الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
ترجمة روبرت أوف کیتون إحدى الترجمات الخمس التى أصبحت تعرف فى أوربا باسم المجموعة الطلیطلیة. و قام بهذه الترجمة مترجم إنجلیزى یسمى روبرت أوف کیتون کان قد استقر فى برشلونة فى الأندلس منذ سنة 530 هـ/ 1136 م و أتقن العربیة و اهتم بالمؤلفات العربیة فى علم الفلک و الهندسة و قد علم روبرت أوف کیتون من بطرس المکرم أن هدفه تعریف الغرب النصرانى بالإسلام الذى یعتبره هرطقة من الهرطقات الکبرى التى هددت النصرانیة، و أن بطرس المکرم ینوى الرد على الإسلام، لذلک قام روبرت أوف کیتون بترجمة خاطئة مغرضة لمعانى القرآن الکریم، کان لها تأثیر سىء فى صیاغة تلک العقیدة الغربیة الحاقدة تجاه الإسلام و نبیه محمد علیه الصلاة و السلام.
و تتضح أهداف روبرت أوف کیتون المبنیة على أهداف بطرس المکرم مما جاء فى مقدمته لتلک الترجمة، حیث صدّرها بمقدمة طنانة سماها (تمهید عن الخرافة الإسلامیة المسماة بالقرآن) و مما قاله فى مقدمته، «... أنا کشفت عن شریعة محمد بیدىّ و جلبتها إلى خزینة اللغة الرومانیة، الأمر الذى سوف یساعد رسالة المسیح المخلّص على الانتشار و تخلیص الجنس البشرى من هذا الإثم- الإسلام- ذلک أن دکاترة الکنیسة أهملوا تلک الهرطقة الکبرى- یقصد الإسلام- لتصل و تصعد إلى شىء ضخم جدا و مفرط لمدة خمسمائة و سبع و ثلاثین سنة، لأنها مهلکة و ضارة، بسبب أن الزهرة من تلک العقیدة المتعصبة الفاسدة، مجرد غطاء فوق عقرب، تحول دون أن تلفت الانتباه إلیه، و تحطّم بالخداع قانون الدین المسیحى ...» إلى أن یقول مخاطبا بطرس المکرّم: «و لذلک قمت بالعمل معک لما علمت أن نفسک مجتهدة فى سبیل کل شىء صالح، و أنک تتوق إلى ردم المستنقع غیر الخصب للعقیدة الإسلامیة ... لذلک أنا کشفت عن السبل و الوسائل- بکل جهدى- للوصول إلى ذلک ... و هکذا أنا أحضرت الخشب و الحجارة اللازمة لعمارتک الجمیلة التى یجب أن تنتصب فوق الجمیع خالدة.
أنا کشفت الغطاء عن دخّان محمد الذى یجب أن یخمد بواسطة منفاخک».
و قام روبرت أوف کیتون فى ترجمته لمعانى القرآن الکریم بإعادة ترتیب السور و عمد إلى الاختصار و التشویه المتعمّد و الحذف و الإضافة، و إضفاء الطابع اللاتینى على المعانى، مما أعطى صورة بشعة لمعانى القرآن الکریم.
و من أمثلة الفساد و التشویه فى تلک الترجمة ما یلى:
أ- أعطى معنى غامضا لخطاب یا أهل الکتاب و جعله یبدو فى معظم الأحیان و کأنه موجه إلى المسلمین.
ب- أضفى على کل الآیات المتعلقة بأحکام الزواج و الطلاق معانى جنسیة داعرة بحیث تبدو للقارئ الغربى لا سیما الرهبان مثیرة للاشمئزاز و النفور. مثل:
- الآیة 230 من سورة البقرة؛ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ ترجمها «فلا تحل له حتى یطأها رجل غیره». و النکاح هنا بمعنى عقد الزواج.
- الآیة 220 من سورة البقرة: وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْیَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَیْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُکُمْ ترجم تخالطوهم بمعنى تمارسوا معهم اللواط.
- الآیة 223 من سورة البقرة: نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ترجمعها بمعنى «فأتوهن فى أدبارهن».
- الآیة 50 من سورة الأحزاب: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَکَ أَزْواجَکَ ..
الآیة، ترجمها هکذا: «نحن نجیز لک أزواجک اللائى أتیتهن مهورهن، و جمیع إیمائک اللائى أعطاکهن اللّه، و بنات عمک، و بنات عماتک، و بنات خالک و بنات خالاتک، اللائى اتبعنک، و کل امرأة مؤمنة إذ هى ترغب فى تقدیم جسدها أو نفسها للرسول، و إذا الرسول یرغب أن یضطجع معها فلیفعل، و هذا خاص لک و لیس للمؤمنین الآخرین».
و هذا قلیل من کثیر مما فى تلک الترجمة القبیحة من تشویه متعمّد.
و لم یقتصر الأمر على ذلک؛ بل قام معلق مجهول بالتعلیق و التحشیة على تلک الترجمة فزاد فى التشویه إلى أقصى حد فمثلا عندما لا یتفق القصصالقرآنى مع بعض قصص العهد القدیم یهاجم القرآن، و یتهمه بالخرافة مثل وسوسة الشیطان لآدم و زوجه للأکل من الشجرة و فى العهد القدیم أن الحیة هى التى أغرت آدم بالأکل من الشجرة. و یعلق المعلق على القرآن بقوله: «کذب وقح». أیضا القصة الرائعة لحمل مریم بعیسى- علیه السّلام- کما جاء فى سورة مریم، یسمیها أیضا «کذب وقح».
کما أن هذا المعلق علّق- مثلا- على الآیتین من سورة الغاشیة: فَذَکِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ (الغاشیة: 20، 21)، علّق علیها موجها الخطاب إلى النبى علیه الصلاة و السلام؛ قائلا: «لماذا أنت بعد کل هذا توجّه أصحابک إلى أن یحوّلوا الناس إلى دینک بالسیف، إذا أنت تقول مثل هذه المبادئ التى لا تجبر الناس على الطاعة، فلماذا تجبر الناس على الطاعة و لماذا تخضعهم بالقوة مثل الحیوانات و البهائم المتوحشة، و لیس بواسطة الحجج و البراهین مثل البشر، فى الحقیقة أنت نموذج للکذّاب، فأنت فى کل مکان تناقض نفسک».
هذه الترجمة المشوهة لمعانى القرآن الکریم التى قام بها روبرت أوف کیتون لحساب بطرس المکرّم سنة 537 ه/ 1143 م هى أول ترجمة عرفتها أوربا و أحدثت تأثیرا واسعا على الفهم الأوربى المشوه للإسلام حتى القرن الثامن عشر، فقط ظلت تنتشر مخطوطاتها حتى قام عالمان سویسریان بطباعتها فى بازل سنة 949 ه/ 1543 م. و عن هذه الترجمة اللاتینیة قام أریفابینى الإیطالى بترجمتها إلى الإیطالیة سنة 953 ه/ 1547 م. و عن هذه الترجمة الإیطالیة قام سالمون اشفجر بترجمتها إلى الألمانیة سنة 1025 ه- 1616 م و عن هذه الترجمة الألمانیة ترجمت إلى الهولندیة سنة 1051 ه/ 1641 م.
و من هنا یتبین لنا الأثر السىء الذى ترکته هذه الترجمة على صورة الإسلام فى الغرب، إذ قامت علیها الکثیر من دراسات المستشرقین عن الإسلام[1]
لا يوجد تعليق