الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
قد تصل درجة الحب و الولاء و شدّة الشوق فی الإنسان إلى درجة بحیث یرى نفسه «عبداً» أو «غلاماً» لمن یحبه ویوده، وما ذلک إلّا إمعاناً منه فی إبراز الحب و إظهار التصاغر أمام حبیبه.
و من هذا المنطلق تجد الکثیر من ذوی النفوس الطاهرة والأرواح الزکیة یعشقون الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم)، و یهیمون به و بالأولیاء و الصالحین إلى درجة یدفعهم ذلک الحب و الشوق و المودة لهم إلى أن یسمّوا أبناءهم «بعبد النبی» أو «عبد الحسین»، وغیر ذلک من الأسماء التی تبدأ بکلمة «عبد»، و فی الحقیقة أنّ هذه التسمیة هی انعکاس طبیعی و تعبیر بریء عمّا تکن نفوسهم من الحب والولاء والشوق للنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) و أهل بیت الوحی (علیهم السلام).
ولیس وراء تلک التسمیة غایة أو قصد آخر غیر ما ذکرنا، وما یدرک ذلک إلّا ذوو النفوس الطاهرة والأحاسیس المرهفة.
بعد هذه المقدّمة نشیر إلى إشکالیة أثارها البعض حول تلک التسمیة حیث قالوا: لا ینبغی للإنسان أن یرتدی برداء العبودیة إلّا للّه سبحانه، لأنّ هذا الرداء من شأنه سبحانه و تعالى وحده لا یشارکه فیه أحد مهما کان، کما یقول عزّ وجلّ: « إِنْ کُلُّ مَنْ فِی السَّمواتِ وَ الأَرْضِ إِلّا آتِی الرَّحْمنِ عَبْداً»[1]
فإذا کان الإنسان عبداً للّه سبحانه و تعالى فکیف یصحّ أن نسمّیه ب- «عبد زید» أو «عبد عمرو» فإنّ هذه التسمیة تشم منها رائحة الشرک؟!!
جواب الشبهة :
من أجل أن تظهر الحقیقة وینجلی الحق، و لیتّضح مدى و هن هذا الإشکال لابدّ أوّلًا من معرفة و بیان ملاک «العبودیة» ثمّ الانتقال للحدیث عن «الانحصار وعدم الانحصار» ثانیاً.
وبعبارة أُخرى: لابدّ من التمییز بین العبودیة التکوینیة التی عجنت مع جوهر الإنسان، و بین العبودیة التشریعیة أو القانونیة التی قد تنفصل عن الإنسان، فإنّ ذلک مهم جدّاً فی مقام الإجابة عن الشبهة المطروحة فنقول:
إذا کان الملاک فی العبودیة هو «الخالقیة» و «منح الوجود» للطرف المقابل، فلا شکّ أنّ جمیع بنی الإنسان یشترکون فی هذه العبودیة للّه سبحانه و تعالى ولا یشارکه فیها أحدٌ أبداً، و إذا ما وجدنا السید المسیح (علیه السلام) یقول: « إِنّی عَبْدُ اللّه»[2]، أو نراه سبحانه ینادی المؤمنین بقوله: (یا عباد)، و بقوله: « قُل یا عِبادِ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ »[3] فإنّ ذلک کلّه منطلق من هذا الملاک، أعنی: ملاک الخالقیة و منح الوجود للإنسان.
و من الواضح أنّ هذا النوع من العبودیة ملازم للإنسان و یستحیل أن ینفک عنه أبداً، و لابدّ للإنسان أن ینطلق فی عبودیته للّه سبحانه و یطیعه و یعبده من خلال هذا الملاک؛ أمّا إذا کانت العبودیة ناشئة من الملاک التشریعی أو العقد الاجتماعی، فحینئذ لا تکون العبودیّة هنا منحصرة باللّه سبحانه و تعالى، بل یمکن- و تحت شروط خاصة و ظروف معینة- أن یکون الإنسان عبداً لغیره، نشیر هنا إلى کلا النموذجین:
1. طالما هیمن الطواغیت و المستکبرون على مقدّرات المستضعفین و المحرومین و استرقّوهم بحیث أصبحوا بمنزلة السلعة تباع وتشترى فی أسواق النخاسة، و لم ینحصر الأمر بهم بل امتد لیشمل أبناءهم و ذراریهم، و لیس التاریخ الأُوروبی و الأمریکی ببعید عنّا، حیث کانوا و لفترة قریبة جداً یزاولون تجارة الرق، بل کان کسب الکثیر منهم قائماً على أساس سرقة و اختطاف الإنسان الأسود فی أفریقیا و شحنه بطریقة مأساویة جداً فی سفن لا تتوفر فیها أبسط الوسائل لنقل الإنسان، بل کانت تمارس بحقّهم أقسى أنواع المعاملة، و أنت إذا نظرت إلى المجتمع الأُوروبی أو الأمریکی تجد الکثیر من نسل أُولئک الأفارقة الذین اختطفوا من أرضهم و أُرسلوا قسراً إلى تلک البلاد. و لقد عارض الإسلام هذا النوع من الاسترقاق و العبودیة. و سعى للقضاء على ظاهرة الرق، و إذا ما وجدنا الإسلام قد أجاز ذلک فی الحروب الشرعیة فلأجل الحفاظ على حیاة الأسرى، و لکنّه فی الوقت نفسه جعل لهم أحکاماً خاصة تؤول فی النتیجة إلى تحریرهم و خلاصهم، و قد بحثت هذه القضیة مفصّلًا فی أبواب الفقه الإسلامی.
2. انّ القرآن الکریم قسّم الناس إلى صنفین، فقال: « الحُرُّ بِالحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالعَبْدِ»[4]، و لا ریب أنّه لیس المقصود فی الآیة هو العبد التکوینی، و ذلک لأنّ العبودیة بهذا المعنى لا تختص بصنف من الناس دون صنف، بل الکلّ فیها سواسیة فالجمیع عبید له سبحانه، إذاً المقصود من الآیة «العبد» مقابل «الحرّ»، فلابدّ حینئذ من بیان هذه العبودیة، و انّ العبد الذی جاء ذکره فی القرآن عبد لمن؟
لا ریب أنّ المراد منه الإنسان الذی یکون عبداً لغیره، و الذی یمتلک زمام أُموره و یتسلّط علیه وفقاً للقانون و التشریع الإسلامی.
و فی آیة أُخرى نجد القرآن المجید وفی مجال الحثّ على التزویج و الترغیب فیه یقول: « وَأَنْکِحُوا الأَیامى مِنْکُمْ وَالصّالِحینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَإِمائِکُمْ»[5]
وحینئذ نتساءل الآیة تقصد عبد من؟ وأمة من؟ لا شکّ أنّها تقصد العبد أو الأمة اللذین تسلط علیهما مالکهما بطریقة شرعیة.
بعد هذه المقدمة یتّضح لنا وبجلاء أنّ العبودیة النابعة من الخالقیة و الربوبیة لا یمکن أن تضاف إلى غیره سبحانه وتعالى، فالکلّ عبیده بما فیهم الأنبیاء و الأولیاء فضلًا عن عامّة الناس، وأمّا العبودیة النابعة من التشریع والتقنین فمن الممکن أن تنسب إلى غیره سبحانه فیقال: «زید غلام النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)»، و«قنبر غلام علی» و«فلان عبد زید» و«فلانة أمة فلان» وهکذا.
وبالالتفات إلى هذین النوعین من العبودیة نفهم: أنّ العبودیة القانونیة رمز للطاعة والتبعیة للمولى، أی ینبغی على العبد أو الأمة إطاعة مولاهما و اتّباع أوامره و نواهیه، و لقد حدّد الفقه الإسلامی دائرة تلک الأوامر و النواهی و مقدار دائرة حقّ المولى على عبیده و إمائه. و من هنا نعرف انّ الغایة من تسمیة الأبناء ب«عبد النبی» أو «عبد الحسین» هو تشبیه الأطفال بالعبد القانونی الذی جوهر حقیقته هو الطاعة، فیکون المعنى هکذا: کما أنّ العبد القانونی مطیع و تابع لمولاه، فهکذا صاحب هذا الاسم- أی الولید- هو عبد للنبی أو لسید الشهداء و مطیع لهما.
لا يوجد تعليق