مقالات المطلب 4

رمى الجمرات في بحث جديد

رمى الجمرات

 

 

 

في بحث جديد

 

 

لجنة المعارف و التحقيقات الاسلامية

 

 

 

المقدمة:

إنّ المتاعب العظيمة والمخاطر الجليلة عند رمي الجمرات أدّت في أکثر الأوقات إلى وقوع ضحايا بين الحجّاج الکرام، ولهذا الأمر أسبابه الکثيرة، التي منها الفتاوى التي تلزم الحاجّ بأنّ يتيقّن إصابة الاسطوانة نفسها، وقد فتحت مجلّتنا باباً لمعرفة وجهات نظر فقهائنا العظام حول هذه المسألة.

 

* * *

من مشاکل الحجّاج المهمّة مسألة رمي الجمرات، خاصّة يوم عيد الأضحى، عندما تتوجّه جموع الحجّاج الغفيرة وتندفع بقوّة وبزحام شديد، فسبّب هذاخاصّة في السنوات الأخيرة ـ خسائر کبيرة في الأرواح، فجرح وقُتل حول الجمرات کثيرون، وطالما أُصيبت الرؤوس والوجوه والعيون!

إنّ جُلّ هذه الخسائر کان منشؤه تصوّر عامّة الناس ـ اتّباعاً للفتاوى ـ أنّ الواجب في رمي الجمرات هو أن يصيب الحصى العمود الخاصّ، في حين لا يتوفّر دليل واضح على ذلک، بل إنّ لدينا أدلّة مخالفة تشير إلى الاکتفاء بأن يُرمى الحصى على الجمرة، وأن يقع في الدائرة التي تتجمّع فيها الحصيات. والواقع أنّ «الجمرة» هي «مجتمـع الحصى»، وليست هي الأعمدة!

وقد اُعدّت هذه الرسالة لتبيّن الأدلّة العلمية لهذه المسألة، ولتکون مورد اطّلاع من قبل فقهاء المسلمين، وليعلم الجميع أنّ هذه الأعمدة لم يکن لها وجود في عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا في عصور الأئمّة(عليهم السلام)، بل إنّها معالم وُضِعت بعدئذ في مواضع الجمرات، وقد تُنصب فوقها مصابيح من أجل الذين يضطرّون إلى الرمي ليلاً. ونرجو من القرّاء الأعزّاء کافّة ألاّ يتعجّلوا في الحکم على هذه الرسالة قبل الانتهاء من مطالعتها کلّها.

 

ما هي الجَمرة؟

إنّ أصل وجوب رمي الجمرات ـ بوصفه من مناسک الحجّ ـ من مسلّمات أحکام الحجّ وضروريّاته، وهو ممّا اتّفقت عليه آراء جميع علماء الإسلام، ولکنّ المسألة المهمّة في باب رمي الجمرات أن نتعرّف على معنى الجمرة، التي يجب أن نرميها بالحصى، فهل الجمرة هي الأعمدة، التي نقذفها اليوم بالحصى، أو هي قطعة الأرض المحيطة بالأعمدة، أو هي کلاهما، وبالتالي يکفي رمي أحدهما بالحصى؟

إنّ الکثير من الفقهاء سکتوا عن بيان هذا المطلب، بَيْدَ أنّ فريقاً منهم عبّروا بتعابير تشير بوضوح إلى أنّ «الجمرة» هي الأرض المحيطة بالأعمدة، أي قطعة الأرض، التي يتجمّع فيها الحصى عند رميه.

وفي کتب اللغويّين وأحاديث المعصومين(عليهم السلام) أيضاً إشارات حاکية لهذا المعنى، بل إنّ القرائن تدلّ على أنّ موضع الجمرات لم يکن فيه عمود إبّان عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي أيّام الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، وکان الحجيج يرمون حصياتهم على قطعة الأرض، حيث يتجمّع الحصى، ومن هنا قيل لها جمرة، أي «مُجتمع الحصى». وللوصول إلى هذه الحقيقة نمضي أوّلاً إلى عبارات فقهاء أهل السنّة والشيعة، ثمّ إلى کلام اللغويّين، لنبحث بعدئذ في روايات هذا الباب.

 

عبارات فريق من فقهاء أهل السنّة في معنى الجمرة

أشرنا من قبل إلى أنّ کثيراً من الفقهاء، قد التزموا الصمت إزاء معنى الجمرة; لکنّ فريقاً منهم لهم تعابير تدلّ على أنّ الجمرة هي الأرض المحيطة بالأعمدة، ونورد هنا أقوالاً من أربعة عشر کتاباً (سبعة کتب لفقهاء أهل السنّة، وسبعة کتب لفقهاء الشيعة) تشير إلى أنّ الجمرة في تلک العصور هي قطعة الأرض التي تُرمى بالحصى، وتعابير بعض فقهاء أهل السنّة شاهدة على أنّه ما کان في عصرهم وجود لعمود وأنّ الجمرة هي قطعة الأرض التي تقذف بالحصى.

1 ـ يقول الشافعي أحد أئمّة أهل السنّة الأربعة:

«فإنْ رمى بحصاة فأصابت إنساناً أو محملاً، ثمّ استنت حتّى أصابت موضع الحصى من الجمرة أجزأت عنه»(1).

وهنا نرى بجلاء أنّه يتحدّث عن مسألة تدحرج الحصاة على الأرض وإصابتها موضع الحصى، ويرى ذلک مُجزياً. وفي هذا دلالة على عدم وجود عمود.

2 ـ وفي هذا السياق يقول أحد أئمّة أهل السنّة المعروفين:

«وإن وقعت في موضع حصى الجمرة، وإن لم تبلغ الرأس أجزأ»(2).

ومن البيّن أنّ المراد بـ «الرأس»: رأس الحصى، أي أعلاه.

3 ـ يقول محيي الدِّين النّوَوي من فقهاء العامّة في کتاب «روضة الطالبين»:

«ولا يُشترط کونُ الرامي خارج الجمرة، فلو وقف في الطرف ورمى إلى الطرف الآخر جاز»(3).

وهذا التعبير يدلّ بوضوح على أنّ الجمرة هي الدائرة التي يُرمى فيها الحصى، ولا يرى من اللاّزم أن يقف المرء خارج هذه الدائرة، بل يجزيه أن يقف في طرف من الدائرة ويرمي الحصاة إلى الطرف الآخر.

4 ـ ويقول النَّووي أيضاً في کتابه الآخر «المجموع»:

«والمراد (من الجمرة) مجتمع الحصى في موضعه المعروف، وهو الذي کان في زمان رسول الله(صلى الله عليه وآله)... ولو نُحّي من موضعه الشرعي، ورمى إلى «نفس الأرض» أجزأ; لأنّه رمى في موضع الرمي. هذا الذي ذکرته هو المشهور، وهو الثواب»(4).

إنّ هذه العبارات تصرّح تصريحاً جليّاً أنّ الجمرة هي هذه القطعة من الأرض، حتّى أنّها تدّعي الشهرة وتقول: إنّها هي التي کانت على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

5 ـ يقول شهاب الدِّين أحمد بن إدريس، وهو فقيه آخر من فقهاء العامّة:

«فإنْ رمى بحصاة... وقعت دون الجمرة وتدحرجَت إليها، أجزأ»(5).

6 ـ جاء في کتاب «عمدة القاري في شرح صحيح البخاري»:

«والجمرة اسم لمجتمع الحصى، سُمّيت بذلک لاجتماع الناس بها»(6).

وفي هذا الکلام تصريح کذلک بأنّ الجمرة هي موضع تجمّع الحصى.

7 ـ وورد في کتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»:

«الحنابلة قالوا: ولو رمى حصاة، ووقعت خارج المرمى، ثمّ تدحرجت حتّى سقطت فيه أجزأته، وکذا إنْ رماها فوقعت على ثوب إنسان فسقطت في المرمى»(7).

 

عبارات فريق من فقهاء الشيعة في معنى الجمرة

1 ـ يقول السيّد أبو المکارم بن زُهرة في کتاب «الغُنية»:

«وإذا رمى حصاة، فوقعت في محمل، أو على ظهر بعير، ثمّ سقطت على الأرض أجزأت... کلّ ذلک بدليل الإجماع المشار إليه»(8).

2 ـ يقول العلاّمة الحلّي في کتاب «منتهى المطلب»:

«إذا رمى بحصاة فوقع على الأرض، ثمّ مرّت على سَنَنها(9)، أو أصابت شيئاً صُلباً کالمحمل وشبهه، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلک أجزأه; لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه»(10).

يومئ هذا التعبير إلى أنّ موضع الرمي کان منخفضاً قليلاً، فإذا ما وقعت قربه حصاة وتدحرجت حتّى سقطت فيه کان مجزياً. وهذا دليل على أنّه لم يکن في هذا الموضع عمود بعنوان «مرمى».

3 ـ جاء في کتاب فقه الرضا:

«فإنْ رَميتَ ووقَعَت في مَحمِل، وانحدَرَت منه إلى الأرض أجزأ عنک». وفي ذيله عن بعض النسخ: «وإنْ أصابت إنساناً أو جملاً، ثمّ وقعت على الأرض أجزأه»(11).

وسواء أکان فقه الرضا مجموعة روايات أم کتاباً فقهيّاً لأحد القدماء، (والواقع أنّ قرائن کثيرة في فقه الرضا تشير إلى أنّ هذا الکتاب کتاب فقهيّ لأحد کبار قدمائنا) فإنّ العبارة السابقة شاهد حيّ على مدّعانا أنّ الجمرات لم تکن أعمدة، بل کانت ذلک الجزء من الأرض.

4 ـ يقول العلاّمة في «التذکرة»:

«ولو رمى بحصاة، فوقعت على الأرض، ثمّ مرّت على سنَنَها أو أصابت شيئاً صُلباً کالمحمل وشبهه، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلک أجزأه; لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه... وأمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها، فوقعت في المرمى، فإنّه لا يجزئه»(12).

لقد وردت في هذه العبارات تعبيرات مختلفة، بعضها صريح (مثل: وقعت على الأرض) وبعضها ظاهرة في المدّعى (مثل: وقعت في المرمى)، وهي تدلّ على أنّ المرمى هو الموضع من الأرض.

5 ـ يقول الشيخ الجليل الطوسي في کتابه القيّم «المبسوط»:

«فإنْ وقعت على مکان أعلى من الجمرة وتدحرجت إليها أجزأه»(13).

6 ـ يقول يحيى بن سعيد الحلّي في کتاب «الجامع للشرائع»:

«واجعل الجِمار على يمينک، ولا تقف على الجمرة»(14).

إذا کانت الجمرة العمود الخاصّ، فلا معنى للوقوف عليه; ذلک أنّ أحداً لا يقف على العمود. وهذا يدلّ على أنّ الجمرة هي الموضع من الأرض، الذي يتجمّع فيه الحصى، والذي يوقَف خارجه للرمي لا عليه.

7 ـ وصاحب الجواهر ممّن عنُوا بمعنى الجمرة، فأورد احتمالات عديدة. ويدلّ کلامه في آخر البحث على إجزاء رمي الحصى في موضع الجمرات، يقول:

«ثمّ المراد من الجمرة البناء المخصوص، أو موضعه إن لم يکن، کما في کشف اللثام. وسمّي بذلک لرميه بالحجارة الصغار المسمّـاة بالجِمار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصاة عندها... وفي الدروس: أنّها اسم لموضع الرمي، وهو البناء أو موضعه ممّا يجتمع من الحصى. وقيل: هي مجتمع الحصى لا السائل منه. وصرّح عليّ بن بابويه بأنّه الأرض، ولا يخفى عليک ما فيه من الإجمال.

وفي المدارک ـ بعد حکاية ذلک عنه ـ قال: «وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده; لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة، ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه، أمّا مع زواله فالظاهر الاکتفاء بإصابة موضعه». وإليه يرجع ما سمعته من الدروس وکشف اللثام، إلاّ أنّه لا تقييد في الأوّل بالزوال، ولعلّه الوجه لاستبعاد توقّف الصدق عليه»(15).

من کلام صاحب الجواهر هذا، يمکن استخلاص نقطتين:

الاُولى: أنّه نفسه يميل إلى إجزاء کلٍّ من إصابة الأعمدة والأرض. وهذا يتوافق ومقصودنا من کفاية رمي الحصى في النُّقرة المحيطة بالعمود.

الثانية: يُفهم ممّا أورده عن صاحب المدارک أنّه يتمسّک لإصابة الحصى العمودَ بشيئين، أحدهما: أصل الاشتغال والاحتياط، والآخر أنّ المعروف من لفظ الجمرة في عصره هو العمود، ولکنْ کِلا الدليلين غير مُقنع، ذلک أنّ وجود الأعمدة في عصره، لا يعني وجودها في عصر المعصومين(عليهم السلام)، وتقتضي قاعدة الاحتياط هنا إصابة العمود، ووقوع الحصاة في موضع اجتماع الحصى. وبناءً على هذا لايجزئ أن يصيب کثير من الحصى العمودَ ثمّ ينزلق خارجاً، وهذا يولِّد مشکلة کبيرة أُخرى للحجّاج في مراعاة أن يصيب الحجرُ الموضعين، إضافةً إلى أنّ الرجوع إلى أصل الاحتياط إنّما يکون إذا لم يکن لدينا دليل على وجوب الرمي في مجتمع الحصى، في حين لدينا على هذا دليل کاف; ولا دليل لدينا على أنّ المراد من رمي الجمرات هو الأعمدة، بل إنّ الشواهد تبيّن بوضوح أنّ الأعمدة لم يکن لها في العصور السابقة من وجود، ولم يکن إلاّ هذا الموضع الذي تجتمع فيه الحصى.

إنّ هذه الفتاوى التي أوردنا نماذج متعدّدة منها إنّما تنادي بأعلى صوتها قائلة: إنّ الجمرة لم تکن على شکل عمود، بل کانت هذه النُّقرة هي التي يُرمى فيها الحصى.

ويُلاحظ في کلام مشاهير فقهاء العامّة والخاصّة وفرة تعابير مثل «على الجمرة» و«في الجمرة» و«في المرمى» ممّا يطول نقله. وفي هذه التعابير ما يؤيّد تأييداً جليّاً أنّ الجمرة لم تکن بمعنى العمود، کما صار في العصور المتأخّرة، بل إنّها هذه القطعة من الأرض التي يُرمى فيها الحصى، ذلک أنّ تعبير «في الجمرة» أو «على الجمرة» إنّما يناسب قطعة الأرض هذه، لا الأعمدة (فلاحِظ).

 

تذکرتان لازمتان

1 ـ يبدو أنّ بناء العمود الحاضر لم يکن له وجود مطلقاً في زمان قدماء الأصحاب; فإنّ عبارة «المبسوط»(16) تدلّ بوضوح على عدم وجوده. وما لدينا من کلام يحيى بن سعيد الحلّي في «الجامع للشرائع» يشهد أيضاً لهذا المعنى بجلاء، فإنّه يقول: «ولا تقف على الجمرة»(17).

ومن المتيقّن أن لو کانت الجمرة عموداً، لکان الوقوف عليه أمراً مضحکاً، بل إنّ المراد أن لا تقف على طرف النُّقرة أو على مجتمع الحصى; ذلک أنّ بعض الفقهاء يَرَون أنّه يمکن الوقوف في طرف منها ورمي الطرف الآخر، لکنّ بعضهم يَرَون هذا غير جائز.

ويستفاد من کلام صاحب «المدارک» أيضاً أنّه لم يکن يعتقد اعتقاداً قطعيّاً بوجود الأعمدة في الأزمنة السابقة، فإنّه يقول:

«وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده، لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة، ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه، أمّا مع زواله فالظاهر الاکتفاء بإصابة موضعه»(18)

 

ولعلّه أوّل من أفتى بهذه الفتوى.

وفي کلام بعض فقهاء السنّة أو الزيديّة (أي المتأخّرين منهم) إشارة کذلک إلى وجود العمود في زمانهم. منهم الإمام أحمد المرتضى من فقهاء الزيدية في القرن التاسع، الذي أشارت عبارة له إلى وجود العمود في زمانه، لکنّ الطريف أنّه يصرّح بأنّ بعض الفقهاء قالوا: لا يجزئ رمي الأعمدة بالحجر، ويجب أن يصيب موضع الجمرة (مجتمع الحصى). وهذه عبارته:

«فإنْ قَصَد إصابة البناء فقيل لا يجزي; لأنّه لم يقصد المرمى. والمرمى هو القرار لا البناء المنصوب»(19).

أجَل، إنّنا کلّما بحثنا في کلام فقهاء الشيعة والسنّة تأکّد وصولنا إلى هذه النتيجة، وهي أنّ موضع الرمي هو قطعة الأرض، وإنّما بُني العمود بعدئذ ليکون علامة.

2 ـ من اللاّزم الالتفات إلى هذه النقطة أيضاً، وهي أنّ طائفة من متأخّري الفقهاء يَعدّون رمي الموضع مجزياً، منهم الشهيد الأوّل في کتاب الدروس، حيث يقول:

«والجمرة اسم لموضع الرمي، وهو البناء أو موضعه ممّا يستجمع من الحصى. وقيل: هي مجتمع الحصى لا السائل منه. وصرّح عليّ بن بابويه بأنّه الأرض»(20).

ومنهم الفاضل الاصفهاني في کشف اللثام حيث يقول في تفسير «الجمرة»:

«هي المِيل المبنيّ، أو موضعه»(21).

ويقول الشهيد الثاني کذلک في شرح اللمعة لدى تعريفه الجمرة:

«وهي البناء المخصوص أو موضعه وما حوله ممّا يجتمع من الحصى، کذا عرّفه المصنّف في الدروس، وقيل: هي مجمع الحصى... وقيل: هي الأرض»(22).

وقد قرأنا في الأبحاث السابقة ما ورد في آخر کلام صاحب الجواهر أنّ هذا الفقيه الماهر کان يميل إلى إجزاء إصابة کلٍّ من الاثنين (الموضع والبناء)(23).

 

الجمرات في کتب اللغويّين

ذکرت النصوص اللغوية المعروفة المشهورة أربعة معان للجمرة:

1 ـ الجمرة في الأصل بمعنى اجتماع القبيلة، وسمّيت الجمرات بهذا; لأنّها موضع اجتماع الحصى.

2 ـ الجمرة بمعنى الحصاة، وقيل للجمرات جمرات; لأنّها موضع الحصى.

3 ـ الجمرة من «الجِمار» بمعنى «سرعة الابتعاد»; لأنّ آدم(عليه السلام)لمّا وجد إبليس في هذا الموضع رماه بحجر، فأسرع الشيطان بالابتعاد.

4 ـ الجمرة بمعنى القطعة الملتهبة من النار (وربّما هي إشارة إلى القطع الصغيرة التي تنقذف أحياناً من بين شعلة النار شبيهة بالحَصيات).

ونضع الآن أمام القرّاء الأعزّاء طرفاً من کلام اللغويّين:

أ ـ نقرأ في «المصباح المنير» للفيّومي المتوفّى سنة 770هـ :

«کلّ شيء جمعته فقد جمّرته. ومنه الجمرة، وهي مجتمع الحصى بمنى; فکلّ کومة من الحصى جمرة، والجمع جَمَرات».

ب ـ يقول الطريحي (المتوفّى سنة 1087هـ) في «مجمع البحرين»:

«الجمرات مجتمع الحصى بمنى; فکلّ کومة من الحصى جمرة، والجمع جمرات، وجمرات منى ثلاث».

«والجمرة اجتماع القبيلة الواحدة... ومن هذا قيل لمواضع الجمار التي تُرمى بمنى: جمرات; لأنّ کلّ مجمع حصى منها جمرة، وهي ثلاث جمرات».

د ـ يقول ابن الأثير (المتوفّى سنة 606هـ ) في «النهاية»:

«الجمار هي الأحجار الصغار، ومنه سمّيت جمار الحجّ للحصى التي يُرمى بها. وأمّا موضع الجمار بمنى فسمّي جمرة لأنّها تُرمى بالجمار. وقيل: لأنّها مجمع الحصى التي يُرمى بها».

هـ ـ يقول الزبيدي (المتوفّى سنة 1205هـ ) في «تاج العروس في شرح القاموس»:

«وجمار المناسک وجمراتها: الحصيات التي يُرمى بها في مکّة... وموضع الجمار بمنى سمّي جمرة لأنّها تُرمى بالجمار، وقيل: لأنّها مجمع الحصى».

يستفاد من مُجمل الکلام السابق، ومن عبارات طائفة أخرى من اللغويّين أنّ الجمرات إنّما سمّيت الجمرات; لأنّها موضع اجتماع الحصى، أو لاجتماع الجِمار فيها. ولم يعتبروا الجمرة بمعنى العمود کما رأينا، بل بمعنى الأرض التي يجتمع فيها الحصى.

وهذه العبارات والکلمات ـ إضافةً إلى دلالتها على أنّ العمود لم يکن مبنيّاً في عصور کثير منهم ـ تدلّ على أنّ مجتمع الحصى هو الوجه في تسمية الجمرات وفي جذرها اللغويّ.

ومن اللاّزم هنا التذکير أنّ «الجمرات» يقيناً ليست من الألفاظ التي لها حقيقة شرعية أو متشرّعة، وعلى هذا ينبغي الرجوع في فهم معناها إلى کتب اللغة، وأنّ إطلاقها على المواضع الثلاثة، إنّما هو من قبيل إطلاق الکلّي على الفرد، ثمّ صارت هذه الکلمة بالتدريج علماً لهذه المواضع.

 

متى بُنيَت هذه الأعمدة؟

إنّه سؤال مهمّ قلّما أُجيب عنه، وربّما لم يمکن العثور على جواب دقيق عنه. ولکنّ القرائن الکثيرة، التي تستفاد من کلمات فقهاء الشيعة والسنّة، وکذلک من کلام اللغويّين، تشير إلى أنّ هذه الأعمدة لم تکن موجودة في عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأئمّة(عليهم السلام)وقدماء الأصحاب، ثمّ وُجِدت في العصور التالية. ويُحتمل احتمالاً قويّاً أنّ بناءها من أجل أن تکون علامة على هذا الموضع، ثمّ تُصوِّر بالتدريج أنّ الأعمدة هي التي تُرمى، وراح هذا التصوّر يقوى بمرور الزمان.

وقد جاء في کلمات کثير من الفقهاء ـ کما رأينا في البحوث المتقدّمة ـ أنّ الرمي يجب أن يکون للأرض، وفي العصور المتأخِّرة، قال بعضهم بالتخيير بين رمي العمود ورمي الأرض، حتّى وصل الأمر ببعضهم أن جعل رمي العمود هو المتعيّن!

 

شهادة الروايات

لقد وردت روايات رمي الجمرات في کتاب «وسائل الشيعة» على قسمين:

الأوّل: في أبواب «رمي جمرة العقبة»، إذ ذُکرت في ضمن سبعة عشر باباً روايات وفيرة حول أحکام الجمرات، ولکن لا نجد في أيّ منها تفسيراً وتوضيحاً للجمرة، وهل هي العمود، أم مجتمع الحصى؟

ثمّ ذُکرت من جديد أحاديث أخرى کثيرة بعد أبواب الذبح والتقصير، تحت عنوان «أبواب العَود إلى منى ورمي الجمار...» تتحدّث في ضمن سبعة أبواب عن رمي الجمرات الثلاث بعنوان أعمال اليوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجّة، ولا نجد في أيّ من هذه الروايات أيضاً کلاماً حول تفسير الجمرات.

ولکنّ الدراسة الدقيقة لمجموع هذه الأبواب الأربعة والعشرين قد بيّنت أنّ في روايات متعدّدة منها إشارات ذات دلالة على ما ذهبنا إليه من کون الجمرة هي موضع الحصى.

لاحظوا هذه الروايات السبع:

1 ـ نقرأ في حديث معتبر عن معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال:

«فإنْ رَمَيتَ بِحَصاة فَوَقَعَتْ في مَحمِل فأعِدْ مکانَها، وإنْ أصابت إنساناً أو جَمَلاً ثمّ وَقَعتْ على الجِمارِ أجزأک»(24).

وتعبير «على الجمار» يشير إلى أنّ الجمرة هي قطعة الأرض التي تقع فيها الحصيات. ولنتذکَّر هنا أنّ کثيراً من أرباب اللغة قد فسّروا «الجمار» بصغار الأحجار.

منهم ابن الأثير في «النهاية» حيث يقول: «الجمار هي الأحجار الصغار».

ويقول الفيّومي في «المصباح المنير»: «والجمار هي الحجارة».

ويقول ابن منظور في «لسان العرب»: «الجمرات والجِمار الحصيات التي ترمي بها في مکّة».

وبناءً على هذا، فإنّ وقوع الحجر على الجمار يعني وقوعه على الحصى، وهذا مُجز طبق الروايات.

إضافةً إلى هذا أنّ الحجر الذي يقع على بدن الإنسان، أو على جمل ليست له في رجوعه القوّة الکافية، لأن تجعله يصيب الأعمدة (على فرض وجودها)، وأکثر ما يمکن أنّه يقع على الحصى.

2 ـ نقرأ في حديث البزنطي (أحمد بن محمّد بن أبي نصر) عن أبي الحسن (عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)):

«واجْعَلْهُنَّ عَلَى يَمينِکَ کُلَّهُنَّ، ولا تَرْمِ عَلى الجَمْرَةَ»(25).

وهذا الحديث يدلّ دلالة بيِّنة على أنّ الجمرة هي موضع الحصى، ذلک أنّ بعضهم يقف على جانب منه ويرمي الجانب الآخر. والإمام(عليه السلام)ينهى عن هذا العمل، وإلاّ فإنّ أحداً لا يقف على العمود عند رمي الجمرة.

وقد مرّ بنا هذا المعنى أيضاً لدى ذکر کلام فقهاء العامّة في البحث السابق، حيث يقول بعضهم: لا يجوز الوقوف على الجمرة.

3 ـ نقرأ في حديث معتبر آخر، عن معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال:

«خُذْ حَصَى الجِمارِ ثمّ ائْتِ الجَمْرَةَ القُصوى التي عندَ العَقَبَة فارْمِها مِن قِبَلِ وَجهِها، ولا تَرْمِها مِن أعلاها»(26).

يدلّ هذا التعبير وتعابير الفقهاء على أنّ جمرة العقبة قطعة أرض أحد جانبيها أعلى من الآخر، وبعبارة أُخرى أنّ أحد جانبيها واد، وجانبها الآخر تلّة. وقد أُمِر أن يُرمى من جانب الوادي الذي هو في الواقع مستدبر لمکّة لا من جانب التلّة (لأنّه يستفاد من روايات أخرى أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلک).

وإذا کانت الجمرة بمعنى العمود فإنّ جملة «ولاَ تَرْمِها مِنْ أعلاها» تکون بلا معنى; لأنّ أحداً لايصعد إلى أعلى العمود للرمي.

4 ـ جاء في کتاب فقه الرضا(عليه السلام):

«وإن رَمَيتَ ودَفَعتَ في مَحمِل وانحَدَرتْ منهُ إلى الأرض أجزأتْ عنک».

وفي نسخة أُخرى: «إنْ أصابَ إنساناً ثمَّ أو جَمَلاً ثُمّ وقَعَت على الأرض أجزأه»(27).

ومن الواضح جليّاً أنّ المراد بهذه العبارة التدحرج والوقوع في أرض موضع الرمي، وعلى هذا لا يبدو موجّهاً إشکال صاحب الجواهر حين قال: «والحديث مبهم».

5 ـ جاء في حديث آخر في فقه الرضا حول کيفيّة رمي الجمرة:

«وتَرمي مِن قِبَل وَجهِها، ولا تَرْمِها مِن أعلاها...»(28).

إذا کانت الجمرة بمعنى العمود، فلا معنى لأن يصعد عليه أحد ثمّ يرميه، إنّما مفهومه ـ بقرينة قوله: «تَرمي مِن قِبل وَجهِها ولا تَرمها مِن أعلاها» ـ هو أنّ هذه القطعة من الأرض کانت ـ کما قلنا ـ في مُنحدَر، ويستحبّ أن ترمى من جانبها الأسفل، لا من جانبها الأعلى، کما نُقل عن فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله).

سؤال: إذا قيل: ربّما کان المراد لا تَرم أعلى العمود وارمِ أسفله.. فماذا تقولون؟

نقول في الجواب:

أوّلاً: إذا کان هو المراد، فإنّ العبارة ينبغي أن تکون: «ولا تَرْمِ أعلاها» وليس «ولا تَرْمِ مِن أعلاها» (فلاحِظ).

ثانياً: أنّ المقابلة بين «تَرمي مِن قِبَل وَجهِها» و«ولا تَرْمِها مِن أعلاها» دليل واضح على أنّ المراد تلک القطعة من الأرض، التي هي منخفضة من جانب ومرتفعة من جانب آخر، أي: ارمِ من الجانب المنخفض (الوادي)، لا من الجانب المرتفع. وسواء أکان فقه الرضا حديثاً أم فتوى، فإنّه شاهدٌ حَسَن على هذا المدّعى.

6 ـ وفي کتاب «دعائم الإسلام» حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) شبيه بهذا المعنى، قال: وهذا التعبير يشير أيضاً إلى أنّ الجمرة هي قطعة الأرض، التي أحد جانبيها أکثر ارتفاعاً. وفي هذه الرواية نهي عن الرمي من هذا الجانب، وإلاّ فإنّ أحداً لايقف على العمود.

7 ـ في سنن البيهقي عن عبدالله بن يزيد أنّه قال: کنت مع عبدالله بن مسعود، فأتى جمرة العقبة فاستبطَنَ الوادي فرماها من بطن الوادي، فقلت له:

«الناس يرمونها من فوقها»، فقال: هذا ـ والذي لاإله غيره ـ مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة(29). يعني أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) رماها من أسفلها، وما وقف في أعلى الجمرة.

وثمّة حديث ربّما يُظنّ أنّه يشير إلى وجود عمود للجمرات:

«عن أبي غَسّان حُمَيد بن مسعود، قال: سألتُ أبا عبدالله(عليه السلام)عن رَمْي الجِمار على غير طهور، قال: الجِمار عندنا مِثل الصَّفا والمَروَةِ: حِيطان إن طُفْتَ بينهما على غير طهور لم يَضُرَّکَ، والطُّهر أحبُّ إليّ، فلا تَدَعْهُ وأنتَ قادرٌ عليه»(30).

فقد استفاد بعض الفقهاء المتأخّرين من أنّ الحيطان (جمع حائط بمعنى الجدار) تشير إلى وجود جدار هناک، وهذا الجدار من المحتمل أنّه أعمدة الجمرات.

ولکنّ هذا الاستدلال قابل للمناقشة من عدّة جهات، لأنّه:

أوّلاً: سند الحديث ضعيف، فإنّ حُميد بن مسعود من المجاهيل، وبناءً على هذا، فإنّ هذا الحديث ـ وهو خبر واحد ضعيف ـ لا يمکن أن يُثبت شيئاً، فيما کانت الروايات السابقة متظافرة، إضافةً إلى أنّ بينها حديثاً صحيحاً ومعتبراً أيضاً.

ثانياً: إذا لم يکن هذا الحديث ـ من حيث الدلالة أيضاً ـ لا يدلّ على خلاف مطلوبهم، فإنّه ليس على وفق مطلوبهم; لسببين:

1 ـ إنّ «حيطان» جمع «حائط» بمعنى جدار، يحوط شيئاً ما. وهذه الکلمة مشتقّة من مادّة «حوط» و«إحاطة»، ومن يقال للبستان المحاط بجدار: حائط.

يقول ابن منظور في «لسان العرب»: «والحائط: الجدار، لأنّه يحوط ما فيه، والجمع حيطان».

واللافت أنّ المعنى الأصلي لـ «حوط» حياطة الشيء وحفظه، ويقال للجدران التي حول الشيء حائط; لأنّه يحوطه ويحفظه.

وعلى هذا لا معنى لأن يسمّى عمود شبيه بعمود الجمرات الحالي حائطاً. وإذا کان ثمّة حائط فهو جدار شبيه الجدار الحالي لنقرة الجمرات، الذي بُني حول قطعة من الأرض مخصوصة، وليس له من ارتباط بالعمود (فلاحِظْ).

2 ـ إنّ النسبة بالصفا والمروة يعطي هنا معنىً خاصّاً، وذلک أنّ الصفا والمروة جبلان أحدهما أعلى قليلاً من الآخر، وليس حولهما حيطان. ولو کان ثمّة حائط، فما وجه ارتباطه بمسألة الوضوء حتّى قال: إنّهما (الصفا والمروة والجمرات) حيطان فلا حاجة إلى طهور؟

تصوّرنا أنّ المراد من الحديث ا لآنف الذکر أنّ الصفا والمروة ساحة عاديّة مثل الجمرات، ليس لها حکم الکعبة والمسجد الحرام حيث يجب الوضوء للطواف، ويستحبّ لدخول المسجد.

وبناءً على هذا لا دلالة في الحديث المذکور على وجود عمود في الجمرات، إذا لم يدلّ على خلاف ذلک. إضافةً إلى هذا، فإنّ هذا الحديث ـ کما قلنا سابقاً ـ حديث ضعيف لا يُثبت شيئاً.

 

نتيجة البحث الروائي

على الرغم من أنّ کلّ الروايات، التي ذکرناها فيما سبق، لم يرد فيها کلام عن ماهيّة «الجمرة»، لکن يمکن حصول الاطمئنان ـ من خلال تعابيرها ـ إلى أنّه لم يکن في هذه القطعة من الأرض المحدّدة في منى خلال عصر النبيّ(صلى الله عليه وآله)وأئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، غير موضع اجتماع الحصى، واستمرّ الوضع أيضاً على هذه الحال في زمان الفقهاء القدامى من الفريقين.

وبعبارة أخرى: لم يکن في منى عمود بعنوان الجمرة تُرمى بالحجر، بل إنّ الحجيج کانوا يرمون هذا الموضع المبنيّ الآن حول الجمرات بشکل حوض صغير بالحجر.

 

ملاحظة

يستفاد من التواريخ المعروفة، مثل تاريخ «مروج الذهب للمسعودي» و«الکامل لابن الأثير» أنّهم کانوا في الجاهلية يرجمون قبر بعض الأفراد المنبوذين الخونة.

يقول المسعودي في مروج الذهب: عندما سار أبرهة بأصحاب الفيل إلى مکّة لإخراب الکعبة... فعَدَل إلى الطائف، فبعثت معه ثَقيف بأبي رُغال; ليدلّه على الطريق السهل إلى مکّة، فهلک أبو رغال في الطريق بموضع يقال له المُغَمَّس بين الطائف ومکّة، فَرُجم قبره بعد ذلک، والعرب تتمثّل بذلک. وفي ذلک يقول جرير ابن الخطفي في الفرزدق:

إذا ماتَ الفرزدقَ فارجُموهُ کما تَرمُونَ قبرَ أبي رُغالِ

ويقول هذا المؤرّخ في رواية اُخرى: وقيل: إنّ أبا رُغال وَجَّهه صالح النبيّ على صدقات الأموال، فخالَفَ أمرَه وأساء ا لسيرة، فوثب عليه ثقيف ـ وهو قَسِّي بن منبه ـ فقتله قتلةً شنيعة... وفي ذلک يقول مسکين الدارمي:

وارجمُ قبرَهُ في کلِّ عام کرجمِ الناسِ قبرَ أبي رُغالِ(31)

ومن المحتمل أنّهما اثنان، کان أحدهما في زمن أبرهة والآخر في زمن النبيّ صالح(عليه السلام).

وينقل ابن الأثير في «الکامل» قصّة أبرهة وأبي رغال، فيقول بعد ذکر موته في «المُغمَّس»:

«فرَجَمت العربُ قبره، فهو القبر الذي يُرجَم»(32).

وجاء في سفينة البحار (مادّة; لَهَبَ) عند ذکر قصّة أبي لهب، لمّا مات أبو لهب بقي جسده ثلاثة أيّام حتّى أنتن في بيته، ثمّ دفنوه بأعلى مکّة (في طريق العمرة) وقذفوا عليه الحجارة حتّى واروه، وبعد انتشار الإسلام کان قبره يُرمى بالحجر.

يُستفاد من هذه العبارات أنّ العرب قبل الإسلام وبعده کانوا يرمون قبور المنبوذين، ولعلّه قد اُخذ من رمي الجمرات. ولم يُذکر في هذه التواريخ أنّهم قد اتّخذوا أعمدة لهذه القبور يرمونها، ولو کان للجمرات عمود في ذلک الزمان، لکان المناسب أن يکون تقليد العرب على هذه الصورة. ولا نريد أن نطرح هذا المطلب بعنوان دليل، بل إنّه يُعدّ مؤيّداً وحسب.

 

النتيجة النهائية للبحث

من مجموع ما سبق يمکن استخلاص هذه النتيجة:

1 ـ لا دليل، في نظر الفقه الإسلامي ـ شيعيّاً وسنيّاً ـ على لزوم إصابة الحصى الأعمدة، بل إنّ إجزاء رمي الأعمدة فيما لو لم تقع الحصيات في الدائرة التي تحفّ بالأعمدة، محلّ تأمّل (فلاحِظْ). والمسلّم إجزاء رمي الحصى في الدائرة المحيطة بالأعمدة.

2 ـ بناءً على ما تقدّم لا ينبغي للحجّاج المحترمين أن يشقّوا على أنفسهم متلقّين مخاطر شتّى في رمي الأعمدة، بل يمکن بسهولة ويُسر رمي الحصيات السبع الصغار في الدائرة المحيطة بالعمود، ثمّ يغادرون المکان على الفور فاسحين المجال أمام الآخرين.

3 ـ إذا أصابت الحصاة العمود ووقعت عند أسفله أجزأ، لکن لا لزوم لتحمّل هذه المشقّة.

4 ـ متى کان الرمي من الطابق الأعلى وقُذفت الحصاة في الحوض الصغير الموجود في الطابق الأعلى أجزأ; لأنّ هذه الأحواض الصغيرة العُليا قد بُنيت بشکل قمع تنزل منه الحصيات إلى الأحواض السُّفلى.

5 ـ جدير بالباحثين الإسلاميّين أن يدرسوا هذه المسألة. ومتى اتّفق علماء الشيعة الأعلام وکبار أهل السنّة على هذه المسألة بعد البحث، فإنّه ستُحلّ إن شاءالله إحدى مشکلات الحجّ الکبيرة التي تسبّب ازدحاماً متزايداً، وتؤدّي في أحيان کثيرة إلى هلاک أو جرح عدد کبير من الحجّاج الأعزّاء، وفي الوقت نفسه سيکون عملهم هذا موافقاً لأعمال رسول الله وأئمّة الهدى(عليهم السلام).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. کتاب الأمّ 2: 213، نشر مکتبة الکليّات الأزهرية، الطبعة الأولى 1381هـ.

2. المدوّنة الکبرى 1: 325، دار الفکر 1411هـ.

3. روضة الطالبين 3: 115، الطبعة الثالثة، 1412هـ.

4. المجموع 8: 175، مکتبة الإرشاد، جدّة.

5. الذخيرة 3: 276.

6. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري 10: 9.

7. الفقه على المذاهب الأربعة 1: 667.

8. الغنية، قسم الفروع، ص189.

9. السَّنَن (على وزن البَدَن) بمعنى الطريق. و«امضِ على سنَنَک» يعني امضِ في طريقک، وعلى هذا يکون معنى الجملة: وقعت الحصاة على الأرض ومضت في طريقها وسقطت في الجمرة.

10. منتهى المطلب 2: 731، الطبعة القديمة.

11. مستدرک الوسائل، ج10، أبواب رمي جمرة العقبة، باب6، حديث 1.

12. التذکرة 8: 221.

13. المبسوط 1: 369 و370.

14. الجامع للشرائع: 210.

15. جواهر الکلام 19: 106.

16. المبسوط 1 : 369 ـ 370 .

17. الجامع للشرائع: 210.

18. المدارک 8: 9.

19. شرح الأزهار 2: 122.

20. الدروس 1: 428، الطبعة الجديدة.

21. کشف اللثام 6: 114.

22. شرح اللمعة.

23. مصدر سابق.

24. الوسائل، ج10، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 6، حديث 1.

25.  الوسائل، ج10، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 10، حديث 3.

26. الوسائل، ج10، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 3، حديث 1.

27. المستدرک، ج10، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 6، حديث 1. وفي المصدر: وإن رميت ودفعت.

28. المستدرک، ج10، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 3، ح1.

29. السنن الکبرى للبيهقي 5: 129.

30. الوسائل، ج10، أبواب رمي جمرة العقبة، باب 2، حديث 5.

31. مروج الذهب 2: 78، ذکر اليمن وملوکها.

32. الکامل في التاريخ 1: 284، ذکر أمر الفيل.

الغارة علي بيت الوحي

 

الغارة

 

على بيت الوحي

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

صدرت في الآونة الأخيرة مقالة لکاتب غير ملم بتاريخ الاسلام الصحيح يقطن منطقة سيستان وبلوجستان في شأن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت عنوان «اسطورة شهادة فاطمة الزهراء(عليها السلام)».

وبعد أن ذکر في هذه المقالة مناقب و فضائل لسيدة نساء العالمين(عليها السلام)، سعى لانکار استشهادها ونفي ما جرى عليها من المصائب الکثيرة.

و بما أنّ هذه المقالة تحمل تحريفاً واضحاً لتاريخ الاسلام، کان لزوماً علينا فضح هذا التحريف وبيان بعض الحقائق التاريخية التي تثبت أنّ شهادة فاطمة الزهراء(عليها السلام)حقيقة تاريخية لا يعتريها الريب والشک، ولولا أنّهم بدأوا بطرح هذه المسألة، لما کنّا مستعدين لمتابعة هذا البحث في

مثل هذه الظروف مستعدين لمتابعة هذا البحث.

والنقاط التي نثيرها في هذا البحث کالتالي:

1 ـ عصمة الزهراء(عليها السلام) في کلام النّبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم).

2 ـ مکانة دار الزهراء(عليها السلام) في القران والسنّة.

3 ـ هتک حرمة دار الزهراء(عليها السلام) بعد رحيل أبيها الکريم(صلى الله عليه وآله وسلم).

وببيان هذه النقاط الثلاث نأمل أن يذعن کاتب هذه المقالة لهذه الحقائق التاريخية ويندم على ما خطّه قلمه، ويسعى إلى جبران ما صدر منه.

وجدير بالذکر أنّ جميع مطالب هذا الکراس استخرجت من المنابع والمصادر المعروفة لأهل السنّة.

 

1 ـ عصمة الزهراء(عليها السلام) في کلام النّبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم)

کانت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تتمتع بمکانة عالية عند الله وعند أبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)، والاحاديث النبوية الشريفة في حقّها تحکي عن عصمتها وطهارتها من الرجس والذنوب کلّها، إذ يقول:

«فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».(1)

ومن الواضح أنّ غضب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) موجب لأذاه ومن يسبب الأذى لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقع مصداقاً لقوله تعالى:

(والّذينَ يُؤذُون رَسولَ اللهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ).(2)

وأي دليل أقوى على عصمته(عليها السلام) أن رضاها رضى الله عزّوجلّ، وغضبها غضب الله عزّوحلّ کما ورد في النبويّ الشريف:

«يا فاطمة إنّ الله يغضبُ لِغضبک ويَرضى لرضاک»(3)

وهذا المقام الرفيع، هو الذي دعى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلقبها بسيّدة نساء العالمين إذ يقول في حقّها:

«يا فاطمة! ألا ترضين أن تکوني سيّدة نساء العاليمن، وسيّدة نساءِ هذه الاُمّة وسيّدة نساء المؤمنين».(4)

 

2 ـ مکانة دار الزهراء(عليها السلام) في القران والسنّة

ذکر المحدّثون، عندما نزلت الآية الشريفة: (في بُيُوت أَذنَ اللهُ أنْ تُرفعَ ويُذکر فيها اسمه).(5) قرأ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)هذه الآية في المسجد فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟

قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «بيوت الأنبياء».

فقام أبو بکر فقال: يا رسول الله أهذا البيت منها ـ مشيراً إلى بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) ـ.

قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «نعم من أفاضلها!».(6)

وبقي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة أشهر بعد نزول هذه الآية ينادي عند مروره من جانب بيت فاطمة(عليها السلام) ـ وعلي(عليه السلام) ـ وهو ذاهب إلى صلاة الصبح:

(إنّما يُريد اللهُ لِيذهب عنکُم الرِّجس أهل البيت ويُطهّرکُم تَطهيراً).(7)(8)

هذه التي هي مهبط وحي ومنبع النور الإلهي، وقد أمر الله أن ترفع ويذکر اسمه...

أجل هذه الدار التي تضمّ أصحاب الکساء وقد ذکرها الله عزّوجلّ بتبجيل واجلال، يجب أن تکون محلّ تقدير واحترام المسلمين قاطبة.

ولکن لنرى کم روعيت حرمة هذه الدار بعد رحيل النّبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وکيف تجرؤوا على هتک حرمتها،؟ وقد اعترفوا بذلک بصراحة، ومن هم اُولئک الهتاکون، وما کانت بغيتهم؟

 

3 ـ هتک حرمة دار الزهراء(عليها السلام) بعد رحيل والدها الکريم(صلى الله عليه وآله وسلم)

أجل، بعد الوصايا العديدة والمؤکّدة، نرى - ومع الأسف - أن البعض قد تجرأ على هتک حرمة هذه الدار، وليست هذه المسألة بالتي يمکن انکارها اطلاقاً.

ونحن نورد نصوصاً في هذه المسألة من کتب ومصادر أهل السنّة ليتّضح أنّ مسألة هتک حرمة بيت الزهراء (عليها السلام)

والاحداث التي تعقبت هذا الحادث إنّما هي حقيقة تاريخيّة مسلّمة وليست بالاسطورة بحال!! وبالرغم من أن عصر الخلفاء شهد رقابة شديدة بالنسبة للفضائل والمناقب، ولکن بما أن (حقيقة الشيء هي المحافظة له) هذه الحقيقة التاريخيّة حُفظت بصورة حيّة في طيات الکتب التاريخ والمصادر الحديثية، وعلى هذا فنحن نأخذ بنظر الاعتبار في نقلنا التاريخي من الوثائق والمصادر المعتبرة ترتيبها الزماني منذ القرون الاولى، وحتى المؤرخون والکتاب في العصر الحاضر:

 

1 ـ ابن أبي شيبة وکتابه «المنصّف»

نقل أبو بکر بن ابي شيبة (159 ـ 235) مؤلف کتاب «المصنّف» بسنده الصحيح:

«إنّه حين بويع لأبي بکر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) کان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم.

فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال:

يا بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والله ما أحد أحبَّ إلينا من أبيک وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيک منک، وأيم الله ما ذاک بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندک أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت!

قال: فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليُحرقنّ عليکم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه!».(9)

 

2 ـ البلاذري في کتابه «انساب الاشراف»

نقل احمد بن يحيى جابر البغدادي البلاذري (المتوفي 270) ـ الکاتب الشهير وصاحب التاريخ الکبير ـ هذه الواقعة التاريخية في کتابه «انساب الاشراف»:

«إن أبا بکر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة! فتلقته فاطمة على الباب.

فقالت فاطمة: يابن الخطاب، أتراک محرقاً عليّ بابي؟

قال نعم، وذلک أقوى فيما جاء به أبوک...!»(10).

 

3 ـ ابن قتيبة في کتابه «الإمامة والسياسة»

الغارة على بيت الوحى   

کتب المؤرّخ الشهير عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (212 ـ 276) ـ من اساطين الادب في حوزة التاريخ الاسلامي، ومؤلف کتاب «تأويل مختلف الحديث» و«ادب الکاتب» و... ـ في کتاب «الامامة والسياسة»:

«إن أبا بکر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي کرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاحرقنّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إنّ فها فاطمة فقال: وإن!!».(11)

ثم کتب ابن قتيبة بعد هذه القضيّة المؤلمة يقول:

«ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتوا فاطمة فدقّوا الباب فلّما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها يا أبتاه يا رسول الله ماذا لقينا بعدک من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة فلما سمع القوم صوتها وبکائها انصرفوا.

وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بکر فقالوا له بايع: فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟

فقالوا: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقک...!».(12)

لا ريب أن هذا الجانب من التاريخ يصعب على کثير من الناس قبوله والتصديق به، ولذا تردد بعض في نسبة الکتاب إلى ابن قتيبة، والحال أنّ استاذ التاريخ ابن أبي الحيد اعتبر الکتاب المزبور من آثار ابن قتيبة، وقد تکرر نقله لهذه المطالب منه، ولکن مع الأسف اصيبت عاقبة هذا الکتاب بالتحريف وحذف قسماً منه عند الطبع والحال أن نفس هذه المطالب قد وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

وهذا «الزرکلي» في «الاعلام» وقد عدّ هذا الکتاب من آثار ابن قتيبة ثم أضاف: أنّ لبعض العلماء نظراً في نسبة هذا الکتاب، أي أنّهم نسبوا الشک والتريد إلى الآخرين لا إلى أنفسهم،(13) وکذلک اعتبر اليان سرکيس(14) هذا الکتاب من آثار ابن قتيبة.

 

4 ـ الطبري وتاريخه

 

يروي محمّد ابن جرير الطبري (المتوفي 310) في تاريخه قضيّة هتک حرمة دار الوحي بهذه الصورة:

«أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لاحرقنّ عليکم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه».(15)

يحکي لنا هذا الجانب من التاريخ أن البيعة أيضاً اُخذت من الناس بالقهر والقوة والتهديد، فما قيمة مثل هذه البيعة؟، على القارىء أن يحکم بنفسه.

 

5 ـ ابن عبد ربه في کتابه «العقد الفريد»

کتب شهاب الدين احمد المعروف بـ «ابن عبد ربه الاندلسي» مؤلف کتاب «العقد الفريد» (المتوفي 463 هـ) في کتابه بحثاً مفصّلاً حول تاريخ السقيفة أورده تحت عنوان «الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بکر وقال»:

«فأمّا على والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بکر، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فاقبل بقبس من نار أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا!!

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة!».(16)

إلى هنا ختمنا بحثنا حول تصميمهم على هتک حرمة بيت فاطمة(عليها السلام)، والآن نتابع البحث الثاني الذي يتحدث عن عزمهم العملي لما يريدون.

لا ينبغي أن يتوهّم أنّ نيّتهم لم تکن سوى تخويف علي(عليه السلام)واصحابه وارغامهم على البيعة، من دون العزم على ترجمة هذا التهديد على أرض الواقع العملي.

وعندما نتابع البحث يتبيّن لنا أنّهم أقدموا على جريمة نکراء!

* * *

  

بدأ الغارة!

إلى هنا کان الحديث عمّا ورد في المصادر التاريخية عن سوء نيّة الخليفة وأعوانه في هذه الواقعة، ولکن البعض لم يرغبوا أو لم يحالفهم الحظ في تصوير الفاجعة کما هي، أي الهجوم على البيت و... ولکنّهم ازاحوا الستار قليلاً عن وجه الحقيقة، ونشير هنا إلى الوثائق التي تشير إلى تلک الغارة الشنيعة (وفي هذا القسم أيضاً ننقل الحوادث التاريخية التي واکبت الغارة من مصادرها بالترتيب الزماني).

 

6 ـ ابو عبيد في کتابه «الاموال»

نقل أبو عبيد قاسم بن سلام (المتوفي 224) في کتابه المسمى بـ «الاموال» الذي يعتبر مورد اعتماد فقهاء الاسلام:

عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على أبي بکر في مرضه عائداً... فقال بعد کلام طويل:

«أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي ترکتهن، وثلاث ترکتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ـ إلى أن قال ـ: فأمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت إنّى ترکتهنّ.. ـ منها ـ:

«فوددت أنّي لم أکشف بيت فاطمة وترکته وأن أغلق على الحرب».(17)

عندما يصل أبو عبيد إلى هذا الکلام يقول بدل جملة:

«لم أکشف بيت فاطمة وترکته» ثمّ يقول: کذا وکذا ويضيف بأنّه لا يرغب في التصريح!

ومع ذلک فکلما سعى «أبو عبيد» إلى طمس الحقيقة بسبب التعصب المذهبي أو لسبب آخر، فان المحققين لکتاب «الاموال» يذکرون في هامش الکتاب أن الجمل المحذوفة وردت في کتاب «ميزان الاعتدال» بالنحو المذکور آنفاً ومضافاً إلى ذلک فان «الطبراني» في معجمه و«ابن عبد ربه» في «العقد الفريد» وآخرين قد ذکروا تلک الجمل المحذوفة. (فتدبر)

 

7 ـ الطبراني والمعجم الکبير

نقل ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني (260 ـ 360) ـ الذي يقول في حقّه الذهبي في «ميزان الاعتدال»: الحافظ
الثبت المُعَمَّر(
18) ـ في کتاب «المعجم الکبير» ـ والذي طبع کراراً ـ کلاماً حول أبي بکر وخطبه ووفاته:

ودّ ابو بکر عند موته اموراً:

«ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي ترکته

ثلاث ترکتهنّ وددت أنّي فعلته

أمّا الثلاث اللائي وددت أني لم أفعلهنّ

فوددت إنّي لم أکن أکشف بيت فاطمة وترکته ...».(19)

هذه الکلمات تکشف لنا بوضوح أن تهديدات عمر قد تحققت عملياً، ولو کان هذا أمراً بسيطاً لما تأسف عليه الخليفة في آخر عمره.

 

8 ـ ابن عبد ربه و«العقد الفريد»

نقل ابن عبد ربه الاندلسي مؤلف کتاب «العقد الفريد» (المتوفي 463 هـ) في کتابه عن عبد الرحمن بن عوف:

«دخلت على أبي بکر في مرضه الذي توفي فيه... قال: أمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت أني ترکتهن ـ منها ـ:

وددت أنّي لم أکشف بيت فاطمة عن شىء و ان کانوا اغلقوه على الحرب ووددت انّى لم أکن حرقت الفجاءة السّلمي... ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة قَدْ رَميْتُ الأمر في عنق اَحَدِ رجلين - يريد عمر وأبا عبيدة».(20)

 

9 ـ کلام النظّام في کتابه «الوافي بالوفيات»

نقل ابراهيم بن سيار نظام المعتزلي (160 ـ 231) ـ الذي عرف بالنظّام لروعة کلامه في نظمه ونثره ـ ما وقع بعد حضورهم في دار فاطمة(عليها السلام)في کتب متعددة وقال:

«إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها».(21)

ويا لها من مصيبة فادحة!

 

10 ـ المبرد في کتاب «الکامل»

کتب محمّد بن يزيد بن عبد الأکبر البغدادي (210 ـ 285) الاديب والکاتب الشهير وصاحب المؤلفات القيمة، في کتابه «الکامل» عن عبد الرحمن بن عوف قضيّة تمنيات الخليفة:

«وددت أنّي لم أکشف بيت فاطمة وترکته ولو أغلق على الحرب».(22)

 

11 ـ المسعودي و«مروج الذهب»

کتب المسعودي (المتوفي 325) في «مروج الذهب»:

«لمّا احتُضِرَ ـ أي أبو بکر ـ قال: أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي ترکتهن ـ منها ـ وددت أنّي لم أکن فتشت بيت فاطمة وذکر في ذلک کلاماً کثيراً».(23)

إنّ المسعودي رغم أنّه يميل عاطفياً إلى أهل البيت(عليهم السلام)ولکنه احترز هنا عن تقرير کلام الخليفة واکتفى بالکناية: ولکنّ الله يعلم وکذلک يعلم عباده بذلک.

 

 12 ـ ابن أبي دارم في کتاب «ميزان الاعتدال»

نقل «احمد بن محمّد» المعروف بـ «ابن أبي دارم» المحدّث الکوفي (المتوفي 357) إذ يقول محمّد بن أحمد بن حماد الکوفي في مدحه «کان مستقيم الأمر، عامة دهره»، نظراً إلى مکانته هذه يقول، قُرأ هذا الحديث في محضره:

.
«إنّ عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن!».(24)

أجل! ما عشت اراک الدهر عجباً!

 

13 ـ عبد الفتاح عبد المقصود في کتابه «الإمام علي»

نقل الغارة على دار الوحي في موردين ونحن نکتفي بواحد منهما، قال عمر:

«والذي نفس عمر بيده، ليخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها»!

قالت له طائفة خافت الله، ورعت الرسول في عقبه: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة....»!

فصاح لا يبالي «وإن...»

واقترب وقرع الباب، ثم ضربه واقتحمه...

وبدا له علي...

ورنّ حينذاک صوت فاطمة عند مدخل الدار... فان هي إلاّ طنين استغاثة...(25)

الاستغاثة ممن؟ ومن أيّ شيء؟!

 

14 - کتاب مقاتل بن عطية

نختم هذا البحث بحديث آخر من کتاب «مقاتل ابن عطية» في کتاب الامامة والسياسة (رغم أنّ ما لم يقل أکثر مما قال).

کتب في هذا الکتاب:

«إن أبا بکر بعد أخذ البيعة لنفسه من الناس بالارهاب والسيف والقوة أرسل عمر، وقنفذاً وجماعة إلى دار علي وفاطمة(عليهم السلام) وجمع عمر الحطب على دار فاطمة واحرق باب الدار...».(26)

فلم يکن هذا مجرّد تهديد وارهاب! 

 

النتيجة:

هل يصحّ أن يقال مع کلّ هذه الوثائق التاريخية الصريحة المأخوذة بصورة عامة من کتب أهل السنّة المشهورة أنّ استشهادها کان «اسطورة»؟

اين الإنصاف؟

ومن البديهي أنّ کلّ من يقرأ هذا البحث الموجز والذي يقوم على اساس الوثائق والمصادر المعتبرة سوف يدرک جيداً ما حصل من شدة الفتنة بعد رحيل الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) وما ارتکب من أعمال من أجل نيل الحکومة والخلافة وهذه هي الحجّة التامة الدامغة على جميع من يتحرک في فهم الاحداث التاريخية من موقع العقل والانصاف وبعيد عن التعصب والعناد لاننا لا نکتب شيئاً سوى ما ورد في المصادر المعتمدة المعروفة، ولو فرض فرضاً غير مقبول، المناقشة في بعضها ففي الباقي غنى وکفاية والله الهادي إلى سواء السبيل.

* * *

 

والسّـلام

جمادى الثانية 1422

 


1 . فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج 7، ص 63; ونقل البخاري أيضاً هذا الحديث في باب مناقب فاطمة، ج 4، ص 219; وأخرجه المغازي في أواخر، ج 8، ص 110.
2 . سورة التوبة، الآية 61.
3 . مستدرک الحاکم، ج3، ص154; مجمع الزوائد، ج9، ص203; وأورد الحاکم في کتابه المستدرک احاديث جامعة لشرائط الصحة التي يرى البخاري ومسلم لزوم توفرها في صحة الحديث.
4 . مستدرک الحاکم، ج3، ص156.

5 . سورة النور، الآية 36.
6 . الدر المنثور، ج 5، ص 50; تفسير سورة النور، روح المعاني، ج 18، ص 174.
7 . سورة الاحزاب، الآية 33.
8 . الدر المنثور، ج 5، ص 199.

9 . المصنّف ابن أبي شبية، ج 8، ص 572.

10 . انساب الاشراف، ج1، ص586 مطبعة دار المعارف، القاهرة.

11 . الإمامة والسياسة، ص12، طبعة المکتبة التجارية الکبرى، بمصر.

12 . الامامة والسياسة، ص13.
13 . الاعلام، ج 4، ص 137.
14 . معجم المطبوعات العربية، ج1، ص212.

15 . تاريخ الطبري، ج2، ص443، طبع بيروت.

16 . العقد الفريد، ج 4، ص 259، طبع مکتبة دارالکتب العربى، بيروت.

17 . الاموال، الهامش 4، طبع ونشر کليات الازهرية، الاموال، ص144، طبع بيروت وکذلک ابن عبد ربه في العقد الفريد، ج4، ص93، نقله کما سنشير اليه.

18 . ميزان الاعتدال، ج2، ص195.
19 . المعجم الکبير الطبراني، ج1، ص62، رقم الحديث 34، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.

20 . العقد الفريد، ج 4، ص 268، طبع مکتبة دارالکتب العربى، بيروت.

21 . الوافي بالوفيات، ج6، ص17، الرقم 2444; الملل النحل للشهرستاني، ج1، ص57، مطبعة دار المعرفة، بيروت، وراجع ترجمة النظّام في کتاب «بحوث الملل والنحل» ج3، ص248 ـ 255.

22 . شرح نهج البلاغة، ج2، ص46 و 47، طبع مصر.

23 . مروج الذهب، ج3، ص301، طبع دار الاندلس، بيروت

24 . ميزان الاعتدال، ج 1، ص 139.

25 . عبد الفتاح عبد المقصود، علي بن أبي طالب ،ج4، ص276 ـ 277.

26 . کتاب الامامة والخلافة، ص160، ص161، تأليف مقاتل بن عطية طبع مع مقدمة الدکتور حامد داود استاذ جامعة عين الشمس بالقاهرة، طبع بيروت، ومؤسسة البلاغ.

مسائل مهمّة حول رؤيت الهلال

 

مسائل مهمّة حول
رؤيت الهلال

سماحة آية اللّه العظمىمکارم الشيرازي (مدّظلّه)

 

 

 

 

تمهيد :

   لقد طلب مني بعض الأُخوة من طلاّب العلوم الدينية أبداء رأيي في المسائل المتعلقة برؤية الهلال مع بيان دليل مختصر.

   وهذا الکراس يمثل استجابة لطلب هؤلاء الأعزاء وأمتثالا للوظيفة الشرعية في هذه الظروف الخاصّة، ويتعلق البحث بأصل مسألة (رؤية الهلال) ثمّ نتعرض لمسألة (رؤية الهلال بالتلسکوب)، ثمّ مسألة (اتحاد الاُفق).

   ولکن قبل الشروع في البحث نشير إلى مسألة أهم من ذلک وهي الاختلاف المؤسف الذي حدث في السنوات الأخيرة في مسألة «رؤية هلال شوّال» حيث بدّل أجواء العيد الجميلة إلى مرارة.

   ففي يوم يصلي البعض صلاة العيد ويقولون «أسئلک بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً...» وغداً يصلي البعض الآخر صلاة العيد في تلک المدينة وفي نفس ذلک المسجد ويدعون أيضاً بهذا الدعاء، ولا يعلم أن المقصود من کلمة «المسلمين» في هذا الدعاء من هم ؟

   ويتحرک البعض على مستوى زيارة الأخوان وتبريک العيد لهم في حين أنّ البعض يصومون هذا اليوم ويدعون بهذا الدعاء «يا علي يا عظيم... وهذا شهر عظمته وکرمته.... وهو شهر رمضان...» وأحياناً يقع مثل هذا الاختلاف في اُسرة واحدة، في حين أنّ الإسلام دين التوحيد في جميع المجالات ولا موجب لکلّ هذه الاختلافات رغم اختلاف الفتاوى.

   ويخشى الکثير من الناس أنّ الحالة ستتفاقم على هذا المنوال في الأعوام الآتية، وبالتالي تثار إشکالات وعلامات استفهام حول تعاليم الإسلام وأحکام الشريعة لدى بعض البسطاء من الناس.

   إنّ المشکلة الأصلية هنا أنّنا نواجه في مسألة رؤية الهلال، التي هي من «الموضوعات»، کما نواجه مسألة فقهية وحکماً من أحکام الشرع، في حين أنّنا نعلم أنّ الناس وإن کان الواجب عليهم في المسائل والأحکام الفقهية إمّا أن يکونوا مجتهدين، أو يقلدون مجتهداً معيناً، ولکنهم في الموضوعات (من قبيل رؤية الهلال) فإنّ کلّ شخص يمکنه العمل بعلمه وأطمئنانه.

   وتوضيح ذلک : أنّ وجوب صيام شهر رمضان المبارک يعدّ من ضروريات الإسلام ومحکمات القرآن ولا أحد يشک في ذلک، وبما أنّ أصل وجوب الصوم من ضروريات الدين فالتقليد في هذه المسألة لا معنى له طبعاً، ولکن في مورد الأحکام، الجزئيات، الشروط والموانع للصوم يجب على المکلّف إمّا أن يکون مجتهداً، أو يثبع المجتهدين في هذه المسائل.

   أمّا مسألة أنّ هذا اليوم هو من شهر رمضان أم لا؟ فإنّ ذلک من الموضوعات التي يمکن لکلّ إنسان أن يتحرک على مستوى العلم بها وتشخيص هوية هذا اليوم والعمل بالحکم المترتب عليه، وبعبارة اُخرى أنّ کلُّ مکلّف ثبت لديه أنّ هذا اليوم هو اليوم الأوّل من شهر رمضان فإنّه يجب عليه صومه، وإذا ثبت أنّه عيد فعليه أن يفطر.

 

   وبالرغم من أنّ الناس وبسبب اعتمادهم على مراجع الدين يتوجهون في هذه الموضوعات المهمّة أيضاً إلى هؤلاء المراجع ليحصل لهم الاطمئنان في تشخيص الموضوع، ولکن لا يجب على مراجع الدين من الوجهة الشرعية ابداء نظرهم في هذا الموضوع ويمکنهم تفويض ذلک إلى الناس أنفسهم والقول بأنّ هذه المسألة من الموضوعات فعليکم التحقيق والفحص ثمّ العمل.

   ومن جهة اُخرى فإنّ الناس لو تحرکوا في أمر التحقيق في هذه المسألة التي تتمتع ببعد عام واجتماعي من موقع الاستقلال والانفراد فسنواجه اختلافات کثيرة بسبب تعدد منابع التحقيق في هذا الموضوع، وذلک يخالف روح الإسلام ولا ينسجم مع أجواء التعاليم القرآنية.

   کما أنّ رجوع الناس إلى مراجع الدين بشکل منفرد وکلٍّ على حدّ يثير هذه المشکلة أيضاً لأنه من الممکن أن يرجع بعض الشهود في مدينة معيّنة إلى مرجع ديني فيشهدون عنده برؤية الهلال، بينما يقوم البعض الآخر بالشهادة لدى مرجع آخر على خلاف ذلک، أو أنّ الشهود الذين شهدوا لدى المرجع الأوّل ليسوا مورد الاعتماد والاطمئنان للمرجع الثانى، أو أنّ الشهود هؤلاء لم يوفقوا في الحضور لدى مرجع آخر وأداء الشهادة نفسها.

   کلّ هذه الاُمور أدّت إلى ثبوت هلال الشهر عند أحد المراجع وعدم ثبوته عند مرجع آخر، وبذلک نشأ الاختلاف المؤسف والمثير للقلق بين الناس وأدّى أيضاً إلى تهميش واختزال عظمة العيد والشهر المبارک والشعائر المتعلقة بهما حتّى انسحب الحال هذا إلى داخل الاُسر الدينية أيضاً.

 

شورى رؤية الهلال :

   هنا يوجد طريق واضح بأمکانه حلّ هذه الاختلافات وعلى الأقل أن يتحرک أهل البلد الواحد في طريق واحد ومسير معيّن وبذلک يتمّ الاحتفاظ بعظمة وجلالة الشعائر الدينية في هذا الشهر المبارک، وهو تشکيل شورى لمسألة رؤية الهلال من الخبراء في هذا الفن ونوّاب مراجع الدين
حيث يتمّ جمع الأخبار والمعلومات الواصلة حول رؤية الهلال من جميع الأطراف، سواءً بطريقة الشهود المباشر أو بطريق الاتصال بالخبراء في علم النجوم الّذين تؤخذ نظراتهم بعنوان مؤيد فيتم جمع هذه المعلومات والفتوى على وفقها برأي واحد.

   قد يقال : إذا لم يحصل لاعضاء الشورى نظر واحد (سواء بسبب جرح وتعديل الشهود أو بسبب آخر) فما العمل ؟

   الجواب : إنّ المعيار في هذا الحال هو رأي الأکثرية، لأنّ أغلب الناس يحصل لديهم اطمئنان أکثر بهذه الصورة و يکون ذلک (أقرب إلى الواقع)، وبما أنّ البحث، کما تقدّم، هو بحث في تشخيص الموضوع لا تشخيص الحکم، فلا نواجه مشکلة في هذا المورد.

   وقد يثار سؤال آخر، وهو أنّ مراجع الدين أحياناً يختلفون في فتواهم بالنسبة إلى الأحکام المتعلقة برؤية الهلال حيث سيترتب على ذلک تأثيرات خاصّة على هذه المسألة.

   ونعتقد أنّ هذه المسألة لا تولد مشکلة مهمّة ايضا، وقد وجدنا طريق الحلّ لذلک رغم أنّ بيانه لا يسعه هذا المختصر.

   وعلى اىّ حال يمکن اعتبار نظر الأکثرية کمعيار لرؤية الهلال شرعاً فيما إذا تحرّوا الدقّة الکاملة وبالتالي يصحّ الاعتماد على رأي الأکثرية والعمل به لحصول الاطمينان به.

   وبديهي أنّ الرسول الاعظم و اوصيائه(عليهم السلام) لا يرضون لاتباعهم التوغل في دوامة الاختلاف والتفرقة في هذا الأمر المهمّ حتّى يمتد هذا الاختلاف إلى کلّ مدينة وکلّ اُسرة ويؤدّي إلى توهين قوتهم وقدرتهم أمام الأعداء.

   عندما يسمح أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) من أجل حفظ شوکة المسلمين ووحدتهم أن يشترک أتباعهم في صلاة الجماعة لأهل السنّة رغم وجود اختلافات في الکثير من فروع الصلاة، فکيف يرضون بحدوث الفرقة بين أتباعهم في مسألة رؤية الهلال ؟ وبالخصوص في هذا الزمان الذي تتنقل فيه الأخبار بسرعة من نقطة إلى نقطة اُخرى في العالم.

   ومن العجائب أنّه بسبب عدم وجود شورى مرکزية تأخذ على عاتقها مهمّة رؤية الهلال، وکذلک الاعتماد على شهود ليسوا من أهل الخبرة فإنّ الناس کانوا لسنوات مديدة يصومون الشهر المبارک (29) يوماً ومن النادر أن يتذکر الشخص أنّه صام شهر رمضان ثلاثين يوماً!! وهذا من الناحية العلمية امر غير ممکن ولا يعلم من هو المسؤول عن ذلک ؟

   نأمل أن يفکر المسؤولون في المؤسسات الدينية باطروحة «شورى رؤية الهلال» ويکشفوا عن التعقيدات والإشکاليات التي تلابس هذا الطرح المهمّ.

* * *

 

هل تکفي رؤية الهلال بالمراصد والتلسکوب ؟

   المشهور بين مراجع الدين أنّ رؤية الهلال يجب أن تکون بالعين المجرّدة، ولکن بعض الفقهاء المعاصرين ذهبوا إلى کفاية مشاهدة الهلال بالتلسکوب.

   ومع تحري الدقّة في الأدلّة الشرعية يتبيّن أنّ الرأي الثاني، مع إحترامنا لجميع آراء المجتهدين، لا يوافق الأدلّة والقواعد الفقهية، لأنّه :

   أوّلاً : إنّ المعيار الوارد في الروايات المتواترة لثبوت الهلال هو «الرؤية»، ومن ذلک ما ورد في الباب الثالث من أبواب شهر رمضان المبارک في وسائل الشيعة ما يقارب 28 رواية حيث تتفق غالباً على هذا المضمون وهو «إذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فافطر» أو «صمّ للرؤية وافطر للرؤية».

   ونقرأ في الأبواب اللاحقة أيضاً روايات في هذا المجال، وعندما تتحدث الروايات عن «الرؤية» فتنصرف إلى الرؤية المتعارفة، وهي الرؤية بالعين المجرّدة وغير المسلحة، لأنّ الفقهاء يرون انصراف الاطلاقات في جميع أبواب الفقه للأفراد المتعارفة لا الافراد النادرة جدّاً مثلاً :

   1 ـ في باب الوضوء، حيث ذهبوا إلى أنّ حدّ الوجه الذي يجب غسله هو ما دارت عليه الابهام والوسطى عرضاً ومن منبت الشعر إلى الذقن طولاً.

   ثمّ صرّحوا بأنّ المدار في هذا التحديد هو الأفراد المتعارفة من حيث طول الأصابع ومحل إنبات الشعر وأمثال ذلک، ويجب على الأشخاص غير المتعارفين العمل طبقاً للأفراد العاديين.

   2 ـ في باب مقدار الکرّ حيث ورد تعيينه بالأشبار، فقالوا بأنّ المعيار هو الشبر المتعارف، وما خرج عن المتعارف فليس بمعيار للکرّ في نظر الفقهاء.

   3 ـ في باب تعيين المسافة الشرعية لقصر الصلوة وافطار الصيام حيث ورد تعيينها في الفقه بالقدم، والمعيار هو بالاقدام المتعارف.

   4 ـ في باب الصلاة والصوم في المناطق القطبية، أو القريبة من القطب حيث تکون الأيام والليالي قصيرة جدّاً وغير متعارفة، فقد يکون اليوم عدّة شهور و کذا الليل فإن الکثير من الفقهاء يرون لزوم رجوع سکان هذه المناطق إلى مقدار اليوم و الليلة فى المناطق المتعارفة في تعيين الوقت للصلوة و الصيام.

   5 ـ في مسألة حدّ الترخص (رؤية جدران المدينة، أو سماع اذانها حيث صرّحوا بأنّ المعيار هو الرؤية بالعين المتوسطة (لا الحادة ولا الضعيفة) والاُذن المتوسطة والأذان المتعارف، وأمّا ما خرج عن الحدّ المتوسط والمتعارف فليس بمعيار لهذه المسألة(1)، وقد ذهب إلى ذلک کبار الفقهاء المعاصرين.

   6 ـ بالنسبة إلى المنکرات التي يجب فيها حدّ الجلد (السوط) حيث قالوا بأنّ السوط هنا هو السوط المتعارف، فيجب اجتناب السياط الثقيلة وغير المتعارفة، وکذلک السياط الضعيفة والقليلة التأثير.

   7 ـ في أبواب النجاسات ذکروا أنّه إذا زالت عين النجاسة ظاهراً (کالدم مثلاً) ولکن بقي لونه أو رائحته فهو طاهر، والحال أنّنا إذا نظرنا إلى المحل بالميکرسکوب فإنّنا سنرى ذرات صغيرة من الدم حتماً (لأنّ اللون والرائحة يقترنان عادة بأجزاء المادة) ولکن بما أنّ هذه المشاهدة خارجة عن المتعارف فإنّها لا تکون مناطاً للأحکام الشرعية.

   8 ـ إذا استهلکت النجاسة في ماء الکر (کما في مثال الدم) فقد ذهب جميع الفقهاء إلى الطهارة، مع أننا لو نظرنا بالميکرسکوب أو المجهر لرأينا ذرات من الدم في ذلک الماء.

   مضافاً إلى هذه «الموارد الثمانية» فهناک موارد اُخرى في جميع أبواب الفقه نرى فيها أنّ کلام الشارع أو لسان الآية أو الرواية مطلق، وقد ذهب الفقهاء إلى انصرافه إلى «الفرد المتعارف».

   ومن المعلوم فيما نحن فيه أنّ المعيار في رؤية الهلال الواردة في الروايات المتواترة هي الرؤية المتعارفة، أي بالعين المجرّدة، وأمّا العين المسلحة فخارجة عن المتعارف وغير مقبولة.

   ونحن لا يمکننا أن نتوجه في جميع أبواب الفقه بالنسبة إلى مطلقات الأدلّة إلى الفرد المتعارف، ولکن بالنسبة إلى رؤية الهلال نجعل المعيار والملاک هو الفرد غير المتعارف.

   ثانياً : ذهب البعض إلى أنّ المعيار في بداية الشهر هو «تولد الشهر في الواقع» وأنّ الرؤية والمشاهدة لها جانب «طريقي» لا «موضوعي». وعلى هذا الأساس إذا علم الإنسان من خلال جهاز غير متعارف بوجود الهلال و تولده، کفى ذلک.

 

   وفي الجواب نقول : إنّ ظاهر الروايات يقرر أنّ قابلية رؤية الهلال بالعين المجرّدة لها جهة موضوعية (واکرر أن قابلية الرؤية بالعين المجرّدة) لأنّه :

   إذا کان المعيار هو بداية الشهر من جهة واقعية، فسنواجه مشکلة مهمّة لا يمکن قبولها، وهي أنّ بداية الشهر کثيراً يکون قبل إمکان رؤية الهلال بالعين المجرّدة، وبعبارة اُخرى أنّ هناک الکثير من الموارد التي يظهر فيها الهلال في السماء ولکن لا يراه أحد بالعين المجرّدة إلاّ أنّ رؤيته ممکنة في الليلة اللاحقة.

   وعليه لا بدّ من الاذعان إلى أنّ الهلال في کثير من الأحيان يظهر واقعاً في ليلة سابقة، غاية الأمر بما أنّ أحداً من الناس لم يره بالعين المجردة فإنّ الليلة الثانية ستکون ليلة أوّل الشهر.

   صحيح أنّ هؤلاء الناس سيکونون معذورين بسبب عدم رؤيتهم للهلال وعدم علمهم بأوّل الشهر ولکن هل يمکن القول بأن المسلمين منذ بداية البعثة وإلى الآن کانوا يقعون في هذا الاشتباه والخطأ مراراً عديدة وبالتالي سيحرمون من إدراک فضيلة ليالي القدر ويصومون يوم العيد لأنّهم لم يخترعوا جهاز التلسکوب فيصلون صلاة العيد في اليوم اللاحق (لأنّ الهلال کان موجوداً في الليلة السابقة ولکن الناس لم يروه بالعين المجرّدة).

   وحتّى الأشخاص الذين يرون کفاية رؤية الهلال بالتلسکوب يجب عليهم الاذعان إلى هذه الحقيقة، وهي أنّهم في السنوات الفائتة وکذلک مقلديهم کانوا يرون الليلة الثانية لشهر رمضان هي الليلة الاُولى وأنّ عيد الفطر يقع في اليوم الثاني من شوّال لأنّهم لم يکونوا يستخدمون سابقاً التلسکوب، وإلاّ فسوف يعلمون أنّ اليوم الأوّل من الشهر هو اليوم السابق وأنّهم لم يدرکوا ليالي القدر کما هي في الواقع هل يلتزمون بهذا الامر؟!

   إنّ کلّ هذه الاُمور تشهد بأنّ الملاک الحقيقي لمعرفة الشهر ليس هو وجود الهلال واقعاً بل إنّ المعيار قابليته للرؤية بالعين المجرّدة.

   ولقد قلنا في علم الاُصول أنّ «الامارة» أو «الطريق الشرعي» لا يقع فيه الخطأ کثيراً، وأنّ الناس سيحرمون من درک واقع الأمرلو وقع فيها خطاء کثير، ففي موارد تکون الامارة کثيرة الخطأعن الواقع ينبغي القول أنّ الامارة لها موضوعية لا طريقية (فتدبّر).

   إنّه من غير المعقول أن يقال بحرمان النبي الأکرم (صلى الله عليه وآله)  وسائر المعصومين (عليهم السلام)وجميع المسلمين في السابق من إدراک فضيلة العيد وليالي القدر، بل على العکس نحن نعتقد بأن استخدام التلسکوب في رؤية الهلال يؤدّي إلى أنّ الناس سيحرمون من نيل فضيلة أوّل الشهر وآخره، لأنّ المعيار الواقعي هو رؤية الهلال بالعين المجرّدة.

   ربّما يتصور البعض بأنّ استخدام التلسکوب بإمکانه إزالة الاختلافات بين المسلمين في هذه المسألة، في حين أن هذا العمل ليس له أثر في ذلک إطلاقاً، لأنّ قدرة التلسکوبات متفاوتة تماماً، وکذلک بالنسبة إلى المناطق التي يتمّ فيها نصب التلسکوب أو من حيث وجود الغبار والبخار في الاُفق، وعليه فيمکن أن يشاهد الهلال بواسطة بعض التلسکوبات والمراصد، ولا يُرى بالبعض الآخر وبالتالي سيبقى الاختلاف بين المسلمين وتتسع دائرة الفرقة.

* * *

 
1. انظر: المسألة 64 من مسائل صلاة المسافر في العروة الوثقى.

 

هل يشترط وحدة الاُفق ؟

   إذا رؤي الهلال في منطقة من العالم، فهل يکفي ذلک لإثبات الرؤية في سائر المناطق الاُخرى ؟

 

   إنّ المشهور بين فقهاء الامامية هو اشتراط وحدة الاُفق. وقد صرّح المحقّق اليزدي (قدس سره)في العروة الوثقى إلى القول بأنّه «يشترط تقارب البلاد أو وحدة الاُفق» وقد وافق عليه أکثر المحشين وشرّاح العروة.

   ولکن ذهب بعض الأکابر من القدماء والمعاصرين إلى عدم لزوم هذا الشرط، وأن رؤية الهلال في منطقة معيّنة من العالم تکفي لثبوت الهلال بالنسبة إلى المناطق الاُخرى (بشرط أن تشترک هذه المناطق في مقدار من الليل على الأقل).

   والفقيه المعاصر الذي ذهب إلى هذه الفتوى هو آية الله سيدنا الاستاذ  الخوئي (قدس سره)، ثمّ تبعه على ذلک جمع من تلامذته الأفاضل.

   وأهم دليل يمکن أن يقال في تأييد هذا الرأي أمران :

   الأمر الأول: إنّ طلوع الهلال (وخروجه من تحت الشعاع) ظاهرة سماوية ترتبط بالتقابل الموجود بين الشمس والقمر، وکلّما خرج الوجه المقابل لنا من القمر من دائرة الظلمة وبرز إلى الشمس فإنّ هذا بداية شهر جديد، ولا يختلف الحال هذا بين المناطق المختلفة على الأرض، أي أنّ هذه ظاهرة سماوية لا أرضية.

 

   وجاء في تقريرات دروسه(قدس سره) :

   «تکوّن الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يکون قابلاً للرؤية ولو في الجملة وهذا کما ترى أمر واقعي وجداني لا يختلف فيه بلد عن بلد ولا صقع عن صقع لأنّه کما عرفت نسبة بين القمر والشمس لا بينه وبين الأرض فلا تأثير لاختلاف بقاعها في حدوث هذه الظاهرة الکونيّة في جوّ الفضاء»(1).

   ولکن هذا الکلام ينسجم مع القول بأنّ الأرض مسطحة لا کروية، في حين أنّ کروية الأرض في هذا العصر تعدّ من الاُمور المحسوسة، وإذا کان العلماء في سابق الزمان يثبتون کروية الأرض بأدلة نظرية فإنّ الأقمار الصناعية في هذا العصر قد التقطت صوراً عن جميع مناطق الأرض وکذلک شاهد رجال الفضاء الأرض کروية، فهذا الموضوع أمر محسوس تماماً.

   وبعبارة اُخرى: إنّ تکوّن وتولد الهلال يرتبط بثلاثة أشياء : القمر، الشمس، الأرض، لأنّ تکوّن الهلال عبارة عن خط دقيق من القسم النوراني من القمر المواجه لأهل الأرض، ومن المعلوم أنّ هذا القسم النوراني يراه بعض سکّان الکرة الأرضية الذين يقعون بمحاذاة هذا القسم، أسرع من غيرهم، وهذا الموضوع يمکننا إثباته بتجربة حسيّة، فعندما نحضر ثلاثة کرات، أحدها نوراني من قبيل المصباح مثلاً، وهناک کرتان ليس فيهما نور، فسوف نرى بکلّ وضوح أنّه إذا وضعنا الکرة الاُولى الظلمانية في مقابل الکرة النورانية ما عدا خيط نوراني دقيق إلى جهة الکرة الثالثة، فالأشخاص الذين يقفون بإزاء النقطة النورانية، فإنّهم سوف يرونها کخيط نوراني وأمّا الذين لا يقفون بإزاء هذه النقطة فإنّهم لا يرونها.

   الشيء الذي يمکن إدراکه بالحسّ لا يحتاج إلى توضيح أکثر، نعم إذا کانت الأرض مسطحة فإنّ المقولة المذکورة ستکون صحيحة، ولکن الأرض کروية قطعاً.

   الإشکال الآخر: على هذا الدليل أنّهم يقولون بأنّ جميع البلاد التي تشترک في جزء من الليل فإنها تشترک في رؤية الهلال في نقطة معيّنة وأن بداية الشهر لهم واحدة.

   ومفهوم هذا الکلام أنّه إذا تکوّن الهلال مثلاً في مکّة عند غروب الشمس وشوهد فيها، فالمناطق التي تقع إلى جهة الشرق من هذا المکان وقد مرّت عليها عدّة ساعات من الليل إلى منتصفه أو إلى آخر الليل فإنّ ذلک يسبب تبدلّ أوّل الشهر بالنسبة لهم، يعني أنّهم کانوا إلى منتصف الليل أو إلى آخر الليل يعتقدون أنّها الليلة الأخيرة من شهر رمضان لأنهم لم يروا الهلال في منطقتهم، وبالتالي فکانوا يقرأون أدعية الليلة الأخيرة من الشهر المبارک، وفجأة يعلن في منتصف الليل عن کون هذه الليلة هي ليلة أوّل شوّال، لأن الهلال قد شوهد عند غروب الشمس في مکّة في ساعات لاحقة فکان الى منتصف الليل الليلة الاخيرة شهر رمضان حقيقة ثُم صار ليلة العيد حقيقة!.

   وهذا أمر عجيب وغير قابل للقبول، لأنّ الهلال قبل عدّة ساعات (أي قبل غروب الشمس في مکّة کما هو مفروض البحث) لم يخرج من تحت الشعاع قطعاً، وبعد خروجه کانت هذه الليلة هي ليلة أوّل الشهر، وهذا يعني أنّ شهر شوّال يبدأ في بعض المناطق من منتصف الليل أو آخر الليل، بينما کان الناس في هذه المناطق ادرکوا الليلة الأخيرة من شهر رمضان المبارک في بعض هذه الليلة.

   قد يقال : إنّ ليلة أوّل الشهر کانت في وقت واحد لجميع هذه المناطق، فهذا الکلام غير مقبول، لأنّه حسب الفرض أنّ الهلال خرج من تحت الشعاع بعد عدّة ساعات ولم يخرج لدى سکان هذه المناطق من تحت الشعاع إلاّ بعد ساعات، فلم يکن خلال شهر شوّال طبعاً، فماذا يعني خروج وتولد الهلال في منطقة معيّنة إنّه هلال أول الشهر لجميع هذه المناطق ؟ أي إنّ نصف الليل کان ملحقاً بشهر رمضان والنصف الآخر من شهر شوّال. وبديهي أنّ المناطق التي تقع أبعد من ذلک بحيث لا تشترک مع هذه المنطقة في الليل (مثل کندا وأمريکا) فإنّ أوّل الشهر سيکون اليوم اللاحق قطعاً، و هذا مشکل آخر.

   الأمر الثاني: الذي يستدلّ به على عدم اختلاف الآفاق هو اطلاق الروايات، وخاصّة صحيحة هشام بن الحکم، حيث تشير إلى أنّ الهلال إذا شوهد في منطقة معيّنة کفى ذلک لإثبات الرؤية لجميع المناطق.

   وهذه الرواية هي : «عن هشام بن الحکم عن أبي عبدالله (الامام الصادق(عليه السلام)) أنّه قال في من صام تسعة وعشرين قال : إن کانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً»(2).

 

   وقد استدلّ بها أصحاب هذه النظرية أنّ اطلاق الرواية يدلّ على أنّ الهلال إذا شوهد في أي مدينة من مدن العالم کفى ذلک لإثباته في المدن الاُخرى، البعيدة منها والقريبة.

   کما يدلّ على ذلک بعض الروايات الاُخرى.

   الجواب : هذا الکلام بدوره قابل للمناقشة، لأنّ الاطلاق في هذه الروايات منصرف إلى البلاد التي ينتشر فيها خبر الهلال بصورة متعارفة لا البلاد البعيدة عنها بفاصلة عدّة أشهر ومن النادر وصول خبر الهلال لها بسرعة.

   وبعبارة اُخرى أنّ هذه الروايات ناظرة إلى البلاد المتقاربة في الاُفق بحيث يمکن وصول الخبر في ذلک الزمان في فترة اُسبوع أو شهر واحد، ولکن البلاد المختلفة في الاُفق قد يطول السفر إليها بوسائل ذلک الزمان لعدّة أشهر فلا يشملها اطلاق هذه الروايات، لأنه من النادر أن يتحرک إنسان بعد عدّة أشهر لإيصال خبر أوّل الشهر والفحص والبحث في ثبوته أو عدم ثبوته.

   وحتّى لو شککنا في الاطلاق (وتحقّق مقدمات الحکمة) فإنّ ذلک يساوق عدم الاطلاق (کما ورد هذا الموضوع في علم الاُصول).

   وعلى هذا الأساس لا يمکن إثبات وحدة الحکم للبلاد البعيدة بمثل هذه الروايات التي لا تدلّ على حجيّة الشهادة بالرؤية إلاّ بالنسبة إلى البلاد القريبة.

   والملفت للنظر أنّ بعض القدماء استند لإثبات هذا المدّعى بلزوم «وحدة ليالي القدر» وتعيين مقدرات الناس في هذه الليلة وکذلک فضيلتها، في حين أنّ القائلين بهذا الرأي يرون وحدة أوّل الشهر في المناطق المشترکة في بعض الليل فقط، أي إنّهم يقولون بأنّ المناطق الاُخرى من الکرة الأرضية (مثل کندا وأمريکا الشمالية والجنوبية) التي يکون فيها الجوّ نهاراً أثناء رؤية الهلال في منطقة اُخرى، وعليه ستکون لديهم ليلة قدر اُخرى قطعاً وسيکون أوّل الشهر في تلک المناطق مختلف عن أوّل الشهر في غيرها فلم تحصل وحدة ليالى القدر.

   والأعجب من ذلک قول من يرى أنّ البلدان الإسلامية واقعة في منطقة تشترک في مقدار من الليل، في حين أنّ البلدان البعيدة يعيش فيها ملايين من المسلمين، مضافاً إلى أنّنا نعتقد بأنّ الإسلام وأحکام الشريعة الإسلامية سوف تستوعب جميع مناطق الکرة الأرضية، فماذا سيکون تکليف الناس في ذلک الزمان ؟

   وخلاصة الکلام أنّه کما قرر مشهور فقهاءنا وما قامت عليه الأدلّة القوية هو أنّ اتّحاد الاُفق شرط في رؤية الهلال، وهذا الأمر ناشىءٌ من کروية الأرض، کما هو الحال في اختلاف الوقت في الليل والنهار في البلدان المختلفة. وإذا کان المقصود هو حفظ الوحدة بين المسلمين (مع وجود کروية الأرض) فإنّ مثل هذه الوحدة ممکنة في منطقة من المناطق لا في جميع العالم الإسلامي لأنّ المسلمين الذين يعيشون في النصف الآخر من الکرة الأرضية سيکون لهم عيد مستقل حتّى على قول من يرى «عدم لزوم وحدة الاُفق».

   (وبالطبع فإنّ تفصيل الکلام في هذه المسائل يحتاج إلى مجال أوسع)، والله العالم بحقائق أحکامه.

والحمد لله ربّ العالمين

ذي الحجّة 1426

 


 
 
1. المستند في شرح العروة الوثقى للبروجردي، ج 12، ص 118.
2. وسائل الشيعة، ج7، الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان، ح 13.

 

 

 

حديث الغدير

 

حديث الغدير

 

سند الولاية الناطق

 

لجنة المعارف والأبحاث الإسلامية ـ قم

 

 

هجوم غير معهود:

في الأيام الأخيرة ونتيجةً لسياسية الانفتاح المتبعة الآن في البلد، قامت مجموعة من المولويين من أهل السنة في جنوب البلاد، وخرقاً لتعهدهم للوحدة القائمة بيننا، بالتعرض لعقائد الشيعة ـ وهو المذهب الرسمي للدولة ـ بمقالة (اسطورة شهادة الزهراء(عليها السلام)) والتي نشرت في مجلة (نداء الاسلام) وباجازة من وزارة الإرشاد، وقد أوردنا عليهم ردّاً قاطعاً.

ومرّة اُخرى أعادت الکرة تلک الجماعة نفسها في التعرض لعقائدنا وتناولت هذه المرّة (حديث الغدير)، وهي بعيدة عن الواقعية کل البعد، وبعيدة عمّا هو موجود في کتب التاريخ والسيرة والحديث، مما دعانا لإيراد حيث الغدير بشکل مختصر وشفاف مدعوماً بالحقائق، ولکننا نتسائل: إلى متى الصبر على هذهِ التخرصات ضدنا؟ وإلى متى السکوت؟

 

مقدمة:

کلنا سمعنا باسم الغدير، وهي أرض تقع بين مکة والمدينة بالقرب من «الجحفة» والتي تبعد 200 کيلومتر عن مکة، وهي في الواقع مفترق طرق يصل اليها الحجاج بعد اتمامهم لمناسکهم، وکل يتوجه إلى بلده:

فطريق يتوجه إلى المدينة باتجاه الشمال

وآخر يذهب إلى العراق باتجاه الشرق

وطريق يذهب إلى مصر باتجاه الغرب

وطريق يذهب إلى اليمن باتجاه الجنوب

وهذهِ الأرض هي اليوم أرض قفراء، ولکنها شهدت حادثة من أهم حوادث التاريخ الإسلامي، وهي تنصيب الإمام علي(عليه السلام) في الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة.

أراد الخلفاء في السابق وبعض المتعصبين اليوم محو هذهِ الحادثة من ذاکرة التاريخ، ولکن هيهات فتأصلها في التاريخ أکبر واوسع من أن يمحى.

وستجد في هذا الکراس مصادر وحقائق دامغة، وتتساءل متعجباً: إنّ مسألة بهذا العمق في التاريخ کيف يمکن تجاهلها والإعراض عنها؟!

نأمل أن يکون هذا التحليل المنطقي للأحداث التاريخية المذکور في طيّات هذا الکراس، والتي أخذت کلّها من مصادر السنة، وسيلة للتقارب بين المسلمين أکثر من ذي قبل، ونأمل أن تؤخذ الحقائق التاريخية بنظر الاعتبار والإهتمام بعد أن وضعت في الماضي في زاوية الغفلة والتجاهل.

لجنة المعارف والبحوث الاسلامية ـ قم

 

 

حديث الغدير

السند الناطق للولاية

حديث الغدير هو من الأدلة الواضحة لولاية وخلافة أميرالمؤمنين(عليه السلام) بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) حيث يتمتع بأهميّة لدى المحققين خاصة.

وللأسف نجد أنّ البعض وقعوا اسرى المسبوقات الفکرية بالنسبة إلى ولاية أميرالمؤمنين(عليه السلام)، فتارة يقبلون سند الحديث ويشککون في دلالته، واُخرى يشککون ومن دون علم بنفس السند.

ولأجل توضيح أبعاد الحديث واستجلاء مکنوناته رأينا من الضروري أن نتناول بالبحث کلا الموضوعين مع إيراد الوقائع المعتبرة:

 

البعد التاريخي للغدير:

أتّم المسلمون «حجة الوداع» في الشهر الاخير للسنة العاشرة للهجرة، وتعلموا أعمال حجّهم على يد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وعندها قرّر الرسول(صلى الله عليه وآله) التوجه نحو المدينة المنورة، وصدر فعلا الأمر بالحرکة، وعند وصول الرکب الى مدينة «رابغ»(1)(الجحفة)(2)«غدير خم» مخاطباً الرسول بهذه الآية: (يا أيّها الرّسُولُ بَلِّغْ مـا اُنزِلَ إليکَ مِنْ رَبِّکَ وَإنْ لَم تَفعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ)(3)

فلحن الآية يبين مدى أهمية وخطورة الامر الذي القي على عاتق الرسول(صلى الله عليه وآله)، والذي يعتبر مساوياً للرسالة في الأهميّة والموجب ليأس الکفار وأعداء الإسلام، وهل يوجد أمر أهمّ من تنصيب الأمير(عليه السلام) بالامامة والخلافة، أمام مرأى ومسمع من مائة ألف أو يزيدون؟

ولأجل ذلک صدر أمر بالتوقف، فمن تقدم من الرکب ارجعوه، ومن تأخر انتظروه... وهکذا حتى اجتمعوا کلهم في مکان واحد، وکان الحر شديداً، وکان الناس يتوقوه بأيديهم ويضعون الثياب تحت أرجلهم من حرارة الرمل، ونصبوا للرسول(صلى الله عليه وآله) منبراً وضلاّ تحت شجرة قائمة هناک، وأخذ الرسول(صلى الله عليه وآله) بايراد الخطبة بصوت جهوري، وخلاصتها:

 

خطبة الرسول (ص) في غدير خم:

فبعد أن حمد الله تعالى واثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة ونعى إلى الاُمة نفسه، قال:

«أَيّها الناس إنّي قد دعيت ويوشک أن اُجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهرکم و إنّي تارک فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا کيف تخلفوني فيهما فانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

ثم قال: إنّ الله مولاي وأنا ولي کلّ مؤمن ومؤمنة.

وأخذ بيد علي(عليه السلام) وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: «من کنت مولاه فهذا علي مولاه(عليه السلام)(4) اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه واحب من احبّه وابغض من ابغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه حيث دار»(5).

وعند النظر الى کل کلمة من کلمات الخطبة(6)(عليه السلام) (سنورد شرح هذا الکلام قريباً إن شاء الله)

 

خلود قصّة الغدير:

تعلّقت مشيئة الباري تعالى الحکيمة بتخليد هذهِ الذکرى في کل العصور والازمان، وهي حادثة حضرت بأحرف من نور في القلوب المسلمين ولا تخلو کتب التفسير والتاريخ والحديث والکلام في کل عصر وزمان من تلک الواقعة، وقد تحدث بها الخطباء والوعّاظ في مجالسهم، فهي من الفضائل المسلّمة لأميرالمؤمنين(عليه السلام)، بل تعدت إلى الشعراء حيث صارت هذه الواقعة منهلاً يسترفدون منه قصائدهم ويروون منه أفکارهم ومفاهيمهم، فکان أن سردوا فيها أبدع أشعارهم وأسمى منظوماتهم بصورة متنوعة وبلغات مختلفة (وقد ذکر العلامة الأميني(رحمهم الله) في غديره تلک الاشعار وقائليها وتراجمهم).

وبعبارة اُخرى: لا نرى واقعة وحادثة تاريخية قد تناولها الجميع من فيلسوف وکلامي ومحدّث ومفسر وخطيب وشاعر ومؤرخ سوى حادثة الغدير.

ومن العوامل المهمة في خلود الواقعة هو نزول الآيتين الشريفتين(7)

* * *

والجدير بالذکر أنه عند مراجعة التاريخ نرى أنّ يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام يوم عرف بيوم الغدير بين المسلمين. ففي معرض حديث ابن خلکان عن المستعلى بن المستنصر يقول: إنّه وفي سنة 487 للهجرة في يوم الغدير المصادف للثامن عشر من شهر ذي الحجة بايعه الناس(8)المصادف ليوم الغدير وافته المنية(9)

وقال ابو ريحان البيروني في کتاب الآثار الباقية أن عيد الغدير عيد کان يحتفل به المسلمون(10)

وليس فقط عدّ ابن خکلان وابو ريحان البيروني ذلک اليوم عيداً، بل وقد جاء ايضاً على لسان الثعالبي، وهو من علماء السنة المعروفين(11)

وجذور هذا العيد ممتدة إلى عصر الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) حيث أمر الناس من المهاجرين والانصار وأزواجهم أن يبايعوا لعلي(عليه السلام) ويهنئوه على مقام الولاية والإمامة.

قال «زيد بن الأرقم»: أوّل من بايع الإمام علي(عليه السلام) من المهاجرين هم، أبوبکر وعثمان وطلحة والزبير، واستمرت المراسم حتى الغروب(12)

* * *

 

110 من رواة الحديث:

يکفي اهميةً لهذا الحديث أن 110 من اصحاب الرسول نقلوه(13)علماء السنة رووه.

وفي القرن الثاني للهجرة والذي يسمى بعصر التابعين نقله 89 نفر من اولئک.

ورواة الحديث في القرون اللاحقة هم أيضاً من أهل السنة، و360 نفر منهم رووه في کتبهم واعترفوا بصحة سند الحديث، ولم يکتفوا بنقل الحديث فقط، بل الّفوا کتباً مستقلة في صحة اسناده.

والعجيب في الأمر أن المؤرخ الاسلامي الکبير وهو «الطبري» الّف کتاباً باسم «الولاية في طرق حديث الغدير» ونقله عن الرسول(صلى الله عليه وآله) من 75 طريقاً.

ونقله ابن عقد الکوفي في رسالة الولاية عن 105 راوي ونقله ابوبکر محمد بن عمر البغدادي المعروف بالجمعاني عن 25 طريق.

* * *

من مشاهير اهل السنة:

احمد بن حنبل الشيباني.

ابن حجر العسقلاني.

الجرزى الشافعي.

ابو سعيد السجستاني.

أمير محمد اليمني.

النسائي.

ابو العلاء الحمداني.

وابو العرفان الحبان.

وقد نقلوا هذا الحديث بطرق عديدة(14)

ونقله الشيعة ايضاً والّفوا فيه الکتب القيّمة، واهم وأجمع تلک الکتب هو کتاب «الغدير» التاريخي للعلامة المجاهد المرحوم آية الله الأميني(قدس سره)، وقد استفدنا في کتابة هذا الفصل من ذلک الکتاب غاية الاستفادة.

وعلى أية حال، فبعد أن نصب الرسول(صلى الله عليه وآله) الامير(عليه السلام) نزلت آية: (اليوم اکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً)(15)

وبعدها ارتفعت الاصوات بالتکبير، وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): «اجلس في خيمة کي يبايعک الناس ووجوه القوم» وقد بادر ابوبکر وعمر بالبيعة له قبل الجميع.

وجاء حسّان بن ثابت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أتأذن لي أن أقول في هذه المقام يرضاه الله؟ فقال له: قل يا حسّان على اسم الله، فوقف على نشز من الأرض وتطاول المسلون لسماع کلامه فأنشأ يقول:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخم وأسمِع بالرسول منادياً

وقال فمن مولاکم ووليکم؟

فقالوا ولم يبدو هناک التعادياً

إلهک مولانا وأنت ولينا

ولن تجدن منّا لک اليوم عاصيت

فقال له قم يا علي فانني

رضيتک من بعدي اماماً وهادياً

فمن کنت مولاه فهذا وليه

فکونوا له اتباع صدق مواليا

هناک دعا، اللّهم والى وليّه

وکن للذي عادى عليّاً معادياً(16)(عليه السلام) على باقي الصحابة.

وعند موت الخليفة الثاني وعند انعقاد مجلس الشورى لتعيين الخليفة بعده احتج امير المؤمنين(عليه السلام) بحديث الغدير(17)(18)

هذا وکثير من الشخصيات الکبيرة تحدثوا به من موقع الاستدلال مثل الزهراء(عليها السلام) حيث کانت تستدل به دائماً أمام مرأى ومسمع المخالفين، وتشيد بمقام الإمام علي(عليه السلام)(19)

 

ما المقصود من کلمة مولى؟

المسألة المهمة هنا هو تفسير کلمة «مولى»، فإنّها على وضوحها اسائوا الاستفادة منها، وبعد أن لم يجدوا طريقاً ولم يستطيعوا للتشکيک بالسند تحرکوا على مستوى التشکيک في مفهوم الحديث ودلالته، وخاصة کلمة «مولى» ولکنّهم رغم ذلک لم يحققوا نتيجة.

کلمة «مولى» وبکل طراحة لا تحمل في اغلب المواضع إلاّ معنى واحد، وهو الأولوية والجدارة، وبعبارة اُخرى: «الرئاسة»، وجاء في القرآن لفظ «المولى» بمعنى الرئيس أو المدير أو الأولى.

وجاءت کلمة «مولى» في 18 آية في القرآن الکريم، وعشرة منها تعبر عن مولوية الباري تعالى ولم تأت بمعنى الصديق إلاّ في موارد قليلة جدّاً.

ولذلک لا يمکن الشک في أن کلمة المولى هي بالدرجة الاُؤلى بمعنى الأولى والاجدر، ولم تأت في حديث الغدير إلاّ في هذا المعنى، والشواهد والقرائن کلها تشير الى ذلک المعنى.

* * *

أدلة تؤيد المدعى:

لنفرض انه يوجد لکلمة «مولى» معان متعددة، ولکن القرائن وشواهد الحال التي اکتنفت الحدث يوم الغدير التاريخي ترفع کل ابهام وشبهة، وتُتم الحجة على کل أحد:

 

الشاهد الأول:

نرى حسّان شاعر الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) وبعد اخذ الرخصة من الرسول(صلى الله عليه وآله)قال:

 

فقال له قم يا علي فانني

رضيتک من بعدي اماماً وهادياً(20)

 

لم يستفد حسّان من لفظ المولى غير معنى الإمامة والقيادة والهداية، والحال أنّه يعتبر من أهل اللغة ومن فصحاء العرب ولولا أنّ الشواهد والقرائن لم تفد الاّ ذلک المعنى لما تجرأ حسان لأن يقول ما قال. ولأشکل عليه باقي العرب وعابه باقي الشعراء.

* * *

 

الشاهد الثاني:

ما کتبه الأمير(عليه السلام) في اشعاره لمعاوية حيث قال:

وأوجب لي ولايته عليکم

رسول الله يوم غدير خُمٍّ(21)

فهل يوجد شخص افضل من الإمام(عليه السلام) يفسر لنا ما هو المقصود من کلمة مولى في الشعر اعلاه، ولم يستفاد منها الاّ الزعامة والقيادة؟.

* * *

 

الشاهد الثالث:

قبل أن يقول الرسول(صلى الله عليه وآله) کلمته المبارکة والشهيرة سأل الحاضرين: «ألستُ اولى بکم من انفسکم»؟ وبعد ما أخذ الإقرار بذلک من الناس قال: «من کنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه...»

فما فائدة هذا التقارن والتوالي؟ وهل هو إلاّ لکي يثبت له ذلک المقام الرفيع الثابت للنبي(صلى الله عليه وآله) بنص القرآن؟ مع فارق مقام النبوة للنبي والإمامة لعلي، ويکون معنى الحديث أنّ کلّ من أکون أولى من نفسه فعلي أولى به من نفسه(22)ويتحاشى القرينة المذکورة التي لا تخفى الاّ على المعاند الذي لا يريد أن يرى الحق والنور.

* * *

 

الشاهد الرابع:

ثم إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذ الاقرار من الناس بالاُصول العقائدية الثلاثة، حيث قال لهم:

«الستُم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق».

فما هو الهدف من أخذ هذا الإقرار؟ وهل هو إلاّ لتنبيه الناس وتهيئة الأرضية لهم لما سيثبته فيما بعد لإبن عمه وأخيه وأن ولايته کباقي الاصول الاسلامية الدينية الثلاثة؟ فإذا کان المقصود من کلمة المولى الصديق والناصر، فلن يعود للکلام معنى، وسوف تتناثر المعاني في الجمل کلها.

* * *

 

الشاهد الخامس:

تنبّأ الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) بقرب حلول أجله في بداية الخطبة فقال:

«اني اوشک أن ادعى فاجيب»(23).

وهذه العبارة تحکي أنّه(صلى الله عليه وآله) کان يريد بذلک تعيين الخليفة من بعده، بحيث يمکنه أن يسد الثغرة التي ستحدث بموته(صلى الله عليه وآله)، ويجب أن يکون کفواً لذلک المنصب والمقام، ولا تحتمل معنى آخر، وإذا ما فسرناها بغير الخلافة فستنتفى العلاقة المنطقية في کلام الرسول(صلى الله عليه وآله)، والحال أنّه(صلى الله عليه وآله) افصح وابلغ من نطق بالضاد، وهل هناک قرينة أقوى من هذه؟

* * *

 

الشاهد السادس:

الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد جملة «من کنت مولاه.....» قال: «الله اکبر على اکمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي».

فاذا کان المراد هو اعلان المحبة لواحد من المسلمين، فکيف يمکن من أثبات المودة لعلي(عليه السلام) ونصرته، اکمال الدين واتمام النعمة؟ والأوضح من ذلک أنّه(صلى الله عليه وآله)قال: «رضى الربّ برسالتى والولاية لعلي من بعدي»

فهل يبقى شک في أن المقصود من کلمة «الولي» هو معنى الخلافة؟(24)

 

الشاهد السابع:

الشاهد الأقوى هو تهنئة الشيخين (أبي بکر وعمر) وجمع غفير من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) للإمام علي(عليه السلام) بعد نزول النبي(صلى الله عليه وآله) عملية التهنئة إلى وقت الغروب، وکان الشيخان من أول من بادر إلى التهنئة، حيث قالا له:

«هنيئاً لک يا علي ابن ابي طالب اصبحت وامسيت مولاي ومولى کل مؤمن ومؤمنة»(25)

فأي مقام ناله علي(عليه السلام) في ذلک اليوم حتى يستحق من الشيخين ذلک التبريک؟ وهل هو الاّ الزعامة والخلافة والقيادة للامة، لانها لم تکن قد بلّغت للناس بشکل رسمي، وأوصلها الرسول(صلى الله عليه وآله) في ذلک اليوم؟ وإلاّ فان المحبة لم تکن شيئاً جديداً تستحق التهنئة.

* * *

الشاهد الثامن:

إذا کان المقصود من کل تلک الامور مما ذکر سابقاً هو تبيين محبة الناس للإمام علي(عليه السلام) فلا يلزم طرح هذه المسألة في ذلک الهواء الحار والمناخ المحرق (بأن يتوقف مسير الرکب المکوّن من مائة ألف نفر، ويجلس الناس لإستماع خطبة طويلة في هذا الهؤاء الحار على أرض الصحراء المحرقة).

وما الداعي للتکرار؟ ألم يذکر القرآن الکريم: (إنّما المُؤمِنُونَ إخوة)(26)(عليه السلام)من المؤمنين کما ذکر مراراً وتکرار، فلم تکن حاجة لتلک المقدمات الصعبة، وکان بالإمکان طرح هذه المسألة في المدينة، کل ذلک يشير بصورة قاطعة إلى وجود أمر أهمّ وأکبر خطورة من ذکر مسألة الصداقة والعلاقة الحميمة.

* * *

 

لنجلس الآن للتحکيم:

بعد کل ما تقدم من الشواهد والقرائن هل يبقى شک في أن مقصود النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) هو الخلافة والولاية المطلقة على المسلمين؟ وکيف يغالط نفسه من يشک في ذلک؟ وبم يلاقي ربّه من ينکر تلک الامور؟

من المسلّم أنّ المسلمين إذا ترکوا التعصب والرسوبات الفکرية، وشرعوا في دراسة حديث الغدير بنظرة جديدة، فسوف يصلون إلى نتائج مطلوبة مما سيکون سبباً في اتحاد المسلمين اکثر واکثر.

 

* * *

 

سؤال:

يقولون أن رئيس الجمهورية المحترم في احدى الخطب الإنتخابية فسرّ کلمة «المولى» بمعنى المحب، فما تقولون في ذلک رغم کونه من الروحانيين؟

 

الجواب:

کلاّ; لأنه صرّح بعد ذلک مباشرة في اليوم 23 لشهر خرداد سنة 1380 هجري شمسي، ونشر في کثير من الصحف فقال:

ـ أود الاشارة إلى أن ما ذکرته حول قصة الغدير واکرر أن المحبة لها مکانها الخاص في الدين الاسلامي وأن المقصود من کلمة: «من کنت مولاه فهذا علي مولاه» وبالتوجه لخصوصيات الزمان والمکان والبيعة التي اخذت للإمام علي(عليه السلام)، قطعاً هي الإمامة والولاية لامور المسلمين حيث قبلت من الجميع وخصوصاً الصحابة الأوائل، فاختيار کلمة المولى من قبل الرسول(صلى الله عليه وآله) فيها عناية خاصة، لأنّه کان بالامکان الاستفادة من کلمة القائد والسلطان والامير وما شابه ذلک، لکن کلمة «المولى» علاوة على القيادة والامامة فهي تشمل معنى المحبة والرأفة، وهي من اسس الدين الإسلامي، وشعبنا اليوم يحتاج للحرية والتقدم المتوائم مع المعنوية والاخلاق الحسنة.

والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته

لجنة المعارف والأبحاث الاسلامية شهر 9 / 1380

المصادف لشهر رمضان المبارک 1422 هـ. قمري

 

ثلاثة احاديث لها معنى:

وفي الختام نذکر ثلاثة أحاديث نبوية عميقة المغزى:

 

1 ـ الحق مع من؟

عن اُم سلمة وعائشة قالتا: سمعنا من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول:

«علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

ذکر هذا الحديث في کثير من مصادر اهل السنة، ونقله العلاّمة الأميني عن تلک المصادر بدقة بالغة في المجلد الثالث من کتابه الغدير(27)

قال الفخر الرازي المفسر الکبير في ذيل تفسير سورة الحمد:

إن علي(عليه السلام) کان يجهر بذکر: «بسم الله الرحمن الرحيم» وهو متواتر، وکل من يقتدي بعلي فقد هدي الى صراط مستقيم، لأن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) قال: «اللهم أدر الحق مع علي حيث دار»(28).

* * *

 

2 ـ المؤاخاة:

نقل هذا الحديث صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) المعروفين، حيث قالوا:

«آخى رسول الله(صلى الله عليه وآله)بين اصحابه فآخى بين ابي بکر وعمر وفلان وفلان فجاء علي(رضي الله عنه)فقال: آخيت بين اصحابک ولم تواخ بيني وبين أحد؟ فقال رسول الله: أنت أخي في الدنيا والآخرة».

وجاء هذا المضمون مع تعبيرات مشابهه في 49 مورد وکلّها من مستقاة من مصادر أهل السنة(29)

ألا تعتبر المؤاخاة بين النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام) دليلاً على أفضليته في کل شيء على سائر الأمة؟ وهل مع وجود الأفضل يحق للمسلم أن يتخطاه إلى غيره؟

* * *

3 ـ الطريق الوحيد للنجاة:

قال أبوذر(رحمهم الله) وهو ممسک بباب الکعبة بأعلى صوته:

«من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبوذر سمعت النبي(صلى الله عليه وآله)يقول: مثل أهل بيتي فيکم کسفينة نوح من رکبها نجى ومن تخلف عنها غرق».

مصادر هذا الحديث کثيرة جداً(30)(عليه السلام)؟

وبناءاً على ما جاء في الحديث، هل تبقى وسيلة للنجاة الا التمسک بآل البيت(عليهم السلام)؟

 


1 ـ «رابغ» تقع بين مکة والمدينة.

2 ـ أحد أماکن الإحرام وکانت في السابق تنشعب طرق أهل المدينة ومصر والعراق من هنا.

3 ـ المائدة، الآية 67.

4 ـ کرر النبي الأعطم(صلى الله عليه وآله) هذه الجملة ثلاث مرات ليطمئن قبله.

5 ـ مسند ابن حنبل: ج1، ص254; تاريخ دمشق: ج42، ص207 و 208، 448; خصائص النسائي: ص181; المعجم الکبير: ج17، ص39; سنن الترمذي: ج5، ص633; المستدرک على الصحيحين: ج13، ص135; المعجم الأوسط: ج6، ص95; مسن أبي يعلي: ج1، ص280; المحاسن والمساوىء: ص41; مناقب الخوارزمي: ص104; وکتب اُخر.

6 ـ نقل هذه الخطبة جماعة کثيرة من أشهر علماء أهل السنة في کتبهم، منها:

مسند أحمد: ج1، ص84، 88، 118، 119، 152، 281، 331، 332، 370; سنن ابن ماجة: ج1، ص55، 58; المستدرک على الصحيحين للحاکم النيسابوري: ج3، ص118 و 613; سنن الترمذي: ج5، ص633; فتح الباري: ج9، ص74; تاريخ الخطيب البغدادي: ج8، ص290; تاريخ الخلفاء والسيوطي، ص114 وکتب اُخر.

7 ـ المائدة: الآية 3 و 67.

8 ـ وفيات الأعيان: ج1، ص60.

9 ـ وفيات الأعيان: ج2، ص223.

10 ـ ترجمة الآثار الباقية: ص395; الغدير: ج1، ص267.

11 ـ ثمار القلوب: ص511.

12 ـ وردت تهنئة عمر بن الخطاب في مصادر کثيرة من أهل السنة منها:

مسند ابن حنبل: ج6، ص401; البداية والنهاية: ج5، ص209; الفصول المهمّة لابن الصباغ: ص40; فرائد السمطين: ج1، ص71; وکذلک تهنئة ابوبکر، عمر، عثمان، طلحة، الزبير، والآخرين في کتب عديدة منها:

مناقب علي بن أبي طالب، تأليف أحمد بن محمد الطبري (الغدير: ج1، ص270).

13 ـ تأتي منابع هذه المصادر في مکان واحد.

14 ـ يوجد مجموع هذه الاسناد في السفر الجليل «الغدير»، حيث اُخذت بصورة عامة عن مصادر معروفة للعامة.

15 ـ المائدة: الآية 3.

16 ـ وردت أبيات حسان بن ثابت في مصادر عديدة منها:

مناقب الخوارزمي: ص135; مقتل الحسين للخوارزمي: ج1، ص47; فرائد السمطين: ج1، ص73 و 74; النور المشتعل: ص56; المناقب للکوثر: ج1، ص118 و 362.

 17 ـ ذُکر هذا الاحتجاج في کتب: مناقب الاخطب للخوارزمي الحنفي: ص217; فرائد السمطين للحموني، باب 58; الدر النظيم لابن حاتم الشامي، الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني، ص75; الامالي لابن عقدة: ص7 و 212; شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2، ص61; الاستيعاب لابن عبد البر: ج3، ص35; تفسير الطبري: ج3، ص418; في ذيل الآية 55 من سورة المائدة.

18 ـ فرائد السمطين: سمط الاول، باب 58; شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص362; اسد الغابة: ج3، ص307; و ج5، ص205; الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج2، ص408، و ج4، ص80; مسند أحمد: ج1، ص84 و88; البداية والنهاية لابن کثى الشامي: ج5، ص210، ج7، ص348; مجمع الزوائد الهيثمي: ج9، ص106; ذخائر العقبى: ص67 و... (الغدير: ج1، ص163 و 164).

19 ـ اسنى المطالب لشمس الدين الشافعي، حسب نقل السخاوي في الضوء اللامع: ج9، ص256; البدر الطالع الشوکاني: ج2، ص297; شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2، ص273; مناقب العلاّمة الحنفي: ص130; بلاغات النساء: ص72; العقد الفريد: ج1، ص162; صبح الاعشى: ج1، ص259; مروج الذهب لابن مسعودالشافعي: ج2، ص49; ينابيبع المودة: ص484.

20 ـ ذکرنا آنفاً مصادر اشعار حسان بن ثابت.

21 ـ نقل العلاّمة الأميني(قدس سره) هذا الشعر في کتاب الغدير، ج2، ص25 ـ 3 مع ضميمة ابيات اُخرى عن 11 عالماً شيعياً و26 عالماً سنيّاً.

22 ـ نقل العلاّمة الأميني(قدس سره) جملة «ألست أولى بکم من أنفسکم» من 64 محدّثاً ومؤرخاً إسلامياً، راجع ج1، ص371 من الغدير.

23 ـ براجع الغدير: ج1، ص26، 27، 30، 32، 33، 34، 36، 47، 176، وورد سند هذا المطلب في مصادر أهل السنة مثل: صحيح الترمذي: ج2، ص298; الفصول المهمة لابن الصباغ: ص45; المناقب الثلاثة الحافظ أبي الفتوح: ص19; البداية والنهاية لابن الکثير: ج5، ص209، ج7، ص348; الصواعق المحرقة: ص25; الزوائد الهيثمي: ج9، ص165 و....

24 ـ وذکر المرحوم العلاّمة الأميني هذه الجانب من الحديث في: ج1، ص43، 165، 231، 233، 235، مثل: الولاية لانب جرير الطبري: ص310; تفسير ابن الکثير: ج2، ص14; تفسير الدر المنثور: ج2، ص259; الاتقان: ج1، ص31; مفتاح النجاح البدخشي: ص220; ما نزل من القران في علي: أبو نعيم الاصفهاني; تاريخ الخطيب البغدادي: ج4، ص290; مناقب الخوارزمي: ص80; الخصائص العلوية ابو الفتح النطنزي: ص43; التذکرة لسبط بن الجوزي: ص18; فرائد السمطين: باب 12.

25 ـ للاطلاع على اسانيد تهنئة الشيخين راجع الغدير: ج1، ص270، 283; وقد ذکر آنفاً مصادر هذا الحديثو

26 ـ الحجرات: الآية 10.

27 ـ نقل هذا الحديث محمد بن أبي بکر وأبوذر وأبو سعيد الخدري وجماعة آخرين عن النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) (راجع المجلد الثالث من کتاب الغدير).

28 ـ التفسير الکبير: ج1، ص205.

29 ـ نقل العلاّمة الأميني(قدس سره) جميع هذه الأحاديث الخمسين بصورة دقيقة في المجلد الثالث من الغدير.

30 ـ المستدرک للحاکم: ج2، ص150 مطبعة حيدر آباد، ونقله على الأقل 30 مصدراً من المصادر المعروفة لأهل السنة.

پایگاه اطلاع رسانی دفتر مرجع عالیقدر حضرت آیت الله العظمی مکارم شیرازی
سامانه پاسخگویی برخط(آنلاین) به سوالات شرعی و اعتقادی مقلدان حضرت آیت الله العظمی مکارم شیرازی
تارنمای پاسخگویی به احکام شرعی و مسائل فقهی
انتشارات امام علی علیه السلام
موسسه دارالإعلام لمدرسة اهل البیت (علیهم السلام)
خبرگزاری دفتر آیت الله العظمی مکارم شیرازی

الإمامُ علىٌّ(عليه السلام)

مَن عَمَّر دارَ إقامتِهِ فَهُوَ العاقلُ

کسى که خانه ماندگارى خود را آباد سازد، خردمند است

ميزان الحکمه، جلد 1، ص 54