الجواب الاجمالي:
أنّ الإیمان یتمّثل بالتصدیق بهذه الأُمور(أنّه سبحانه: متفرّد فی الربوبیة و التدبیر و انّه لا مدبر للعالم ومافیه سواه، ولمّا کان الإیمان بالتوحید، مقروناً بالإیمان برسالة النبی الأکرم، کان الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً وشعارهم لا إله إلّاالله، محمد رسول الله.، كما أن المعاد و یوم الجزاء والاعتراف به من أرکان الإیمان) جميعاً و إنکار واحدٍ منها عناداً أو شبهة یخرج عن حظیرة الإسلام و یقع فی عداد الکافرین. وکان الإقرار بالشهادتین فی عصر الرسالة متضمنّا لهذه الشهادات الست، لأجل قرائن حالیة موجودة حولهما، وبذلک یظهر سر لفیف من الروایات الدالة على کفایة الشهادتین فی الدخول فی حظیرة الإیمان
الجواب التفصيلي:
کان النبی الأکرم مبعوثاً من قبل الله سبحانه، و فیجب الإیمان بکل ما جاء به غیر أنّ ما جاء به النبی کان واسعاً مترامی الأطراف لا یمکن استحضاره فی الضمیر ثم التصدیق به، فلذلک ینقسم ما جاء به النبی إلى قسمین، قسم منه معلوم بالتفصیل کتوحیده سبحانه و الحشر یوم المعاد و وجوب الصلاة و الزکاة، و قسم آخر معلوم بالإجمال و هو موجود بین ثنایا الکتاب و سنّة النبی الأکرم، فلا محیص من الإیمان بما علم تفصیلًا بالتفصیل ، وبما علم إجمالًا بالإجمال، هذا هو الموافق للتحقیق وما علیه المحقّقون.
قال عضد الدین الإیجی: الإیمان عندنا وعند الأئمة کالقاضى(1) و الأُستاذ(2): التصدیق للرسول فیما علم مجیئه به ضرورة؛ فتفصیلًا فیما علم تفصیلًا، و إجمالًا فیما علم إجمالًا(3)
و قال التفتازانی: هو تصدیق النبی فیما علم مجیئه به بالضرورة أی فیما اشتهر کونه من الدین بحیث یعلمه من غیر افتقار إلى نظر و استدلال، کوحدة الصانع و وجوب الصلاة و حرمة الخمر و نحو ذلک، و یکفی الإجمال فیما یلاحظ إجمالًا. و یشترط التفصیل فیما یلاحظ تفصیلًا حتى لو لم یصدق بوجوب الصلاة و بحرمة الخمرعند السؤال عنهما کان کافراً، و هذا هو المشهور و علیه الجمهور(4)
و على ضوء ذلک نقول: إنّ الإیمان یتمثل بالاعتقاد بأُمور و یکفی فی انتفائه، انتفاء الإیمان بواحد منها شأن کل أمر مرکب یوجد بوجود جمیع الأجزاء، وینتفی بانتفاء جزء منها.
أمّا الذی یجب الإیمان به تفصیلًا فهو عبارة عن الأُمور التالیة:
1- وجوده سبحانه- جلّت عظمته و تقدّست ذاته- و توحیده و انّه واحد لاندّ له و لا مثل، وقد تمثّل هذا النوع من التوحید فی سورة الإخلاص، قال سبحانه: «قُل هُو الله أحدٌ* الله الصَّمَدُ* لَمْ یَلِدْ و لم یُولَدْ* و لم یَکُن لَهُ کُفُواً أحَدٌ».
2- أنّه متفرّد فی الخالقیة و لا خالق للعالم وما فیه إلّاالله سبحانه، وقد أکد القرآن على ذلک أشد تأکید، قال سبحانه:
«قُلِ الله خالِقُ کُلّ شَیْءٍ وَهُوَ الواحِدُ القَهّار» (الرعد- 16).
«الله خالِقُ کُلّ شَیْءٍ وَهُوَ عَلَى کُلّ شَىْءٍ وَکِیل» (الزمر- 62).
«ذلِکُمُ الله رَبُّکُمْ خالِقُ کُلّ شَیْءٍ لا إلهَ إلّاهُو» (المؤمن- 62).
«ذلِکُمُ الله رَبُّکُمْ لَاإلهَ إلّاهُوَ خالِقُ کُلّ شَىءٍ فَاعبُدُوهُ» (الأنعام- 102).
«هُوَ الله الخالِقُ البارئُ المُصَوّرُ لَهُ الأسماءُ الحُسنى» (الحشر- 24).
«أنّى یَکُونُ لَهُ وَلَدٌ و لمْ تَکُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وخَلَقَ کُلَّ شَىْءٍ» (الأنعام- 101).
3- أنّه سبحانه: متفرّد فی الربوبیة و التدبیر و انّه لا مدبر للعالم ومافیه سواه وهذا یرکّز القرآن علیه فی مسیر دعو ته الاعتقادیة ویقول: «إِنَّ رَبَّکُمُ الله الَّذِی خَلَقَ السَّمواتِ و الأَرضَ فِى سِتَّةِ أَیامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرْشِ یُدَبِّرُ الأَمرَ ما مِنْ شَفیعٍ إلّامِنْ بَعْدِ إذنِهِ ذلِکُمُ الله رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أفَلا تَذکَّرون» (یونس- 3). «الله الَّذِی رَفَعَ السَّمواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ استوى عَلى العَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ و القَمَرَ کُلّ یَجْرِى لأجَلٍ مُسَمّى یُدَبِّرُ الأمرَ یُفَصِّلُ الآیاتِ لَعَلَّکُمْ بِلِقاءِ رَبّکُمْ تُوقِنون» (الرعد- 2).
کما نبّه بعقیدة أهل الکتاب وندّد بها و یقول: «اتَّخَذُوا أحبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرباباً مِنْ دُونِ الله» (التوبة- 31). «ولا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أرباباً مِنْ دُونِ الله» (آل عمران- 64).
4- کونه المستحق للعبادة فقط، و لا معبود بحق سواه وهذا هو الهدف المهم من بعث الأنبیاء، لأنّ سلامة الفطرة تسوق الإنسان إلى التوحید فی الذات و انّما تحیط به الوساوس فی توحید العبادة و لأجله رکز الأنبیاء على ذلک أکثر ممّا سواه قال سبحانه: «و لقد بَعَثنا فی کُلّ أُمَّةٍ رَسُولًا أنِ اعْبُدُوا الله و اجتَنِبُوا الطّاغُو ت» (النحل- 36).
وقال سبحانه: «وَمَا أرْسَلْنا مِن قَبلِکَ مِن رَسُولٍ إلّا نُوحِی إلَیْهِ أنَّهُ لا إلهَ إلّا أنا فاعبُدُونِ» (الأنبیاء- 25).
5- نبوة الرسول الأکرم ورسالته العالمیة. قال سبحانه: «وإنْ کُنتُمْ فی رَیَبٍ ممّا نَزَّلنا عَلَى عَبْدنا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثلِهِ و ادعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ الله إن کُنْتُم صادقین* فَإن لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النارَ التی وَقُودُها الناسُ و الحِجارَةُ أُعِدَّتْ للکافِرِین» (البقرة- 23- 24).
ولذلک یعدّ القرآن أهل الکتاب ضالّین لعدم إیمانهم بمثل ما آمن به المؤمنون قال سبحانه: «فإنْ آمَنُوا بِمثلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وإنْ تَوَلَّوا فإنّما هُم فی شِقاق»(البقرة- 137).
ولمّا کان الإیمان بالتوحید، مقروناً بالإیمان برسالة النبی الأکرم، کان الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً وشعارهم لا إله إلّاالله، محمد رسول الله.
6- المعاد و یوم الجزاء و الاعتراف به من أرکان الإیمان، و إن غفل عن ذکره أکثر المتکلّمین الباحثین فی الإیمان و الکفر، و لا یتحقّق للدین بمعناه الوسیع، مفهوم، مالم یوجد فیه عنصر العقیدة بیوم المعاد و لا تّتسم العقیدة بسمة الدین إلّابه. و لأجل ذلک قرن الإیمان به، بالإیمان بالله سبحانه فی غیر واحدة من الآیات قال سبحانه: « إن کُنتُمْ تُؤمِنُونَ بالله و الیَومِ الآخِر» (النساء- 59) و قوله: «مَن کانَ مِنکُمُ یُؤمِنُ بِالله و الیومِ الآخِر» (البقرة- 232) إلى غیر ذلک من الآیات الواردة حول الإیمان بیوم الجزاء.
إن الاعتراف بهذه الأُمور قد أخذ فی موضوع تحقّق الإسلام بمعنى أنّ إنکارها أو الجهل بها یقتضی الحکم بکفر جاهلها أو منکرها و إن کان ربما لا یستحق العقاب لکونه جاهلًا أو قاصراً و مع ذلک یعد کافراً و یترتب علیه أحکامه.
وحصیلة الکلام: أنّ الإیمان یتمّثل بالتصدیق بهذه الأُمور، جمیعاً، و إنکار واحدٍ منها عناداً أو شبهة یخرج عن حظیرة الإسلام و یقع فی عداد الکافرین. وکان الإقرار بالشهادتین فی عصر الرسالة متضمنّا لهذه الشهادات الست، لأجل قرائن حالیة موجودة حولهما، وبذلک یظهر سر لفیف من الروایات الدالة على کفایة الشهادتین فی الدخول فی حظیرة الإیمان و التی هی على صنفین:
1- ما یدل على کفایة الإقرار بالشهادتین والتصدیق بالتوحید والرسالة.
2- ما یضیف إلیهما إقامة الصلاة وإیتاء الزکاة والحج وصوم رمضان.
والیک الصنفین:
الصنف الأوّل، وهو ما اقتصر بإظهار الشهادتین:
1- روى البخاری عن عمر بن الخطاب أنّ علیاً صرخ: « یا رسول الله على ماذا أُقاتل الناس»؟ قال- صلَّى الله علیه و آله و سلم-: «قاتلهم حتى یشهدوا أن لا إله إلّا الله و أنّ محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلک فقد منعوا منک دماءهم و أموالهم إلّا بحقها وحسابهم على الله»(5)
2- ما رواه الإمام الشافعی عن أبی هریرة أنّ رسول الله قال: «لا أزال أُقاتل النّاسَ حتى یقولُوا: لا إله إلّاالله فإذا قالوها فقد عصموا منّى دماءهم و أموالهم إلّابحقّها و حسابهم على الله»(6)
3- روى التمیمی عن الإمام الرضا- علیه السلام- عن آبائه عن علیّ قال: «قال النبی: أُمرت أُقاتل النّاس حتى یقولوا لا إله إلّاالله، فإذا قالوا حرمت علیّ دماؤهم و اموالهم »(7)
4- روى البرقى مسنداً عن الإمام الصادق- علیه السلام- أنّه قال: «الإسلام یحقن به الدم، و تؤدّى به الأمانة، و یستحلّ به الفرج، و الثواب على الإیمان»(8)
5- و قال الإمام الصادق- علیه السلام-: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله و التصدیق برسول الله، به حقنت الدماء، وعلیه جرت المناکح و المواریث»(9)
6- قال الإمام الشافعی: فأعْلَمَ رسول الله أنّه سبحانه فرض أن یقاتلهم حتى یُظهِرُوا أنّ لا إله إلّا الله، فإذا فعلوا منعوا دماءهم و أموالهم إلّا بحقّها(10)
7- قال القاضی عیاض: اختصاص عصم النفس و المال لمن قال: لا إله إلّاالله، تعبیر عن الإجابة عن الإیمان، أو أنّ المراد بهذا مشرکو العرب و أهل الأوثان و من لا یوحّد، و هم کانوا أوّل من دُعى إلى الإسلام وقو تل علیه، فأمّا غیرهم ممّن یقرّ بالتوحید فلا یکتفى فی عصمته بقوله لا إله إلّاالله إذا کان یقولها فی کفره و هی من اعتقاده، و لذلک جاء فی الحدیث الآخر: و أنّى رسول الله، و یقیم الصلاة و یؤتی الزکاة(11)
و أمّا الصنف الثانی فنأتی ببعض نصوصه:
1- ما رواه البخاری عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: « بُنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّاالله و أنّ محمداً رسول الله، و إقامة الصلاة، و إیتاء الزکاة، و الحج، و صوم شهر رمضان»(12)
2- ما تضافر عن رسول الله- صلَّى الله علیه و اله و سلم-: من شهد أن لا إله إلّا الله، و استقبل قبلتنا و صلّى صلاتنا، و أکل ذبیحتنا، فذلک المسلم، له ما للمسلم وعلیه ما على المسلم(13)
3- روى أنس بن مالک عن رسول الله قال: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتى یقولوا لا إله إلّاالله و أنّ محمداً رسول الله، و استقبلوا قبلتنا، و أکلوا ذبیحتنا، وصلّوا صلاتنا، حرمت علینا دماؤهم و أموالهم إلّا بحقّها»(14)
وهذه النصوص- وما أکثرها وقد اقتصرنا بالقلیل- تُصرّح بأنّ ما تحقن به الدماء و تصان به الأعراض و یدخل به الإنسان فی عداد المسلمین ویستظلُّ بخیمة الإسلام، هو الاعتقاد بتوحیده سبحانه ورسالة الرسول و هذا ما نعبر عنه ببساطة العقیدة و سهولة التکالیف الإسلامیة.
إذا عرفت هذین الصنفین من الروایات فاعلم أنّ الجمیع یهدف إلى أمر واحد و هو أنّ الدخول فی الإسلام و التظلّل تحت مظلّته لیس بأمر عسیر بل سهل جداً، و لیس فی الإسلام ما هو معقّد فی المعارف، و لا معسور فی الأحکام، و شتان بین بساطة العقیدة فیه، و التعقید الموجود فی المسیحیة من القول بالتثلیث و فی الوقت نفسه من الاعتقاد بکونه سبحانه إلها ًواحداً.
و أمّا الاختلاف بین الصنفین فیمکن رفع ذلک بوجهین:
الأوّل: انّ موقف الصنف الأوّل غیر موقف الصنف الثانی، فالأوّل بصدد بیانه ما تصان به الدماء و تحل به الذبائح، و تجوز المناکحة فیکفی فی ذلک الاعتراف بالشهادتین المعربتین عن التصدیق بهما قلبا. و أمّا الثانی فهو بصدد بیان ما ینجی الإنسان من عذاب الآخرة و هو رهن العمل بالأحکام و قد ذکرنا نماذج منه، لتکون إشارة إلى غیرها.
الثانی: انّ ما جاء به النبی ینقسم إلى ضروری یعلم من غیر نظر و استدلال و یعرفه کل من ورد حظیرته کوجوب الصلاة و الزکاة وصوم رمضان، و إلى غیر ضروری یقف به من عمّر فی الإسلام وعاش بین المسلمین و تخالط مع العلماء و الوعاظ، أو نظر فی الکتاب و السنّة، فإنّ إنکار القسم الأوّل إنکار لنفس الرسالة، بحیث لا یمکن الجمع- فی نظر العرف- بین الشهادة على الرسالة و إنکار وجوب الصلاة و الزکاة، و لأجل ذلک لا یعذر فیه ادّعاء الجهل عند الإنکار إلّا إذا دلّت القرائن على جهل المنکر بأنّه ضروریّ کما إذا کان جدید العهد بالإسلام، وسیوافیک حکم منکر الضروریّ فی الفصل القادم. و على هذا لا منافاة بین الصنفین فلعلّ عدم ذکرها فی الصنف الأوّل للاستغناء عنه بالاعتراف بالرسالة غیر المنفکة عن الاعتراف بها.
و بذلک یظهر: أنّ المسائل الفرعیة و الأُصولیة الکلامیة و إن کانت من صمیم الإسلام لکن لا یجب الإذعان القلبی بها تفصیلًا، بل یکفی الإیمان بها إجمالًا حسب ما جاء به النبی فیکفى فی الإیمان، الإذعان بإن القرآن نزل من الله، من دون لزوم عقد القلب بقدمه أو حدوثه، و أنّ الله عالم و قادر من دون لزوم تبیین موقع الصفات و أنّها عین الذات أو زائدة علیها، و قس على ذلک جمیع المسائل الکلامیة و الفقهیة إلّا ما خرج(15)
لا يوجد تعليق