مراسم خطبة العقد
 
هذه المراسم هی الاُخرى غالباً ما تقترن بالتشریفات الکثیرة، وتتخللها أحیاناً مختلف الآثام، إلاّ أنها أقل حدّة مقارنة بحفل لیل الزفاف (حفلة العرس).
ولکن تشاهد فی هذه المراسم جوانب رائعة فی تطبیق الشریعة الإسلامیة من قبیل : إلقاء خطبة تشتمل على الآیات القرآنیة وروایات المعصومین (علیهم السلام) بشأن أهمیّة الزواج وما ینطوی علیه من قیم ومثل وتفصح عن وظیفة الکبار إزاء هذا الأمر الحیوی; أو اتباع سنّة حسنة کجلوس العروس على سجادة الصلاة مستقبلة القبلة وبین یدیها القرآن کدلالة على الإیمان والورع والتقوى، والمرآة ووعاء الشمع الذی یرمز إلى الطهر والوضوح وسلسلة من الأعمال البسیطة التقلیدیة الاُخرى التی ربّما یکون المشاهد لها أعرف بها من الکاتب، وکلّ هذه الاُمور بمحلها رائعة وحسنة. إلاّ أنّه من غیر المقبول بل غیر الجائز شرعاً أن ترتدی النساء والفتیات الثیاب الکاشفة عن المفاتن والتحلی بأنواع الزینة والتعطر أمام الرجال والشبّان من غیر المحارم ممّا یؤدی ذلک إلى مفاسد اجتماعیة.
وهناک ظاهرة سیئة فی أغلب حفلات العرس حیث یأتی المصوّرون لتصویر حفلة العرس على جهاز الفیدیو والتی تتخللها الرقصات والغناء واطلاق الکلمات غیر الملتزمة بین الفتیان والفتیات والرجال والنساء ممّا یجعل هذه المراسیم تغص بالذنب والمعصیة والتمرد على الله فیفیضون الخلود على آثامهم.
* * *
وما أحرانا أن ندع الخوض فی الفضائع وننطلق صوب الأسرة النموذجیة والتی تتفرد بما یتصف به جمیع الصلحاء.
ونشرع بخطب عقد سیّدة نساء العالمین فاطمة الزهراء (علیها السلام); خطبة الله تعالى وخطبة رسول الله (صلى الله علیه وآله) وخطبة علی (علیه السلام) وهی خطبة ذات معنى وعبرة.
کانت الخطبة الأولى لله تعالى فی عقد الزهراء(علیها السلام):
«الحمد ردائی والعظمة کبریائی والخلق کلّهم عبیدی وإمائی، زوّجت فاطمة أَمتی من علیٍّ صفوتی، إشهدوا ملائکتی».
فالعبارات الاُولى لهذه الخطبة تمرغ أنوف المستکبرین والمغرورین بالتراب وأن العظمة مختصة بالله، وتعتبر العبارات التالیة الحدّ الأخیر للإنسانیة وهی العبودیة لله تعالى.
ثمّ تصف المفخرة العظمى لفاطمة (علیها السلام) بالعبودیة للحقّ وافتخار علی (علیه السلام)کونه صفوة الله من عباده.
ثمّ عقد الله تعالى بولایته المطلقة عقد زواج هاتین الشخصیتین اللتین أخلصتا العبودیة لله و کانتا قدوة لجمیع المسلمین وأشهد على ذلک جمیع ملائکته المقربین.
والخطبة الثانیة للنبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) خطبها طبقاً للروایات بعد ذلک بأربعین یوماً (ومدّة الأربعین لها مغزى سواء کانت لمراعاة جانب الأدب أو رمز التکامل).
وخطبته (صلى الله علیه وآله) :
«الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع فی سلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إلیه فیما عنده، النافذ أمره فی أرضه وسمائه، الذی خلق الخلق بقدرته ومیزهم بأحکامه، وأعزهم بدینه وأکرمهم بنبیه محمّد. ثمّ إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً، وشجّ بها الأرحام وألزمها الأنام، فقال تبارک اسمه وتعالى جدّه : (هو الذی خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وکان ربّک قدیراً...) ثمّ إنّی أشهدکم إنّی قد زوّجت فاطمة من علی على أربعمائة مثقال فضة...»(1).
ففی هذه الخطبة وضمن عدّ الاُمور الدقیقة والظریفة لمعارف التوحید وصفات الله الجمالیة والجلالیة وأفعاله التی تشکل الدعامة الأصلیة لاعتماد وثقة الأسرة، إشارة إلى الخلق العجیب للإنسان من ماء (نطفة) واتساع نسله عن طریق النسب والزواج وخاضت فی أهمیّة مسألة الزواج لتعتبره وسیلة مفروضة وواجبة، وبالتالی خاضت فی إجراء عقد سیّدة النساء على عظیم عالم الإنسانیة.
وأما بشأن خطبة أمیرالمؤمنین (علیه السلام)، فقد قال له النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)قم یا علی واخطب لنفسک. فقال (علیه السلام) :
«الحمد لله الذی قرب من حامدیه ودنا من سائلیه، ووعد الجنّة من یتقیه، وأنذر بالنار من یعصیه، نحمده على قدیم إحسانه وأیادیه، حمد من یعلم أنّه خالقه وباریه، وممیته ومحییه، ومسائله عن مساویه، ونستعینه ونستهدیه، ونؤمن به ونستکفیه، نشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له شهادة تبلغه وترضیه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلاة تزلفه وتحظیه، وترفعه وتصطفیه، والنکاح ممّا أمر الله به ویرضاه، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فیه، وهذا رسول الله زوّجنی ابنته فاطمة على خمسمائة درهم قد رضیت فاسألوه واشهدوا»(2).

(1). بحار الأنوار ، ج 22، ص 119، العبارة 400 مثقال فضة التی وردت فی هذه الروایة شاذة وربّما خطأ الرواة فالمعروف 500 درهم وهذا غیر المهر الذی دفع من مال الدرع.
(2). بحار الأنوار ، ج 43، ص 112.