الجواب الاجمالي:
إنّ المسیحیین یعتقدون صراحة بالثالوث الإلهی، وهم فی نفس الوقت یصرحون بأنّ الله واحد! أی إنّهم یرون الحقیقة فی التثلیث والتوحید فی أن واحد.
وکان هذا التناقض منشأ للتباعد الحاصل لدیهم بین الدین والعقل، وسبباً لجر الدین إلى متاهات خطیرة، الأمر الذی اضطرهم إلى القول بأنّ الدین لیس له صلة بالعقل، أو لیس فیه الطابع العقلانی، وأنّه ذو طابع تعبدی محض.
وهذا هو أساس التناقض بین الدین والعلم فی منطق المسیحیة، فالعلم یحکم بأنّ الثلاثة لا تساوی الواحد، والمسیحیة المعاصرة تصر على أنّهما متساویان!
وکان هذا التناقض منشأ للتباعد الحاصل لدیهم بین الدین والعقل، وسبباً لجر الدین إلى متاهات خطیرة، الأمر الذی اضطرهم إلى القول بأنّ الدین لیس له صلة بالعقل، أو لیس فیه الطابع العقلانی، وأنّه ذو طابع تعبدی محض.
وهذا هو أساس التناقض بین الدین والعلم فی منطق المسیحیة، فالعلم یحکم بأنّ الثلاثة لا تساوی الواحد، والمسیحیة المعاصرة تصر على أنّهما متساویان!
الجواب التفصيلي:
لیس فی الإنحرافات التی تورط بها العالم المسیحی أکبر من انحراف عقیدة التثلیث، لأنّ المسیحیین یعتقدون صراحة بالثالوث الإلهی، وهم فی نفس الوقت یصرحون بأنّ الله واحد! أی إنّهم یرون الحقیقة فی التثلیث والتوحید فی أن واحد.
وقد خلقت هذه القضیة ـ التی لها حدان متناقضان ـ مشکلة کبیرة للمفکرین والباحثین المسیحیین.
فلو کان المسیحیون مستعدین لقبول مسألة التوحید بأنّها «مجازیة» وقبول مسألة التثلیث بأنّها مسألة حقیقیة أو قبول العکس، لأمکن تبریر هذا الأمر، ولکنهم یرون الحقیقة فی الجمع بین هذین المتناقضین، فیقولون إنّ الثلاثة واحد کما یقولون إنّ الواحد ثلاثة فی نفس الوقت.
وما یلاحظ من ادّعاء فی الکتابات التبشیریة الأخیرة للمسیحیین، والتی توزع للناس الجهلاء، من أنّ التثلیث شیء مجازی، إنّما هو کلام مشوب بالریاء ولا یتلاءم مطلقاً مع المصادر الأساسیة للمسیحیة، کما لا یتفق مع الآراء والمعتقدات الحقیقیة للمفکرین المسیحیین.
ویواجه المسیحیون ـ هنا ـ قضیة لا تتفق مع العقل فالمعادلة التی افترضوا فیها أنّ 1 = 3 لا یقبلها حتى الأطفال الذین هم فی مرحلة الدراسة الابتدائیة. ولهذا السبب ادعوا أنّ هذه القضیة لا تقاس بمقیاس العقل، وطلبوا الإذعان بها عبر ما سمّوه بالرؤیة التعبدیة القلبیة.
وکان هذا التناقض منشأ للتباعد الحاصل لدیهم بین الدین والعقل، وسبباً لجر الدین إلى متاهات خطیرة، الأمر الذی اضطرهم إلى القول بأنّ الدین لیس له صلة بالعقل، أو لیس فیه الطابع العقلانی، وأنّه ذو طابع تعبدی محض.
وهذا هو أساس التناقض بین الدین والعلم فی منطق المسیحیة، فالعلم یحکم بأنّ الثلاثة لا تساوی الواحد، والمسیحیة المعاصرة تصر على أنّهما متساویان!
ویجب الإلتفات ـ هنا ـ إلى عدّة نقاط حول هذا الاعتقاد المسیحی:
1ـ لم یشر أی من الأناجیل المتداولة فی الوقت الحاضر إلى مسألة التثلیث لذلک یعتقد الباحثون المسیحیون أنّ مصدر التثلیث فی الأناجیل خفی وغیر بارز، وفی هذا المجال یقول الباحث الأمریکی المستر هاکس: «إنّ قضیة التثلیث تعتبر فی العهدین القدیم والجدید خفیة وغیر واضحة(1)
وذکر المؤرخون أنّ قضیة التثلیث قد برزت بعد القرن الثّالث المیلادی لدى المسیحیین وإن منشأ هذه البدعة کان الغلو من جانب، واختلاط المسیحیین بالأقوام الاُخرى من جانب آخر.
ویرى البعض احتمال أن یکون مصدر التثلیث عند المسیحیین وارداً من عقیدة الثالوث الهندی، أی عبادة الهنود للآلهة الثلاثة(2).
2ـ إنّ قضیة التثلیث القائلة بأنّ الثلاثة واحد تعتبر أمراً غیر معقول أبداً، ویرفضها العقل بالبداهة، والشیء الذی نعرفه هو أنّ الدین لا یمکنه أن یکون منفصلا عن العقل والعلم، فالعلم الحقیقی والدین الواقعی کلاهما متفقان ومتناسقان دائماً ـ ولا یمکن القول بأنّ الدین أمر تعبدی محض ـ لأننا لو أزحنا العقل جانباً عند قبول مبادىء الدین وأذعنا للعبادة العمیاء الصماء، فلا یبقى لدینا ما نمیز به بین الأدیان المختلفة.
وفی هذه الحالة، أی دلیل یوجب على الإنسان أن یعبد الله ولا یعبد الأصنام؟ وأی دلیل یدعو المسیحیین إلى التبشیر لدینهم لا للأدیان الاُخرى؟
ومن هذا المنطلق فإن الخصائص التی یراها المسیحیون لدینهم ویصرّون على دعوة الناس للقبول بها، هی بحدّ ذاتها دلیل على أنّ الدین یجب أن یعرف بمنطق العقل، وهذا یناقض دعواهم حول قضیة التثلیث التی یرون فیها انفصال الدین عن العقل.
ولیس هناک کلام یستطیع تحطیم الدین أشد وأقبح من أن یقال: إنّ الدین لا یمتلک طابعاً عقلانیاً ومنطقیاً، وأنّه ذو طابع تعبدی محض!
3ـ إنّ الأدلة العدیدة التی یستشهد بها ـ فی مجال إثبات التوحید، ووحدانیة الذات الإلهیّة ـ ترفض کل أنواع التثنیة أو التثلیث ـ فالله سبحانه وتعالى هو وجود مطلق لا یحد بالجهات، وهو أزلی أبدی لا حدود لعلمه ولقدرته ولقوّته.
وبدیهی أنّه لا یمکن تصور التثنیة فی اللامتناهی، لأنّ فرض وجود لا متناهیین یجعل من هذین الإثنین متناهیین ومحدودین، لأن وجود الأوّل یفتقر إلى قدرة وقوة ووجود الثّانی کما أنّ وجود الثّانی یفتقر إلى وجود وخصائص الأوّل، وعلى هذا الأساس فإنّ کلا الوجودین محدودان.
وبعبارة اُخرى: إنّنا لو افترضنا وجود لا متناهیین من جمیع الجهات، فلابدّ حین یصل اللامتناهی الأوّل إلى تخوم اللامتناهی الثّانی ینتهی إلى هذا الحد کما أنّ اللامتناهی الثّانی حین یصل إلى حد اللامتناهی الأوّل ینتهی هو أیضاً، وعلى هذا الأساس فإنّ کلیهما یکونان محدودین ولا تنطبق صفة اللامتناهی على أی منهما، بل هما متناهیان محدودان، والنتیجة هی أنّ ذات الله ـ الذی هو وجود لا متناه ـ لا یمکن أن تقبل التعدد أبداً.
وهکذا فإنّنا لو اعتقدنا بأنّ الذات الإلهیّة تتکون من الأقانیم الثلاثة، لا یستلزم أن یکون کل من هذه الأقانیم محدوداً، ولا تصح فیه صفة اللامحدود واللامتناهی، وکذلک فإنّ أی مرکب فی تکوینه یکون محتاجاً إلى أجزائه التی تکونه، فوجود المرکب یکون معلولا لوجود أجزائه.
وإذا افتراضنا الترکیب فی ذات الله لزم أن تکون هذه الذات محتاجة أو معلولة لعلّة سابقة فی حین إنّنا نعرف أنّ الله غیر محتاج، وهو العلّة الاُولى لعالم الوجود، وعلّة العلل کلها منذ الأزل وإلى الأبد.
4ـ بالإضافة إلى کل ما ذکر، کیف یمکن للذات الإلهیّة أن تتجسد فی هیکل إنسانی لتصبح محتاجة إلى الجسم والمکان والغذاء واللباس وأمثالها؟
إنّ فرض الحدود لله الأزلی الأبدی، أو تجسیده فی هیکل إنسان ووضعه جنیناً فی رحم اُمّ، یعتبر من أقبح التهم التی تلصق بذات الله المقدّسة المنزهة عن کل النقائص،
5ـ لوحظ فی السنین الأخیرة أنّ جماعة من المبشرین المسیحیین یلجؤون إلى أمثلة سفسطائیة من أجل خداع الجهلاء من الناس فی قبول قضیة التثلیث.
من هذه الأمثلة قولهم أنّ اجتماع التوحید والتثلیث معاً یمکن تشبیهه بقرص الشمس والنور والحرارة النابعتین من هذا القرص، حیث إنّها ثلاثة أشیاء فی شیء واحد.
لکننا بالتعمق قلیلا فی هذه الأمثلة یتبیّن لنا أن لا صلة لها بموضوع بحثنا الحاضر، فقرص الشمس شیء ونورها شیء آخر والنور الذی یتکون من الأشعة فوق الحمراء یختلف عن الحرارة التی تتکون من الأشعة دون الحمراء، وهذه الأشیاء الثلاثة تختلف الواحدة منها عن الاُخرى من حیث النظرة العلمیة، وهی لیست بمجموعها شیئاً واحداً من خلال هذه النظرة.
6ـ یقول بعض المسیحیین ـ أحیاناً ـ إنّها حین یسمّون المسیح(علیه السلام) بـ «ابن الله» إنّما یفعلون ذلک کما یفعل المسلمون فی تسمیة سبط الرّسول(صلى الله علیه وآله) الحسین بن علی بن أبی طالب(علیه السلام) بـ «ثار الله وابن ثاره» أو کالتسمیة التی وردت فی بعض الروایات لعلی بن أبی طالب(علیه السلام) حیث سمى فیها بـ «یدالله»، وهؤلاء المسیحیون یفسرون کلمة «ثار» بأنّها تعنی الدم، أی إنّ العبارة الواردة فی الحسین الشهید(علیه السلام)تعنی «دم الله وابن دمه».
إنّ هذا الأمر هو عین الخطأ:
أوّلا: لأنّ العرب لم تطلق کلمة الثأر أبداً لتعنی بها الدم، بل اعتبرت الثأر دائماً ثمناً للدم، ولذلک فإنّ معنى العبارة أنّ الله هو الذی یأخذ ثمن دم الحسین الشهید، وأن هذا الأمر منوط به سبحانه وتعالى، أی إنّ الحسین(علیه السلام) لم یکن ملکاً أو تابعاً لعشیرة أو قبیلة معینة لتطالب بدمه، بل هو یخص العالم والبشریة جمعاء ویکون تابعاً لعالم الوجود وذات الله المقدّسة، ولذلک فإنّ الله هو الذی یطالب ویأخذ ثمن دم هذا الشهید ـ کما أنّ الحسین هو ابن علی بن أبی طالب(علیه السلام) الذی استشهد فی سبیل الله، والله هو الذی یطالب ویأخذ ثمن دمه أیضاً.
وثانیاً: حین یعبّر فی بعض الأحیان عن بعض أولیاء الله بعبارة «ید الله» فإنّ هذا التعبیر ـ حتماً ـ من باب التشبیه والکنایة والمجاز لیس إلاّ.
فهل یجیز أی مسیحی لنفسه أن یقال فی عبارة «ابن الله» الواردة عندهم فی حق المسیح(علیه السلام) أنّها ضرب من المجاز والکنایة؟ بدیهی أنّه لا یقبل ذلک، لأنّ المصادر المسیحیة الأصلیة اعتبرت صفة البنوة لله سبحانه منحصرة بالمسیح(علیه السلام) وحده ولیس فی غیره، واعتبروا تلک الصفة حقیقیة لا مجازیة، وما بادر إلیه بعض المسیحیین من الإدعاء بأنّ هذه الصفة هی من باب الکنایة أو المجاز، إنّما هو من أجل خداع البسطاء من الناس.
ولإیضاح هذا الأمر نحیل القاری إلى کتاب «القاموس المقدس» فی مادة «الله» حیث یقول هذا الکتاب بأنّ عبارة «ابن الله» هی واحدة من القاب منجی ومخلص وفادی المسیحیین، وأنّ هذا اللقب لا یطلق على أی شخص آخر إلاّ إذا وجدت قرائن تبیّن بأنّ المقصود هو لیس الابن الحقیقی لله(3).(4)
وقد خلقت هذه القضیة ـ التی لها حدان متناقضان ـ مشکلة کبیرة للمفکرین والباحثین المسیحیین.
فلو کان المسیحیون مستعدین لقبول مسألة التوحید بأنّها «مجازیة» وقبول مسألة التثلیث بأنّها مسألة حقیقیة أو قبول العکس، لأمکن تبریر هذا الأمر، ولکنهم یرون الحقیقة فی الجمع بین هذین المتناقضین، فیقولون إنّ الثلاثة واحد کما یقولون إنّ الواحد ثلاثة فی نفس الوقت.
وما یلاحظ من ادّعاء فی الکتابات التبشیریة الأخیرة للمسیحیین، والتی توزع للناس الجهلاء، من أنّ التثلیث شیء مجازی، إنّما هو کلام مشوب بالریاء ولا یتلاءم مطلقاً مع المصادر الأساسیة للمسیحیة، کما لا یتفق مع الآراء والمعتقدات الحقیقیة للمفکرین المسیحیین.
ویواجه المسیحیون ـ هنا ـ قضیة لا تتفق مع العقل فالمعادلة التی افترضوا فیها أنّ 1 = 3 لا یقبلها حتى الأطفال الذین هم فی مرحلة الدراسة الابتدائیة. ولهذا السبب ادعوا أنّ هذه القضیة لا تقاس بمقیاس العقل، وطلبوا الإذعان بها عبر ما سمّوه بالرؤیة التعبدیة القلبیة.
وکان هذا التناقض منشأ للتباعد الحاصل لدیهم بین الدین والعقل، وسبباً لجر الدین إلى متاهات خطیرة، الأمر الذی اضطرهم إلى القول بأنّ الدین لیس له صلة بالعقل، أو لیس فیه الطابع العقلانی، وأنّه ذو طابع تعبدی محض.
وهذا هو أساس التناقض بین الدین والعلم فی منطق المسیحیة، فالعلم یحکم بأنّ الثلاثة لا تساوی الواحد، والمسیحیة المعاصرة تصر على أنّهما متساویان!
ویجب الإلتفات ـ هنا ـ إلى عدّة نقاط حول هذا الاعتقاد المسیحی:
1ـ لم یشر أی من الأناجیل المتداولة فی الوقت الحاضر إلى مسألة التثلیث لذلک یعتقد الباحثون المسیحیون أنّ مصدر التثلیث فی الأناجیل خفی وغیر بارز، وفی هذا المجال یقول الباحث الأمریکی المستر هاکس: «إنّ قضیة التثلیث تعتبر فی العهدین القدیم والجدید خفیة وغیر واضحة(1)
وذکر المؤرخون أنّ قضیة التثلیث قد برزت بعد القرن الثّالث المیلادی لدى المسیحیین وإن منشأ هذه البدعة کان الغلو من جانب، واختلاط المسیحیین بالأقوام الاُخرى من جانب آخر.
ویرى البعض احتمال أن یکون مصدر التثلیث عند المسیحیین وارداً من عقیدة الثالوث الهندی، أی عبادة الهنود للآلهة الثلاثة(2).
2ـ إنّ قضیة التثلیث القائلة بأنّ الثلاثة واحد تعتبر أمراً غیر معقول أبداً، ویرفضها العقل بالبداهة، والشیء الذی نعرفه هو أنّ الدین لا یمکنه أن یکون منفصلا عن العقل والعلم، فالعلم الحقیقی والدین الواقعی کلاهما متفقان ومتناسقان دائماً ـ ولا یمکن القول بأنّ الدین أمر تعبدی محض ـ لأننا لو أزحنا العقل جانباً عند قبول مبادىء الدین وأذعنا للعبادة العمیاء الصماء، فلا یبقى لدینا ما نمیز به بین الأدیان المختلفة.
وفی هذه الحالة، أی دلیل یوجب على الإنسان أن یعبد الله ولا یعبد الأصنام؟ وأی دلیل یدعو المسیحیین إلى التبشیر لدینهم لا للأدیان الاُخرى؟
ومن هذا المنطلق فإن الخصائص التی یراها المسیحیون لدینهم ویصرّون على دعوة الناس للقبول بها، هی بحدّ ذاتها دلیل على أنّ الدین یجب أن یعرف بمنطق العقل، وهذا یناقض دعواهم حول قضیة التثلیث التی یرون فیها انفصال الدین عن العقل.
ولیس هناک کلام یستطیع تحطیم الدین أشد وأقبح من أن یقال: إنّ الدین لا یمتلک طابعاً عقلانیاً ومنطقیاً، وأنّه ذو طابع تعبدی محض!
3ـ إنّ الأدلة العدیدة التی یستشهد بها ـ فی مجال إثبات التوحید، ووحدانیة الذات الإلهیّة ـ ترفض کل أنواع التثنیة أو التثلیث ـ فالله سبحانه وتعالى هو وجود مطلق لا یحد بالجهات، وهو أزلی أبدی لا حدود لعلمه ولقدرته ولقوّته.
وبدیهی أنّه لا یمکن تصور التثنیة فی اللامتناهی، لأنّ فرض وجود لا متناهیین یجعل من هذین الإثنین متناهیین ومحدودین، لأن وجود الأوّل یفتقر إلى قدرة وقوة ووجود الثّانی کما أنّ وجود الثّانی یفتقر إلى وجود وخصائص الأوّل، وعلى هذا الأساس فإنّ کلا الوجودین محدودان.
وبعبارة اُخرى: إنّنا لو افترضنا وجود لا متناهیین من جمیع الجهات، فلابدّ حین یصل اللامتناهی الأوّل إلى تخوم اللامتناهی الثّانی ینتهی إلى هذا الحد کما أنّ اللامتناهی الثّانی حین یصل إلى حد اللامتناهی الأوّل ینتهی هو أیضاً، وعلى هذا الأساس فإنّ کلیهما یکونان محدودین ولا تنطبق صفة اللامتناهی على أی منهما، بل هما متناهیان محدودان، والنتیجة هی أنّ ذات الله ـ الذی هو وجود لا متناه ـ لا یمکن أن تقبل التعدد أبداً.
وهکذا فإنّنا لو اعتقدنا بأنّ الذات الإلهیّة تتکون من الأقانیم الثلاثة، لا یستلزم أن یکون کل من هذه الأقانیم محدوداً، ولا تصح فیه صفة اللامحدود واللامتناهی، وکذلک فإنّ أی مرکب فی تکوینه یکون محتاجاً إلى أجزائه التی تکونه، فوجود المرکب یکون معلولا لوجود أجزائه.
وإذا افتراضنا الترکیب فی ذات الله لزم أن تکون هذه الذات محتاجة أو معلولة لعلّة سابقة فی حین إنّنا نعرف أنّ الله غیر محتاج، وهو العلّة الاُولى لعالم الوجود، وعلّة العلل کلها منذ الأزل وإلى الأبد.
4ـ بالإضافة إلى کل ما ذکر، کیف یمکن للذات الإلهیّة أن تتجسد فی هیکل إنسانی لتصبح محتاجة إلى الجسم والمکان والغذاء واللباس وأمثالها؟
إنّ فرض الحدود لله الأزلی الأبدی، أو تجسیده فی هیکل إنسان ووضعه جنیناً فی رحم اُمّ، یعتبر من أقبح التهم التی تلصق بذات الله المقدّسة المنزهة عن کل النقائص،
5ـ لوحظ فی السنین الأخیرة أنّ جماعة من المبشرین المسیحیین یلجؤون إلى أمثلة سفسطائیة من أجل خداع الجهلاء من الناس فی قبول قضیة التثلیث.
من هذه الأمثلة قولهم أنّ اجتماع التوحید والتثلیث معاً یمکن تشبیهه بقرص الشمس والنور والحرارة النابعتین من هذا القرص، حیث إنّها ثلاثة أشیاء فی شیء واحد.
لکننا بالتعمق قلیلا فی هذه الأمثلة یتبیّن لنا أن لا صلة لها بموضوع بحثنا الحاضر، فقرص الشمس شیء ونورها شیء آخر والنور الذی یتکون من الأشعة فوق الحمراء یختلف عن الحرارة التی تتکون من الأشعة دون الحمراء، وهذه الأشیاء الثلاثة تختلف الواحدة منها عن الاُخرى من حیث النظرة العلمیة، وهی لیست بمجموعها شیئاً واحداً من خلال هذه النظرة.
6ـ یقول بعض المسیحیین ـ أحیاناً ـ إنّها حین یسمّون المسیح(علیه السلام) بـ «ابن الله» إنّما یفعلون ذلک کما یفعل المسلمون فی تسمیة سبط الرّسول(صلى الله علیه وآله) الحسین بن علی بن أبی طالب(علیه السلام) بـ «ثار الله وابن ثاره» أو کالتسمیة التی وردت فی بعض الروایات لعلی بن أبی طالب(علیه السلام) حیث سمى فیها بـ «یدالله»، وهؤلاء المسیحیون یفسرون کلمة «ثار» بأنّها تعنی الدم، أی إنّ العبارة الواردة فی الحسین الشهید(علیه السلام)تعنی «دم الله وابن دمه».
إنّ هذا الأمر هو عین الخطأ:
أوّلا: لأنّ العرب لم تطلق کلمة الثأر أبداً لتعنی بها الدم، بل اعتبرت الثأر دائماً ثمناً للدم، ولذلک فإنّ معنى العبارة أنّ الله هو الذی یأخذ ثمن دم الحسین الشهید، وأن هذا الأمر منوط به سبحانه وتعالى، أی إنّ الحسین(علیه السلام) لم یکن ملکاً أو تابعاً لعشیرة أو قبیلة معینة لتطالب بدمه، بل هو یخص العالم والبشریة جمعاء ویکون تابعاً لعالم الوجود وذات الله المقدّسة، ولذلک فإنّ الله هو الذی یطالب ویأخذ ثمن دم هذا الشهید ـ کما أنّ الحسین هو ابن علی بن أبی طالب(علیه السلام) الذی استشهد فی سبیل الله، والله هو الذی یطالب ویأخذ ثمن دمه أیضاً.
وثانیاً: حین یعبّر فی بعض الأحیان عن بعض أولیاء الله بعبارة «ید الله» فإنّ هذا التعبیر ـ حتماً ـ من باب التشبیه والکنایة والمجاز لیس إلاّ.
فهل یجیز أی مسیحی لنفسه أن یقال فی عبارة «ابن الله» الواردة عندهم فی حق المسیح(علیه السلام) أنّها ضرب من المجاز والکنایة؟ بدیهی أنّه لا یقبل ذلک، لأنّ المصادر المسیحیة الأصلیة اعتبرت صفة البنوة لله سبحانه منحصرة بالمسیح(علیه السلام) وحده ولیس فی غیره، واعتبروا تلک الصفة حقیقیة لا مجازیة، وما بادر إلیه بعض المسیحیین من الإدعاء بأنّ هذه الصفة هی من باب الکنایة أو المجاز، إنّما هو من أجل خداع البسطاء من الناس.
ولإیضاح هذا الأمر نحیل القاری إلى کتاب «القاموس المقدس» فی مادة «الله» حیث یقول هذا الکتاب بأنّ عبارة «ابن الله» هی واحدة من القاب منجی ومخلص وفادی المسیحیین، وأنّ هذا اللقب لا یطلق على أی شخص آخر إلاّ إذا وجدت قرائن تبیّن بأنّ المقصود هو لیس الابن الحقیقی لله(3).(4)
لا يوجد تعليق