الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
کان یزید صاحب طرب و جوارح و کلاب و قرود و فهود و منادمة على الشراب، و جلس ذات یوم على شرابه، و عن یمینه ابن زیاد، و ذلک بعد قتل الحسین، فأقبل على ساقیه فقال:
اسْقِنی شَرْبَةً ترَوِّی مُشاشی ثم مِلْ فاسق مثلها ابن زیاد صاحب السرّ و الأمانة عِندی و لتسدید مغنمی و جهادی ثم أمر المغنین فغنوا به.
و غلب على أصحاب یزید و عماله ما کان یفعله من الفسوق، و فی أیامه ظهر الغناء بمکة و المدینة، و استعملت الملاهی، و أظهر الناس شرب الشراب،...
و فی یزید و تملکه و تبجره و انقیاد الناس الى ملکه یقول الأحوص:
ملک تدین له الملوک مُبَارک کادت لهیبته الجبالُ تزُولُ تُجْبى له بَلْخُ و دِجْلةُ کلها و له الفرات و ما سَقَى و النّیلُ و قیل: إن الأحْوَص قال هذا فی معاویة بعد وفاته یرثیه.
ما قیل فی مقتل الحسین:
و لما قتل الحسین بن علی رضی الله عنهما بکربلاء و حمل رأسه ابن زیاد الى یزید خرجت بنت عقیل بن أبی طالب فی نساء من قومها حواسر حائرات، لما قد ورد علیهن من قتل السادات، و هی تقول:
ما ذا تقولون إنْ قال النبیُّ لکم: ما ذا فعلتم و أنتم آخر الأمم؟
بعِتْرَتی و بأهلی بعد مُفْتَقَدی نِصْفٌ أسارى و نِصْفٌ ضُرِّجوا بدم ما کان هذا جزائی إذ نصَحْتُ لکم أن تخْلفونی بشر فی ذوی رَحِمِی و فی فعل ابن زیاد بالحسین یقول أبو الأسود الدؤلی من قصیدة:
أقولُ و ذاک من جَزَعٍ وَ وَجْدٍ أزالَ الله مُلک بنی زیادِ
و أبْعَدَهُمْ، بما غَدَرُوا و خانوا کما بَعُدَتْ ثَمودُ و قومُ عاد
أهل المدینة و عمال یزید:
و لما شمل الناس جوْرُ یزید و عماله، و عمَّهم ظلمه، و ما ظهر من فسقه: من قتله ابن بنت رسول الله صلى الله علیه و سلم و أنصاره، و ما أظهر من شرب الخمور و سیره سیرة فرعون، بل کان فرعون أعدل منه فی رعیته، و أنصف منه لخاصته و عامته: أخرج أهْلُ المدینة عامله علیهم - و هو عثمان بن محمد بن أبی سفیان - و مروان بن الحکم، و سائر بنی أمیة، و ذلک عند تنسک ابن الزبیر و تألُّهه، و إظهار الدعوة لنفسه، و ذلک فی سنة ثلاث و ستین، و کان إخراجهم لما ذکرنا من بنی أمیة و عامل یزید عن إذن ابن الزبیر، فاغتنمها مروان منهم، إذ لم یقبضوا علیهم و یحملوهم الى ابن الزبیر، فحثُّوا السیر نحو الشام، و نمى فعل أهل المدینة ببنی أمیة و عامل یزید إلى یزید، فسیَّرَ إلیهم بالجیوش من أهل الشام علیهم مسلم بن عقبة المری الذی أخاف المدینة و نهبها، و قتل أهلها، و بایعه أهلها على أنهم عبید لیزید، و سماها نتنة، و قد سماها رسول الله صلى الله علیه و سلم طَیْبة، و قال: «من أخاف المدینة أخافه الله» فسمى مسلم هذا لعنه الله بمجرم و مسرف، لما کان من فعله، ...
وقعة الحرة:
و لما انتهى الجیش من المدینة الى الموضع المعروف بالحرَّة و علیهم مُسرف خرج إلى حربه أهلها علیهم عبد الله بن مطیع العدوی، و عبد الله بن حنظلة الغسیل الأنصاری، و کانت وقعة عظیمة قتل فیها خلق کثیر من الناس من بنی هاشم و سائر قریش و الأنصار و غیرهم من سائر الناس، فممن قتل من آل أبی طالب اثنان عبد الله بن جعفر بن أبی طالب، و جعفر بن محمد بن علی بن أبی طالب، و من بنی هاشم من غیر آل أبی طالب الفضل ابن العباس بن ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب، و حمزة بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، و العباس بن عتبة بن أبی لهب بن عبد المطلب، و بضع و تسعون رجلًا من سائر قریش و مثلهم من الأنصار، و أربعة آلاف من سائر الناس ممن أدرکه الإحصاء، دون من لم یعرف.
و بایع الناس على أنهم عبیدٌ لیزید، و من أبى ذلک أمره مُسْرف على السیف غیر علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب السَّجاد، و علی بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، و فی وقعة الحرة یقول محمد بن أسلم:
فإن تَقْتُلونا یَوْمَ حرَّة واقمٍ فنحنُ على الإسلام أوَّل من قتل و نحن ترکناکمْ ببدْرٍ أذلةً و أبْنَا بأسیافٍ لنا منکم تفل و نظر الناس الى علی بن الحسین السجاد و قد لاذ بالقبر و هو یدعو، فأتى به إلى مُسْرِف و هو مغتاظ علیه، فتبرأ منه و من آبائه، فلما رآه و قد أشرف علیه ارتعد، و قام له، و أقعده إلى جانبه، و قال له: سَلْنِی حوائجک، فلم یسأله فی أحد ممن قدم الى السیف إلا شفَّعه فیه، ثم انصرف عنه، فقیل لعلی: رأیناک تحرک شفتیک، فما الذی قلت؟ قال: قلت: اللهم ربَّ السموات السبع و ما أظللن، و الأرضین السبع و ما أقللن، ربَّ العرش العظیم، ربَّ محمد و آله الطاهرین، أعوذ بک من شره، و أدرأ بک فی نَحْره، أسألک أن تؤتینی خیره، و تکفینی شره، و قیل لمسلم: رأیناک تسبُّ هذا الغلام و سَلَفه، فلما أتى به إلیک رفعت منزلته، فقال:
کان ذلک لرأی منی، لقد ملئَ قلبی منه رعباً...
و لما نزل بأهل المدینة ما وصفنا من القتل و النهب و الرق و السبی و غیر ذلک مما عنه أعرضنا [1] من مُسْرِفٍ خرج عنها یرید مکة فی جیوشه من أهل الشام. لیوقع بابن الزبیر و أهل مکة، بأمر یزید، و ذلک فی سنة أربع و ستین.
فلما انتهى الى الموضع المعروف بقدید مات مُسْرف لعنه الله! و استخلف على الجیش الحصینُ بن نمیر، فسار الحصین حتى أتى مکة و أحاط بها، و عاذ ابن الزبیر بالبیت الحرام، و کان قد سمى نفسه العائذَ بالبیتِ، و شُهِر بهذا حتى ذکرته الشعراءُ فی أشعارها، من ذلک ما قدمنا من قول سلیمان بن قتة:
فإن تُتْبِعُوه عائذ البیت تُصْبِحُوا کعادٍ تعَمَّتْ عن هُداها فضلَّتِ
رمی الکعبة بالمجانیق:
و نصب الحصین فیمن معه من أهل الشام المجانِیقَ و العرادات على مکة و المسجد من الجبال و الفجاج، و ابنُ الزبیر فی المسجد، و معه المختار بن أبی عبید الثقفی داخلا فی جملته، منضافاً إلى بیعته، منقاداً إلى إمامته، على شرائط شرطها علیه لا یخالف له رأیاً و لا یعصى له أمراً، فتواردت أحجار المجانیق و العرادات على البیت، و رمى مع الأحجار بالنار و النفط و مشاقات الکتان و غیر ذلک من المحروقات، و انهدمت الکعبة، و احترقت البنیة، و وقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانیق أحَدَ عَشَرَ رجلا، و قیل أکثر من ذلک و ذلک یوم السبت لثلاث خلون من شهر ربیع الأول من السنة المذکورة، قبل وفاة یزید بأحد عشر یوماً، و اشتد الأمر على أهل مکة و ابن الزبیر، و اتصل الأذی بالأحجار و النار و السیف: ففی ذلک یقول أبو وَجْزَة المدنی:
ابنُ نُمَیْرٍ بئسَ ما توَلَّى قد أحْرَق المقام و المُصلَّى
و لیزید و غیره أخبار عجیبة، و مثالب کثیرة: من شرب الخمر، و قتل ابن بنت الرسول، و لعْن الوصی، و هدم البیت و إحراقه، و سفک الدماء، و الفسق و الفجور، و غیر ذلک مما قد ورد فیه الوعید بالیأس من غفرانه، کوروده فیمن جحد توحیده و خالف رسله، و قد أتینا على الغرر من ذلک فیما تقدم و سلف من کتبنا. و الله ولی التوفیق[2]
لا يوجد تعليق