حديث الغدير
سند الولاية الناطق
لجنة المعارف والأبحاث الإسلامية ـ قم
هجوم غير معهود:
في الأيام الأخيرة ونتيجةً لسياسية الانفتاح المتبعة الآن في البلد، قامت مجموعة من المولويين من أهل السنة في جنوب البلاد، وخرقاً لتعهدهم للوحدة القائمة بيننا، بالتعرض لعقائد الشيعة ـ وهو المذهب الرسمي للدولة ـ بمقالة (اسطورة شهادة الزهراء(عليها السلام)) والتي نشرت في مجلة (نداء الاسلام) وباجازة من وزارة الإرشاد، وقد أوردنا عليهم ردّاً قاطعاً.
ومرّة اُخرى أعادت الکرة تلک الجماعة نفسها في التعرض لعقائدنا وتناولت هذه المرّة (حديث الغدير)، وهي بعيدة عن الواقعية کل البعد، وبعيدة عمّا هو موجود في کتب التاريخ والسيرة والحديث، مما دعانا لإيراد حيث الغدير بشکل مختصر وشفاف مدعوماً بالحقائق، ولکننا نتسائل: إلى متى الصبر على هذهِ التخرصات ضدنا؟ وإلى متى السکوت؟
مقدمة:
کلنا سمعنا باسم الغدير، وهي أرض تقع بين مکة والمدينة بالقرب من «الجحفة» والتي تبعد 200 کيلومتر عن مکة، وهي في الواقع مفترق طرق يصل اليها الحجاج بعد اتمامهم لمناسکهم، وکل يتوجه إلى بلده:
فطريق يتوجه إلى المدينة باتجاه الشمال
وآخر يذهب إلى العراق باتجاه الشرق
وطريق يذهب إلى مصر باتجاه الغرب
وطريق يذهب إلى اليمن باتجاه الجنوب
وهذهِ الأرض هي اليوم أرض قفراء، ولکنها شهدت حادثة من أهم حوادث التاريخ الإسلامي، وهي تنصيب الإمام علي(عليه السلام) في الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة.
أراد الخلفاء في السابق وبعض المتعصبين اليوم محو هذهِ الحادثة من ذاکرة التاريخ، ولکن هيهات فتأصلها في التاريخ أکبر واوسع من أن يمحى.
وستجد في هذا الکراس مصادر وحقائق دامغة، وتتساءل متعجباً: إنّ مسألة بهذا العمق في التاريخ کيف يمکن تجاهلها والإعراض عنها؟!
نأمل أن يکون هذا التحليل المنطقي للأحداث التاريخية المذکور في طيّات هذا الکراس، والتي أخذت کلّها من مصادر السنة، وسيلة للتقارب بين المسلمين أکثر من ذي قبل، ونأمل أن تؤخذ الحقائق التاريخية بنظر الاعتبار والإهتمام بعد أن وضعت في الماضي في زاوية الغفلة والتجاهل.
لجنة المعارف والبحوث الاسلامية ـ قم
حديث الغدير
السند الناطق للولاية
حديث الغدير هو من الأدلة الواضحة لولاية وخلافة أميرالمؤمنين(عليه السلام) بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) حيث يتمتع بأهميّة لدى المحققين خاصة.
وللأسف نجد أنّ البعض وقعوا اسرى المسبوقات الفکرية بالنسبة إلى ولاية أميرالمؤمنين(عليه السلام)، فتارة يقبلون سند الحديث ويشککون في دلالته، واُخرى يشککون ومن دون علم بنفس السند.
ولأجل توضيح أبعاد الحديث واستجلاء مکنوناته رأينا من الضروري أن نتناول بالبحث کلا الموضوعين مع إيراد الوقائع المعتبرة:
البعد التاريخي للغدير:
أتّم المسلمون «حجة الوداع» في الشهر الاخير للسنة العاشرة للهجرة، وتعلموا أعمال حجّهم على يد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وعندها قرّر الرسول(صلى الله عليه وآله) التوجه نحو المدينة المنورة، وصدر فعلا الأمر بالحرکة، وعند وصول الرکب الى مدينة «رابغ»(1)(الجحفة)(2)«غدير خم» مخاطباً الرسول بهذه الآية: (يا أيّها الرّسُولُ بَلِّغْ مـا اُنزِلَ إليکَ مِنْ رَبِّکَ وَإنْ لَم تَفعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ)(3)
فلحن الآية يبين مدى أهمية وخطورة الامر الذي القي على عاتق الرسول(صلى الله عليه وآله)، والذي يعتبر مساوياً للرسالة في الأهميّة والموجب ليأس الکفار وأعداء الإسلام، وهل يوجد أمر أهمّ من تنصيب الأمير(عليه السلام) بالامامة والخلافة، أمام مرأى ومسمع من مائة ألف أو يزيدون؟
ولأجل ذلک صدر أمر بالتوقف، فمن تقدم من الرکب ارجعوه، ومن تأخر انتظروه... وهکذا حتى اجتمعوا کلهم في مکان واحد، وکان الحر شديداً، وکان الناس يتوقوه بأيديهم ويضعون الثياب تحت أرجلهم من حرارة الرمل، ونصبوا للرسول(صلى الله عليه وآله) منبراً وضلاّ تحت شجرة قائمة هناک، وأخذ الرسول(صلى الله عليه وآله) بايراد الخطبة بصوت جهوري، وخلاصتها:
خطبة الرسول (ص) في غدير خم:
فبعد أن حمد الله تعالى واثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة ونعى إلى الاُمة نفسه، قال:
«أَيّها الناس إنّي قد دعيت ويوشک أن اُجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهرکم و إنّي تارک فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا کيف تخلفوني فيهما فانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
ثم قال: إنّ الله مولاي وأنا ولي کلّ مؤمن ومؤمنة.
وأخذ بيد علي(عليه السلام) وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: «من کنت مولاه فهذا علي مولاه(عليه السلام)(4) اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه واحب من احبّه وابغض من ابغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه حيث دار»(5).
وعند النظر الى کل کلمة من کلمات الخطبة(6)(عليه السلام) (سنورد شرح هذا الکلام قريباً إن شاء الله)
خلود قصّة الغدير:
تعلّقت مشيئة الباري تعالى الحکيمة بتخليد هذهِ الذکرى في کل العصور والازمان، وهي حادثة حضرت بأحرف من نور في القلوب المسلمين ولا تخلو کتب التفسير والتاريخ والحديث والکلام في کل عصر وزمان من تلک الواقعة، وقد تحدث بها الخطباء والوعّاظ في مجالسهم، فهي من الفضائل المسلّمة لأميرالمؤمنين(عليه السلام)، بل تعدت إلى الشعراء حيث صارت هذه الواقعة منهلاً يسترفدون منه قصائدهم ويروون منه أفکارهم ومفاهيمهم، فکان أن سردوا فيها أبدع أشعارهم وأسمى منظوماتهم بصورة متنوعة وبلغات مختلفة (وقد ذکر العلامة الأميني(رحمهم الله) في غديره تلک الاشعار وقائليها وتراجمهم).
وبعبارة اُخرى: لا نرى واقعة وحادثة تاريخية قد تناولها الجميع من فيلسوف وکلامي ومحدّث ومفسر وخطيب وشاعر ومؤرخ سوى حادثة الغدير.
ومن العوامل المهمة في خلود الواقعة هو نزول الآيتين الشريفتين(7)
* * *
والجدير بالذکر أنه عند مراجعة التاريخ نرى أنّ يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام يوم عرف بيوم الغدير بين المسلمين. ففي معرض حديث ابن خلکان عن المستعلى بن المستنصر يقول: إنّه وفي سنة 487 للهجرة في يوم الغدير المصادف للثامن عشر من شهر ذي الحجة بايعه الناس(8)المصادف ليوم الغدير وافته المنية(9)
وقال ابو ريحان البيروني في کتاب الآثار الباقية أن عيد الغدير عيد کان يحتفل به المسلمون(10)
وليس فقط عدّ ابن خکلان وابو ريحان البيروني ذلک اليوم عيداً، بل وقد جاء ايضاً على لسان الثعالبي، وهو من علماء السنة المعروفين(11)
وجذور هذا العيد ممتدة إلى عصر الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) حيث أمر الناس من المهاجرين والانصار وأزواجهم أن يبايعوا لعلي(عليه السلام) ويهنئوه على مقام الولاية والإمامة.
قال «زيد بن الأرقم»: أوّل من بايع الإمام علي(عليه السلام) من المهاجرين هم، أبوبکر وعثمان وطلحة والزبير، واستمرت المراسم حتى الغروب(12)
* * *
110 من رواة الحديث:
يکفي اهميةً لهذا الحديث أن 110 من اصحاب الرسول نقلوه(13)علماء السنة رووه.
وفي القرن الثاني للهجرة والذي يسمى بعصر التابعين نقله 89 نفر من اولئک.
ورواة الحديث في القرون اللاحقة هم أيضاً من أهل السنة، و360 نفر منهم رووه في کتبهم واعترفوا بصحة سند الحديث، ولم يکتفوا بنقل الحديث فقط، بل الّفوا کتباً مستقلة في صحة اسناده.
والعجيب في الأمر أن المؤرخ الاسلامي الکبير وهو «الطبري» الّف کتاباً باسم «الولاية في طرق حديث الغدير» ونقله عن الرسول(صلى الله عليه وآله) من 75 طريقاً.
ونقله ابن عقد الکوفي في رسالة الولاية عن 105 راوي ونقله ابوبکر محمد بن عمر البغدادي المعروف بالجمعاني عن 25 طريق.
* * *
من مشاهير اهل السنة:
احمد بن حنبل الشيباني.
ابن حجر العسقلاني.
الجرزى الشافعي.
ابو سعيد السجستاني.
أمير محمد اليمني.
النسائي.
ابو العلاء الحمداني.
وابو العرفان الحبان.
وقد نقلوا هذا الحديث بطرق عديدة(14)
ونقله الشيعة ايضاً والّفوا فيه الکتب القيّمة، واهم وأجمع تلک الکتب هو کتاب «الغدير» التاريخي للعلامة المجاهد المرحوم آية الله الأميني(قدس سره)، وقد استفدنا في کتابة هذا الفصل من ذلک الکتاب غاية الاستفادة.
وعلى أية حال، فبعد أن نصب الرسول(صلى الله عليه وآله) الامير(عليه السلام) نزلت آية: (اليوم اکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً)(15)
وبعدها ارتفعت الاصوات بالتکبير، وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): «اجلس في خيمة کي يبايعک الناس ووجوه القوم» وقد بادر ابوبکر وعمر بالبيعة له قبل الجميع.
وجاء حسّان بن ثابت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أتأذن لي أن أقول في هذه المقام يرضاه الله؟ فقال له: قل يا حسّان على اسم الله، فوقف على نشز من الأرض وتطاول المسلون لسماع کلامه فأنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخم وأسمِع بالرسول منادياً
وقال فمن مولاکم ووليکم؟
فقالوا ولم يبدو هناک التعادياً
إلهک مولانا وأنت ولينا
ولن تجدن منّا لک اليوم عاصيت
فقال له قم يا علي فانني
رضيتک من بعدي اماماً وهادياً
فمن کنت مولاه فهذا وليه
فکونوا له اتباع صدق مواليا
هناک دعا، اللّهم والى وليّه
وکن للذي عادى عليّاً معادياً(16)(عليه السلام) على باقي الصحابة.
وعند موت الخليفة الثاني وعند انعقاد مجلس الشورى لتعيين الخليفة بعده احتج امير المؤمنين(عليه السلام) بحديث الغدير(17)(18)
هذا وکثير من الشخصيات الکبيرة تحدثوا به من موقع الاستدلال مثل الزهراء(عليها السلام) حيث کانت تستدل به دائماً أمام مرأى ومسمع المخالفين، وتشيد بمقام الإمام علي(عليه السلام)(19)
ما المقصود من کلمة مولى؟
المسألة المهمة هنا هو تفسير کلمة «مولى»، فإنّها على وضوحها اسائوا الاستفادة منها، وبعد أن لم يجدوا طريقاً ولم يستطيعوا للتشکيک بالسند تحرکوا على مستوى التشکيک في مفهوم الحديث ودلالته، وخاصة کلمة «مولى» ولکنّهم رغم ذلک لم يحققوا نتيجة.
کلمة «مولى» وبکل طراحة لا تحمل في اغلب المواضع إلاّ معنى واحد، وهو الأولوية والجدارة، وبعبارة اُخرى: «الرئاسة»، وجاء في القرآن لفظ «المولى» بمعنى الرئيس أو المدير أو الأولى.
وجاءت کلمة «مولى» في 18 آية في القرآن الکريم، وعشرة منها تعبر عن مولوية الباري تعالى ولم تأت بمعنى الصديق إلاّ في موارد قليلة جدّاً.
ولذلک لا يمکن الشک في أن کلمة المولى هي بالدرجة الاُؤلى بمعنى الأولى والاجدر، ولم تأت في حديث الغدير إلاّ في هذا المعنى، والشواهد والقرائن کلها تشير الى ذلک المعنى.
* * *
أدلة تؤيد المدعى:
لنفرض انه يوجد لکلمة «مولى» معان متعددة، ولکن القرائن وشواهد الحال التي اکتنفت الحدث يوم الغدير التاريخي ترفع کل ابهام وشبهة، وتُتم الحجة على کل أحد:
الشاهد الأول:
نرى حسّان شاعر الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) وبعد اخذ الرخصة من الرسول(صلى الله عليه وآله)قال:
فقال له قم يا علي فانني
رضيتک من بعدي اماماً وهادياً(20)
لم يستفد حسّان من لفظ المولى غير معنى الإمامة والقيادة والهداية، والحال أنّه يعتبر من أهل اللغة ومن فصحاء العرب ولولا أنّ الشواهد والقرائن لم تفد الاّ ذلک المعنى لما تجرأ حسان لأن يقول ما قال. ولأشکل عليه باقي العرب وعابه باقي الشعراء.
* * *
الشاهد الثاني:
ما کتبه الأمير(عليه السلام) في اشعاره لمعاوية حيث قال:
وأوجب لي ولايته عليکم
رسول الله يوم غدير خُمٍّ(21)
فهل يوجد شخص افضل من الإمام(عليه السلام) يفسر لنا ما هو المقصود من کلمة مولى في الشعر اعلاه، ولم يستفاد منها الاّ الزعامة والقيادة؟.
* * *
الشاهد الثالث:
قبل أن يقول الرسول(صلى الله عليه وآله) کلمته المبارکة والشهيرة سأل الحاضرين: «ألستُ اولى بکم من انفسکم»؟ وبعد ما أخذ الإقرار بذلک من الناس قال: «من کنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه...»
فما فائدة هذا التقارن والتوالي؟ وهل هو إلاّ لکي يثبت له ذلک المقام الرفيع الثابت للنبي(صلى الله عليه وآله) بنص القرآن؟ مع فارق مقام النبوة للنبي والإمامة لعلي، ويکون معنى الحديث أنّ کلّ من أکون أولى من نفسه فعلي أولى به من نفسه(22)ويتحاشى القرينة المذکورة التي لا تخفى الاّ على المعاند الذي لا يريد أن يرى الحق والنور.
* * *
الشاهد الرابع:
ثم إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذ الاقرار من الناس بالاُصول العقائدية الثلاثة، حيث قال لهم:
«الستُم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق».
فما هو الهدف من أخذ هذا الإقرار؟ وهل هو إلاّ لتنبيه الناس وتهيئة الأرضية لهم لما سيثبته فيما بعد لإبن عمه وأخيه وأن ولايته کباقي الاصول الاسلامية الدينية الثلاثة؟ فإذا کان المقصود من کلمة المولى الصديق والناصر، فلن يعود للکلام معنى، وسوف تتناثر المعاني في الجمل کلها.
* * *
الشاهد الخامس:
تنبّأ الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) بقرب حلول أجله في بداية الخطبة فقال:
«اني اوشک أن ادعى فاجيب»(23).
وهذه العبارة تحکي أنّه(صلى الله عليه وآله) کان يريد بذلک تعيين الخليفة من بعده، بحيث يمکنه أن يسد الثغرة التي ستحدث بموته(صلى الله عليه وآله)، ويجب أن يکون کفواً لذلک المنصب والمقام، ولا تحتمل معنى آخر، وإذا ما فسرناها بغير الخلافة فستنتفى العلاقة المنطقية في کلام الرسول(صلى الله عليه وآله)، والحال أنّه(صلى الله عليه وآله) افصح وابلغ من نطق بالضاد، وهل هناک قرينة أقوى من هذه؟
* * *
الشاهد السادس:
الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد جملة «من کنت مولاه.....» قال: «الله اکبر على اکمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي».
فاذا کان المراد هو اعلان المحبة لواحد من المسلمين، فکيف يمکن من أثبات المودة لعلي(عليه السلام) ونصرته، اکمال الدين واتمام النعمة؟ والأوضح من ذلک أنّه(صلى الله عليه وآله)قال: «رضى الربّ برسالتى والولاية لعلي من بعدي»
فهل يبقى شک في أن المقصود من کلمة «الولي» هو معنى الخلافة؟(24)
الشاهد السابع:
الشاهد الأقوى هو تهنئة الشيخين (أبي بکر وعمر) وجمع غفير من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) للإمام علي(عليه السلام) بعد نزول النبي(صلى الله عليه وآله) عملية التهنئة إلى وقت الغروب، وکان الشيخان من أول من بادر إلى التهنئة، حيث قالا له:
«هنيئاً لک يا علي ابن ابي طالب اصبحت وامسيت مولاي ومولى کل مؤمن ومؤمنة»(25)
فأي مقام ناله علي(عليه السلام) في ذلک اليوم حتى يستحق من الشيخين ذلک التبريک؟ وهل هو الاّ الزعامة والخلافة والقيادة للامة، لانها لم تکن قد بلّغت للناس بشکل رسمي، وأوصلها الرسول(صلى الله عليه وآله) في ذلک اليوم؟ وإلاّ فان المحبة لم تکن شيئاً جديداً تستحق التهنئة.
* * *
الشاهد الثامن:
إذا کان المقصود من کل تلک الامور مما ذکر سابقاً هو تبيين محبة الناس للإمام علي(عليه السلام) فلا يلزم طرح هذه المسألة في ذلک الهواء الحار والمناخ المحرق (بأن يتوقف مسير الرکب المکوّن من مائة ألف نفر، ويجلس الناس لإستماع خطبة طويلة في هذا الهؤاء الحار على أرض الصحراء المحرقة).
وما الداعي للتکرار؟ ألم يذکر القرآن الکريم: (إنّما المُؤمِنُونَ إخوة)(26)(عليه السلام)من المؤمنين کما ذکر مراراً وتکرار، فلم تکن حاجة لتلک المقدمات الصعبة، وکان بالإمکان طرح هذه المسألة في المدينة، کل ذلک يشير بصورة قاطعة إلى وجود أمر أهمّ وأکبر خطورة من ذکر مسألة الصداقة والعلاقة الحميمة.
* * *
لنجلس الآن للتحکيم:
بعد کل ما تقدم من الشواهد والقرائن هل يبقى شک في أن مقصود النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) هو الخلافة والولاية المطلقة على المسلمين؟ وکيف يغالط نفسه من يشک في ذلک؟ وبم يلاقي ربّه من ينکر تلک الامور؟
من المسلّم أنّ المسلمين إذا ترکوا التعصب والرسوبات الفکرية، وشرعوا في دراسة حديث الغدير بنظرة جديدة، فسوف يصلون إلى نتائج مطلوبة مما سيکون سبباً في اتحاد المسلمين اکثر واکثر.
* * *
سؤال:
يقولون أن رئيس الجمهورية المحترم في احدى الخطب الإنتخابية فسرّ کلمة «المولى» بمعنى المحب، فما تقولون في ذلک رغم کونه من الروحانيين؟
الجواب:
کلاّ; لأنه صرّح بعد ذلک مباشرة في اليوم 23 لشهر خرداد سنة 1380 هجري شمسي، ونشر في کثير من الصحف فقال:
ـ أود الاشارة إلى أن ما ذکرته حول قصة الغدير واکرر أن المحبة لها مکانها الخاص في الدين الاسلامي وأن المقصود من کلمة: «من کنت مولاه فهذا علي مولاه» وبالتوجه لخصوصيات الزمان والمکان والبيعة التي اخذت للإمام علي(عليه السلام)، قطعاً هي الإمامة والولاية لامور المسلمين حيث قبلت من الجميع وخصوصاً الصحابة الأوائل، فاختيار کلمة المولى من قبل الرسول(صلى الله عليه وآله) فيها عناية خاصة، لأنّه کان بالامکان الاستفادة من کلمة القائد والسلطان والامير وما شابه ذلک، لکن کلمة «المولى» علاوة على القيادة والامامة فهي تشمل معنى المحبة والرأفة، وهي من اسس الدين الإسلامي، وشعبنا اليوم يحتاج للحرية والتقدم المتوائم مع المعنوية والاخلاق الحسنة.
والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته
لجنة المعارف والأبحاث الاسلامية شهر 9 / 1380
المصادف لشهر رمضان المبارک 1422 هـ. قمري
ثلاثة احاديث لها معنى:
وفي الختام نذکر ثلاثة أحاديث نبوية عميقة المغزى:
1 ـ الحق مع من؟
عن اُم سلمة وعائشة قالتا: سمعنا من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول:
«علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
ذکر هذا الحديث في کثير من مصادر اهل السنة، ونقله العلاّمة الأميني عن تلک المصادر بدقة بالغة في المجلد الثالث من کتابه الغدير(27)
قال الفخر الرازي المفسر الکبير في ذيل تفسير سورة الحمد:
إن علي(عليه السلام) کان يجهر بذکر: «بسم الله الرحمن الرحيم» وهو متواتر، وکل من يقتدي بعلي فقد هدي الى صراط مستقيم، لأن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) قال: «اللهم أدر الحق مع علي حيث دار»(28).
* * *
2 ـ المؤاخاة:
نقل هذا الحديث صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) المعروفين، حيث قالوا:
«آخى رسول الله(صلى الله عليه وآله)بين اصحابه فآخى بين ابي بکر وعمر وفلان وفلان فجاء علي(رضي الله عنه)فقال: آخيت بين اصحابک ولم تواخ بيني وبين أحد؟ فقال رسول الله: أنت أخي في الدنيا والآخرة».
وجاء هذا المضمون مع تعبيرات مشابهه في 49 مورد وکلّها من مستقاة من مصادر أهل السنة(29)
ألا تعتبر المؤاخاة بين النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام) دليلاً على أفضليته في کل شيء على سائر الأمة؟ وهل مع وجود الأفضل يحق للمسلم أن يتخطاه إلى غيره؟
* * *
3 ـ الطريق الوحيد للنجاة:
قال أبوذر(رحمهم الله) وهو ممسک بباب الکعبة بأعلى صوته:
«من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبوذر سمعت النبي(صلى الله عليه وآله)يقول: مثل أهل بيتي فيکم کسفينة نوح من رکبها نجى ومن تخلف عنها غرق».
مصادر هذا الحديث کثيرة جداً(30)(عليه السلام)؟
وبناءاً على ما جاء في الحديث، هل تبقى وسيلة للنجاة الا التمسک بآل البيت(عليهم السلام)؟
1 ـ «رابغ» تقع بين مکة والمدينة.
2 ـ أحد أماکن الإحرام وکانت في السابق تنشعب طرق أهل المدينة ومصر والعراق من هنا.
3 ـ المائدة، الآية 67.
4 ـ کرر النبي الأعطم(صلى الله عليه وآله) هذه الجملة ثلاث مرات ليطمئن قبله.
5 ـ مسند ابن حنبل: ج1، ص254; تاريخ دمشق: ج42، ص207 و 208، 448; خصائص النسائي: ص181; المعجم الکبير: ج17، ص39; سنن الترمذي: ج5، ص633; المستدرک على الصحيحين: ج13، ص135; المعجم الأوسط: ج6، ص95; مسن أبي يعلي: ج1، ص280; المحاسن والمساوىء: ص41; مناقب الخوارزمي: ص104; وکتب اُخر.
6 ـ نقل هذه الخطبة جماعة کثيرة من أشهر علماء أهل السنة في کتبهم، منها:
مسند أحمد: ج1، ص84، 88، 118، 119، 152، 281، 331، 332، 370; سنن ابن ماجة: ج1، ص55، 58; المستدرک على الصحيحين للحاکم النيسابوري: ج3، ص118 و 613; سنن الترمذي: ج5، ص633; فتح الباري: ج9، ص74; تاريخ الخطيب البغدادي: ج8، ص290; تاريخ الخلفاء والسيوطي، ص114 وکتب اُخر.
7 ـ المائدة: الآية 3 و 67.
8 ـ وفيات الأعيان: ج1، ص60.
9 ـ وفيات الأعيان: ج2، ص223.
10 ـ ترجمة الآثار الباقية: ص395; الغدير: ج1، ص267.
11 ـ ثمار القلوب: ص511.
12 ـ وردت تهنئة عمر بن الخطاب في مصادر کثيرة من أهل السنة منها:
مسند ابن حنبل: ج6، ص401; البداية والنهاية: ج5، ص209; الفصول المهمّة لابن الصباغ: ص40; فرائد السمطين: ج1، ص71; وکذلک تهنئة ابوبکر، عمر، عثمان، طلحة، الزبير، والآخرين في کتب عديدة منها:
مناقب علي بن أبي طالب، تأليف أحمد بن محمد الطبري (الغدير: ج1، ص270).
13 ـ تأتي منابع هذه المصادر في مکان واحد.
14 ـ يوجد مجموع هذه الاسناد في السفر الجليل «الغدير»، حيث اُخذت بصورة عامة عن مصادر معروفة للعامة.
15 ـ المائدة: الآية 3.
16 ـ وردت أبيات حسان بن ثابت في مصادر عديدة منها:
مناقب الخوارزمي: ص135; مقتل الحسين للخوارزمي: ج1، ص47; فرائد السمطين: ج1، ص73 و 74; النور المشتعل: ص56; المناقب للکوثر: ج1، ص118 و 362.
17 ـ ذُکر هذا الاحتجاج في کتب: مناقب الاخطب للخوارزمي الحنفي: ص217; فرائد السمطين للحموني، باب 58; الدر النظيم لابن حاتم الشامي، الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني، ص75; الامالي لابن عقدة: ص7 و 212; شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2، ص61; الاستيعاب لابن عبد البر: ج3، ص35; تفسير الطبري: ج3، ص418; في ذيل الآية 55 من سورة المائدة.
18 ـ فرائد السمطين: سمط الاول، باب 58; شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص362; اسد الغابة: ج3، ص307; و ج5، ص205; الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج2، ص408، و ج4، ص80; مسند أحمد: ج1، ص84 و88; البداية والنهاية لابن کثى الشامي: ج5، ص210، ج7، ص348; مجمع الزوائد الهيثمي: ج9، ص106; ذخائر العقبى: ص67 و... (الغدير: ج1، ص163 و 164).
19 ـ اسنى المطالب لشمس الدين الشافعي، حسب نقل السخاوي في الضوء اللامع: ج9، ص256; البدر الطالع الشوکاني: ج2، ص297; شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2، ص273; مناقب العلاّمة الحنفي: ص130; بلاغات النساء: ص72; العقد الفريد: ج1، ص162; صبح الاعشى: ج1، ص259; مروج الذهب لابن مسعودالشافعي: ج2، ص49; ينابيبع المودة: ص484.
20 ـ ذکرنا آنفاً مصادر اشعار حسان بن ثابت.
21 ـ نقل العلاّمة الأميني(قدس سره) هذا الشعر في کتاب الغدير، ج2، ص25 ـ 3 مع ضميمة ابيات اُخرى عن 11 عالماً شيعياً و26 عالماً سنيّاً.
22 ـ نقل العلاّمة الأميني(قدس سره) جملة «ألست أولى بکم من أنفسکم» من 64 محدّثاً ومؤرخاً إسلامياً، راجع ج1، ص371 من الغدير.
23 ـ براجع الغدير: ج1، ص26، 27، 30، 32، 33، 34، 36، 47، 176، وورد سند هذا المطلب في مصادر أهل السنة مثل: صحيح الترمذي: ج2، ص298; الفصول المهمة لابن الصباغ: ص45; المناقب الثلاثة الحافظ أبي الفتوح: ص19; البداية والنهاية لابن الکثير: ج5، ص209، ج7، ص348; الصواعق المحرقة: ص25; الزوائد الهيثمي: ج9، ص165 و....
24 ـ وذکر المرحوم العلاّمة الأميني هذه الجانب من الحديث في: ج1، ص43، 165، 231، 233، 235، مثل: الولاية لانب جرير الطبري: ص310; تفسير ابن الکثير: ج2، ص14; تفسير الدر المنثور: ج2، ص259; الاتقان: ج1، ص31; مفتاح النجاح البدخشي: ص220; ما نزل من القران في علي: أبو نعيم الاصفهاني; تاريخ الخطيب البغدادي: ج4، ص290; مناقب الخوارزمي: ص80; الخصائص العلوية ابو الفتح النطنزي: ص43; التذکرة لسبط بن الجوزي: ص18; فرائد السمطين: باب 12.
25 ـ للاطلاع على اسانيد تهنئة الشيخين راجع الغدير: ج1، ص270، 283; وقد ذکر آنفاً مصادر هذا الحديثو
26 ـ الحجرات: الآية 10.
27 ـ نقل هذا الحديث محمد بن أبي بکر وأبوذر وأبو سعيد الخدري وجماعة آخرين عن النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) (راجع المجلد الثالث من کتاب الغدير).
28 ـ التفسير الکبير: ج1، ص205.
29 ـ نقل العلاّمة الأميني(قدس سره) جميع هذه الأحاديث الخمسين بصورة دقيقة في المجلد الثالث من الغدير.
30 ـ المستدرک للحاکم: ج2، ص150 مطبعة حيدر آباد، ونقله على الأقل 30 مصدراً من المصادر المعروفة لأهل السنة.
لا يوجد تعليق