الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
رغم أننا نعلم بأنّ الأنبیاء والأئمّة علیهم السلام معصومون من الذنب ولا یصدر منهم أی خلاف، مع ذلک ورد فی بعض الأدعیة عنهم أنّهم یعترفون بذنوبهم ویسألون اللَّه العفو عنهم.
ففی دعاء کمیل مثلًا یتضرع علی علیه السلام إلى اللَّه بهذا الدعاء: « اللَّهُمَّ اغفر لِی الذّنوبَ الّتی تَهتِکُ العِصَمَ ... اللَّهُمُّ اغفِر لِی کُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ وَکُلَّ خَطِیئَةٍ أَخْطأتُها! ». فهل مرادهم من هذه الأدعیة الأمّة لتتعرف على أدب مناجاة اللَّه وکیفیة طلب المغفرة بهذه العبارات، أم أنّ هنالک حقیقة معینة فی تلک العبارات؟
لقد إلتفت العلماء الأعلام إلى هذا الإشکال منذ قدیم الزمان فذکروا عدّة أجوبة لعلها تتفق جمیعا على حقیقة واحدة، وهی أنّ للذنوب والمعاصی بُعد «نسبی» فی مثل هذه الموارد، فهی لیست من قبیل الذنوب المطلقة والعادیة.
توضیح ذلک: هنالک توقعات مختلفة فی جمیع القضایا الاجتماعیة والأخلاقیة والعلمیة والتربویة والدینیة.
وسنکتفی هنا بذکر مثال واحد من بین مئات الأمثلة لتوضیح الموضوع: لو تطوع عدد من الأفراد لمشروع خیری کبناء مستشفى مثلًا للفقراء، فالعامل الذی له دخل محدود ومع ذلک یتبرع بمبلغ ما لهذا المشروع فإنّه یحظى بتقدیر الآخرین، ولکن لو تبرع بهذا المبلغ رجل ثری، فهو لیس فقط لا یستحق التقدیر فحسب، بل ینقم علیه الجمیع و یذمونه؛ أی أنّ التبّرع الذی یمدح علیه شخص، یذم علیه شخص آخر! مع أنّ هذا المذموم لم یرتکب أی جرم من الناحیة القانونیة.
وفلسفة هذا الموضوع: أنّ ما یتوقع من کل فرد یتوقف على إمکاناته من قبیل العقل و العلم و الإیمان و بالتالی إمکانیته وقدرته.
فلربّما کان القیام بعمل من فرد یمثل عین الأدب والخدمة والحب والعبادة، لکنّه یمثل فی نفس الوقت من شخص آخر عین إساءة الأدب والخیانة و خلاف المحبّة والتقصیر فی العبادة والطاعة! و الآن على ضوء هذه الحقیقة، نأخذ بنظر الاعتبار الأنبیاء و الأئمّة علیهم السلام و نقیم أعمالهم على أساس تلک المنزلة العظیمة: فهؤلاء مرتبطون مباشرة بمبدأ عالم الوجود و قلوبهم تنبض بعلمه المطلق اللامتناهی، وهنالک العدید من الحقائق الواضحة لهم والخافیة على غیرهم، فهم قد بلغوا ذروة العلم و الإیمان والتقوى، وزبدة الکلام فهم یعیشون حالة من القرب الإلهی بحیث لا یغفلون عن معبودهم طرفة عین. وبناءً على هذا فما کان مباحاً أو مکروها على غیرهم یبدو محرّماً علیهم! والذنوب التی تنسب إلیهم من خلال بعض الآیات والروایات والأدعیة ووقوفهم لطلب العفو والمغفرة من هذا القبیل؛ أی أنّ مقامهم المعنوی وعلمهم وإیمانهم على درجة من الرفعة بحیث إنّ أدنى غفلة فی أبسط عمل إنّما تعدّ معصیة، ولعلنا نقف على هذه الحقیقة من الخیر المعروف «حسنات الأبرار سیئات المقربین»[1]
و قد أورد الفیلسوف الجلیل المرحوم الخواجة نصیر الدین الطوسی جواباً للإشکال المذکور و هو: «أنّ الإنسان إن ارتکب حراماً أو ترک واجباً، و لابدّ أن یتوب وینزع عن معصیته، وهذا القسم من الذنوب لعامة الأفراد. ولکن إن ترک أمراً مستحباً و أتى بفعل مکروه فهذا من الذنوب أیضاً ولابدّ من الأستغفار، وهذا الذنب والأستغفار بالنسبة للأفراد المعصومین من القسم الأول من الذنوب. والذنوب التی نسبها القرآن والروایات لبعض الأنبیاء علیهم السلام کآدم و موسى ویونس و ... من هذا القبیل، ولیست من الطائفة الأولى، ولو إلتفت فرد لغیر اللَّه واشتغل بأمور الدنیا وغفل عن التوجه إلى اللَّه فإنّ أهل المعرفة یعتبرون ذلک نوعاً من الذنوب، ولابد من التوبة منها وسؤال اللَّه المغفرة. و من هذا القبیل أیضاً ذنوب نبیّنا و أئمتنا والتی یقرون بها فی أدعیتهم ویستغفرون اللَّه منها، وهی لیست من النوع الأول والثانی من الذنوب»[2].
و نرى من الضروری لإکمال الجواب أن نتعرض هنا إلى الموضوع الذی ساقه أحد أعلام الشیعة المرحوم «علی بن عیسى الأربلی» فی الجزء الثالث من کتابه النفیس «کشف الغمة فی معرفة الأئمّة» ضمن بیانه لسیرة موسى بن جعفر علیهما السلام فقال: « کان للإمام الکاظم علیه السلام دعاء فی السجود یقرّ فیه بالمعصیة و یسأل اللَّه المغفرة ... »[3].
فکنت أفکر فی معناه وأقول: کیف یتنزل عمّا تعتقده الشیعة من القول بالعصمة، و ما اتضح لی ما یدفع التردد الذی یوجبه فاجتمعت بالسید السعید رضی الدین أبی الحسن علی بن موسى بن طاوس فذکرت له ذلک فقال: إنّ الوزیر مؤید الدین العلقمی سألنی عنه فقلت:
کان یقول هذا لیعلم الناس، ثم إنّی فکرت بعد ذلک فقلت: هذا کان یقوله فی اللیل، ولیس عنده من یعلمه. ثم سألنی عنه الوزیر مؤید الدین محمد بن العلقمی فأخبرته بالسؤال الأول والذی قلت والذی أوردته علیه، و قلت: ما بقی إلّاأن یکون یقوله على سبیل التواضع و ما هذا معناه، فلم تقع منی هذه الأقوال بموقع، ولا حلّت من قلبی فی موضع، و مات السید فهدانی اللَّه إلى معناه و وفقنی إلى فحواه بعد السنین المتطاولة من کرامات الإمام موسى بن جعفر علیه السلام و معجزاته. و تقریره أنّ الأنبیاء و الأئمّة علیه السلام تکون أوقاتهم مشغولة باللَّه تعالى، و قلوبهم مملوءة به، وخواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى، کما قال علیه السلام: « أُعبد اللَّه کأنّک تراه فإن لم تر ه فإنّه یراک ». فهم أبداً متوجهون إلیه و مقبلون بکلّهم علیه، فمتى انحطوا عن تلک الرتبة العالیة والمنزلة الرفیعة، إلى الاشتغال بالمأکل و المشرب والتفرغ إلى النکاح وغیره من المباحات عدّوه ذنباً واعتقدوه خطیئة واستغفروا منه. وإلى هذا أشار صلى الله علیه و آله: « إنّه لیران على قلبی و إنّی استغفر بالنهار سبعین مرّة »[4] .
والعبارة المعروفة « حسنات الأبرار سیئات المقربین » وأمثالها إشارة لهذه الحقیقة التی أوضحناها[5]
لا يوجد تعليق