الجواب الاجمالي:
أخبر النبی- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم- فی حدیثه بصورة الجزم عن ارتداد قسم کثیر من أصحابه على نحو یعمّ کافّة الطوائف من الصحابة ولا یختصّ بالطلقاء والوافدین فی العام التاسع، وهذا ممّا لا یشکّ فیه أحد إذا تدبّر فی الأحادیث منها: روى أنس بن مالک أنّ رسول الله- صلَّى الله علیه و آله وسلَّم- قال: «لیردنَّ علیَّ الحوض رجال ممّن صاحبنی، حتى إذا رأیتهم، ورفعوا إلیَّ اختلجوا دونی، فلأقولنَّ: أی ربّ، أصحابی أصحابی، فلیُقالنّ لی: إنّک لا تدری ما أحدثوا بعدک».
الجواب التفصيلي:
انّ الذکر الحکیم قد تنبّأ بارتداد لفیف من المحدقین بالنبی فی غزوة «أُحد»، التی وقعت فی السنة الثالثة من هجرة النبی- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم-، قال سبحانه: «وَمَا مُحمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضرَّ الله شَیئاً وَ سَیَجْزِی الله الشّاکِرین»(1)
والتنبّؤ و إن کان بصورة القضیة الشرطیة و لکنّه کان إنذاراً لهم و إخباراً عن وجود أرضیة لهذه الطارئة.
وقد أخبر النبی- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم- فی حدیثه بصورة الجزم عن ارتداد قسم کثیر من أصحابه على نحو یعمّ کافّة الطوائف من الصحابة ولا یختصّ بالطلقاء والوافدین فی العام التاسع، وهذا ممّا لا یشکّ فیه أحد إذا تدبّر فی الأحادیث التالیة.
ونحن نذکر ما جمعه الجزری فی «جامع الأُصول» والمتأمّل فی هذه الروایات یقف على أنّ مسألة عدالة الصحابة و الدعوة إلى الاقتداء بهم وحجّیة قولهم بلا تحقیق فی أحوالهم، فکرة طارئة على المجتمع الإسلامی روّجتها السلطة الأمویة و بعدها العباسیة للحدّ من الرجوع إلى أئمّة أهل البیت- علیهم السَّلام-، فانّ الناس کانوا بعد رحیل الرسول بین أمرین، إمّا الرجوع إلى أئمّة أهل البیت- علیهم السَّلام- أحد الثقلین فی حدیث الرسول، أو الرجوع إلى الصحابة، فلم یکن بد للسلطة إلّا إرجاع الناس إلى الصحابة و ترفیع مکانتهم والثناء علیهم و تقدیسهم على نحو یتجلّى للناس انّهم معصومون من العصیان والخطأ، بل لهم حقّ التشریع والتقنین، فأقوالهم و آثارهم واراؤهم حجّة للأُمّة بلا کلام.
وإلیک ما نقله ابن الأثیر فی جامعه:
1. روى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله- صلَّى الله علیه واله وسلَّم-: «أنا فرطکم على الحوض، ولیُرفعنَّ إلیَّ رجال منکم، حتى إذا أهویت إلیهم لأناولهم اختلجوا دونی، فأقول: أی ربّ، أصحابی، فیقال: إنّک لا تدری ما أحدثوا بعدک». أخرجه البخاری و مسلم.
2. روى أنس بن مالک أنّ رسول الله- صلَّى الله علیه و آله وسلَّم- قال: «لیردنَّ علیَّ الحوض رجال ممّن صاحبنی، حتى إذا رأیتهم، ورفعوا إلیَّ اختلجوا دونی، فلأقولنَّ: أی ربّ، أصحابی أصحابی، فلیُقالنّ لی: إنّک لا تدری ما أحدثوا بعدک».
وفی روایة: لیردنّ علیّ أُناس من أُمتی- الحدیث- و فی آخره، فأقول: «سحقاً لمن بدّل بعدی». أخرجه البخاری و مسلم.
3. روى أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: سمعت النبی- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم - یقول: «أنا فرطکم على الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم یظمأ أبداً، و لیردنّ علیَّ أقوام أعرفهم و یعرفوننی، ثمّ یُحال بینی و بینهم»، قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبی عیاش، و أنا أُحدِّثهم هذا الحدیث، فقال: هکذا سمعتَ سهلًا یقول؟ فقلت: نعم، قال: و أنا أشهد على أبی سعید الخدری: لسمعته یزید، فیقول: «إنّهم منّی، فیقال: إنّک لا تدری ما أحدثوا بعدک، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدی». أخرجه البخاری و مسلم.
4. و للبخاری: أنّ رسول الله- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم-، قال: «بینا أنا قائم على الحوض إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بینی و بینهم، فقال: هلمّ. فقلت: أین؟ فقال: إلى النار و الله.
فقلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم قد ارتدوا على أدبارهم القهقرى. ثمّ إذا زمرة أُخرى، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بینی و بینهم، فقال لهم: هلمّ، قلت: إلى أین؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم قد ارتدوا على أدبارهم. فلا أراه یخلص منهم إلّا مثل هَمَل النعم».
5. و لمسلم: انّ رسول الله - صلَّى الله علیه و اله وسلَّم - قال: «ترد علیّ أُمّتی الحَوض و أنا أذود الناس عنه، کما یذود الرجل إبل الرجل عن إبله. قالوا: یا نبیّالله تعرفنا؟
قال: نعم. لکم سیما لیست لأحد غیرکم. تردون علیَّ غرّاً محجّلین من آثار الوضوء، و لیصدَّن عنّی طائفة منکم فلا یصلون.
فأقول: یا رب، هؤلاء من أصحابی، فیجیبنی ملک، فیقول: وهل تدری ما أحدثوا بعدک؟!».
6. رو ت عائشة، قالت: سمعت رسول الله- صلَّى الله علیه و اله وسلَّم- ، یقول- و هو بین ظهرانی أصحابه- : «إنّی على الحوض أنتظر من یرد علیَّ منکم. فوالله لیُقطعنّ دونی رجال، فلأقولنَّ: أی ربِّ، منّی ومن أُمّتی! فیقول: إنّک لا تدری ماعملوا بعدک. مازالوا یرجعون على أعقابهم». أخرجه مسلم.
7. رو ت أسماء بنت أبی بکر، قالت: قال رسول الله - صلَّى الله علیه واله وسلَّم - : «إنّی على الحوض، أنظر من یرد علیَّ و سیُؤخذ ناس دونی، فأقول: یا رب، منی و من أُمّتی- و فی روایة، فأقول: أصحابی- فیقال: هل شعرت ما عملوا بعدک؟ والله ما برحوا یرجعون على أعقابهم». أخرجه البخاری و مسلم.
8. رو ت أُمّ سلمة، قالت: کنت أسمع الناس یذکرون الحوض. ولم أسمع ذلک من رسول الله- صلَّى الله علیه و اله و سلَّم - فلمّا کان یوماً من ذلک و الجاریة تمشطنی، سمعت رسول الله- صلَّى الله علیه واله وسلَّم- یقول: «أیّها الناس»، فقلت للجاریة، استأخری عنّی. قالت: إنّما دعا الرجال و لم یدع النساء فقلت: إنّی من الناس. فقال رسول الله- صلَّى الله علیه و اله وسلَّم- : «إنّی لکم فرط على الحوض، فإیّای لا یأتینّ أحدکم، فیُذبُّ عنی کما یذب البعیر الضال، فأقول: فیم هذا؟ فیقال: إنّک لا تدری ما أحدثوا بعدک، فأقول: سحقاً». أخرجه مسلم.
9. روى سعید بن المسیب انّه کان یحدّث عن أصحاب النبی- صلَّى الله علیه و اله وسلَّم - قال: «یرد علیّ الحوض رجال من أصحابی، فیحُلؤون عنه. فأقول: یا رب، أصحابی، فیقول: إنّک لاعلم لک بماأحدثوا بعدک. انّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى». أخرجه البخاری.
10. روى أبوهریرة، قال: قال رسول الله - صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- :« والذی نفسی بیده، لأذودنّ رجالًا عن حوضی. کما تذاد الغریبة من الإبل عن الحوض. أخرجه البخاری و مسلم.
11. روى حذیفة بن الیمان: انّ رسول الله- صلَّى الله علیه و اله وسلَّم- قال: « إنّ حوضی لأبعد من أیلة إلى عدن. والذی نفسی بیده: لأذودنّ عنه الرجال، کما یذود الرجل الإبل الغریبة عن حوضه. قالوا: یا رسول الله، و تعرفنا؟ قال: نعم. تردون علیَّ غرّاً محجّلین من آثار الوضوء لیست لأحد غیرکم. أخرجه مسلم(2)
و هذه الأحادیث تعرب عن موقف محدِّثی أهل السنّة بالنسبة إلى الصحابة، مع أنّ بعضهم یتجاهلون هذه الروایات، و ربّما ینسبون مفادها إلى الشیعة، فأیّهما أحقّ بهذه النسبة، أهؤلاء الذین رووا تلک الروایات و دوّنوها فی صحاحهم و أسموها بأصحّ الکتب بعد کتاب الله؟ أم الشیعة(3)
لا يوجد تعليق