الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
ربما يُدّعي أنّ العامّة قد تلقّوا أحاديث الصحيحين بالقبول و اقاموا الإجماع على صحّتها؛ كما قال النووي: «أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين و وجوب العمل بأحاديثهما»(1).
نقول هذا الدّعوي كذب؛ لأنّ فئة من علماء اهل السّنّة الذین تعتمد العامة اقوالهم و تعترف بعلوّ مقامهم العلمی، انتقدوا الصحیحین و اصبحت نظراتهم تماما على عکس الفئة المغالین الذین رووا ان رسول اللّه (ص) بلغ سلامه الى البخاری.
و نورد هنا طرفا من آراء الناقدین من العلما و المحدثین و الحفاظ و شرّاح الصحیحین الذین اظهروا نظریاتهم العلمیة و التحقیقیة في هذا المجال.
1- ابو زرعة(2): کان ابو زرعة اعتبر مسلم و نظائره متظاهرین بالحدیث و متاجرین به، و کان یقول بان بعض احادیث صحیح مسلم لیس بصحیح.
قال الخطیب عن سعید بن عمرو قال: شهدت ابا زرعة الرازی ذکر کتاب الصحیح الذی الفه مسلم بن الحجاج ثم المصوغ على مثاله صحیح البخاری، فقال لی ابو زرعة: هؤلاء قوم ارادوا التقدم قبل اوانه فعملوا شیئا یتشوفون به، الفوا کتابا لم یسبقوا الیه لیقیموا لانفسهم رئاسة قبل وقتها واتاه ذات یوم ـ و انا شاهد رجل بکتاب الصحیح من روایة مسلم فجعل ینظر فیه فاذا حدیث عن اسباط بن نصر، فقال ابوزرعة: ما ابعد هذا من الصحیح یدخل فی کتابه اسباط بن نصر، ثم راى فی کتابه قطن بن نصیر فقال لی: و هذا اطم من الاول(3).
2- النووي: ما يقوله الناس: إنّ من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا من التجوّه و لا يقوى»(4).
3- كمال الدين ابن الهمام: «و قول من قال: أصحّ الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما اشتمل على شرطهما، ثم ما اشتمل على شرط أحدهما، تحكّم لا يجوز التقليد فيه، إذ الأصحّيّة ليست إلا لاشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها، فإن فرض وجود تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين، أ فلا يكون الحكم بأصحيّة ما في الكتابين عين التحكّم؟!»(5).
4- أبو الوفاء القرشي(6): «.. قد وقع في مسلم أشياء لا تقوى عند الاصطلاح، فقد وضع الحافظ الرشيد العطّار على الأحاديث المقطوعة المخرّجة في مسلم كتابا سماّه ب «غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة» وبيّنها الشيخ محيي الدين في أوّل شرح مسلم. وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضا من التحنّق ولا يقوى، فقد روى مسلم في كتابه عن ليث بن أبي مسلم وغيره من الضعفاء، فيقولون: إنّما روى في كتابه للإعتبار والشواهد و المتابعات و الاعتبارات، و هذا لا يقوى، لأنّ الحفّاظ قالوا: الاعتبار و الشواهد و المتابعات و الاعتبارات امور يتعرّفون بها حال الحديث، و كتاب مسلم التزم فيه الصحّة، فكيف يتعرّف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة...»(7).
5- أبو الفضل الأدفوي(8): «... أنّ قول الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح: إنّ الامّة تلقّت الكتابين بالقبول، إن أراد كلّ لامّة فلا يخفى فساد ذلك، إذ الكتابان إنّما صنّفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، و أئمّة المذاهب الأربعة، ورؤوس حفّاظ الأخبار و نقّاد الآثار المتكلّمين في الطرق والرجال، المميّزين بين الصحيح والسقيم. وإن أراد بالامّة الّذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الامّة، فلا يستقيم له دليله الذي قرّره من تلقّي الامّة و ثبوت العصمة لهم، و الظاهرية إنّما يعتنون بإجماع الصحابة خاصة، والشيعة لا تعتدّ بالكتابين وطعنت فيهما، وقد اختلف في اعتبار قولهم في الإجماع و الانعقاد. ثم إن أراد كلّ حديث فيهما تلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما، فتكلّم الدار قطني في أحاديث و علّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الإسراء، قال: إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، والقطع لا يقع التعارض فيه...».(9)
6- الشيخ علي القاري حول صحيح مسلم: «و قد وقع منه أشياء لا تقوى عند المعارضة، و قد وضع الرشيد العطّار كتابا على الأحاديث المقطوعة فيه، و بيّنها الشيخ محيي الدين في أول شرح مسلم.
و ما يقوله الناس: إنّ من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضا من التجاهل و التساهل ... فقد روى مسلم في كتابه عن الليث ...» إلى آخر ما ذكره من الأمثلة لما قاله، بعبارات تشبه عبارات الأدفوي ... (10).
7- الشيخ عبد العلي الأنصاري الهندي: و هذا كلامه مازجا بالمتن: « (فرع: ابن الصلاح و طائفة) من الملقّبين بأهل الحديث (زعموا أنّ رواية الشيخين) محمد بن إسماعيل (البخاري و مسلم) بن الحجّاج صاحبي الصحيحين (تفيد العلم النظري، للإجماع على أنّ للصحيحين مزيّة) على غيرهما، و تلقّت الامّة بقبولهما، و الإجماع قطعي. و هذا بهت، فإنّ من رجع إلى وجدانه يعلم بالضرورة أنّ مجرّد روايتها لا يوجب اليقين البتّة، و قد روي فيهما أخبار متناقضة ...»(11).
8- المقبلي(12) في كتابه (العلم الشامخ): «في رجال الصحيحين من صرّح كثير من الأئمّة بجرحهم، و تكلّم فيهم من تكلّم بالكلام الشديد، و إن كان لا يلزمهما إلّا العمل باجتهادهما»(13).
9- قال السيّد محمد رشيد رضا: «ممّا لا شكّ فيه أيضا أنّه يوجد في غيرهما من دواوين السنّة أحاديث أصحّ من بعض ما فيهما ... ولا يخلو (البخاري) من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع، كحديث سحر بعضهم للنبي(ص) الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصّاص من المفسّرين المتقدّمين و الاستاذ الإمام محمد عبده من المتأخّرين، لأنّه معارض بقوله تعالى: «إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً* انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا»(14)
10- الشيخ محمود أبو ريّة ... فإنّه انتقد الصحيحين انتقادا علميا، و استشهد في بحثه بكلمات العلماء من المتقدّمين والمتأخّرين ... (15)
11- الدكتور أحمد أمين- حول البخاري-: «إنّ بعض الرجال الّذين روى لهم غير ثقات، و قد ضعّف الحفّاظ من رجال البخاري نحو الثمانين، و في الواقع هذه مشكلة المشاكل ...»(16).
12- الأمير شكيب أرسلان: «إنّ كثيرين من المسلمين و من ذوي الحميّة الإسلاميّة و ممّن لا ينقصهم شيء من الإيمان و الإيقان ... لا يرون من الواجب الديني الإيمان بكلّ ما جاء في الصحيحين و غيرهما من الأحاديث، لاحتمال أن يكون تطرّق إليها التبديل و التغيير أو دخلها الزيادة و النقصان ...».(17)
13- الشيخ أحمد محمد شاكر: «قد وقع في الصحيحين أحاديث كثيرة من رواية بعض المدلّسين»(18).
و ...
و الحاصل: إنّ دعوى تلقّي العامّة أحاديث الصحيحين بالقبول و قيام الإجماع على صحّتها، لا أساس لها من الصحّة (19).
لا يوجد تعليق