي، و أبو داود.(22)
2- «يبعث من هذه المقبرة- بقيع الغرقد- سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب». أخرجه الطبراني في الكبير.(23)
3-«ليدخلنّ الجنّة من أُمّتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم و لا عذاب، مع كلّ ألف سبعون ألفاً». أخرجه أحمد، و الطبراني، و البزّار.(24)
رابعا: الروايات في تسمية أبي بكر بالصّديق مضطربة في سبب التّسمية و زمانها:
فمن قائل: إن ذلك كان في قضية الغار.(25)
و من قائل: إنه كان حينما رجع النبي (ص) من رحلة الاسراء، و تصديق أبي بكر له في ذلك، و حين وصف النبي (ص) لقومه بيت المقدس(26)
و قول ثالث: أن ذلك كان حين بعثة النبي (ص) ، حيث صدقه أبو بكر، فسمي الصديق.(27)
و قول رابع: ان ذلك كان حين رحلة النبي (ص) إلى السماء، حيث روي عنه (ص) قوله: لما عرج بي إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا محمد رسول اللّه أبو بكر الصديق،(28)
فأيّ ذلك هو الصحيح؟!
خلاصة ما قلنا :
1- الروايات في تسمية أبي بكر بالصّديق موضوعة و ضعيفة.
2- هذه الروايات تعارض الروايات الصحيحة و الحسنة، و المروية في عشرات المصادر، في علي بن ابيطالب.
3- الروايات في تسمية أبي بكر بالصّديق تعارض متونها أحاديث صحيحة مسلّمة الصدورعند اهل السّنّة.
4- الروايات في تسمية أبي بكر بالصّديق مضطربة.
و حصل بعد ما تقدم: أن لقب «الصّديق» خاص بالامام علي (ع) و لا يمكن اثباته لغيره.
لا يوجد تعليق