الجواب الاجمالي:
یعطی دوران القمر المنتظم حول الأرض تقویماً واضحاً یستطیع قراءة خطوطه وخرائطه حتى الأمیون وسکّان البوادی. بيد أنّ دوران الشمس فی الأبراج الإثنی عشر لا تنفع الجمیع، وإنّما یستطیع علماء النجوم فقط عبر رصد النجوم من تحدید کون الشمس فی البرج الفلانی، ولهذا السبب فإنّ الآخرین مجبورون على مراجعة التقاویم التی نظمت من قبل هؤلاء المنجمین
الجواب التفصيلي:
إنّ مسألة العدد والحساب التی هی فی الواقع واحدة من أهم مسائل حیاة البشر فی جمیع النواحی والمجالات.
نعلم إنّ أهمیة أیة نعمة تتّضح أکثر عندما نلاحظ الحیاة بدون تلک النعمة، وعلى هذا فلو أن حساب التاریخ وامتیاز الأیّام والأشهر والسنین رفع من حیاة البشر، مثلا لا توجد أیام واضحة ومحددة للأسبوع، ولا أیّام الشهر، ولا عدد الشهور والسنین، ففی هذه الحالة ستتعرض کل المسائل التجاریة والاقتصادیة والسیاسیة وکل الاتفاقیات والبرامج الزمنیة المعدة للخلل وعندها سوف لا یثبت حجر على حجر وستنفرط عقدة النظم فی الاعمال، وحتى وضع الزراعة وتربیة الحیوانات والصناعات الإنتاجیة ستعمها الفوضى والاضطراب.
لکن لما کان الله سبحانه قد خلق الإنسان لیحیا حیاة سعیدة مقرونة بالنظام، فإنّه قد وضع وسائلها تحت تصرفه.
صحیح أن الإنسان یمکنه تنظیم أعماله إلى حدّ ما بالاُمور الاعتباریة، إلاّ أنّه إذا لم یستند إلى المیزان الطبیعی فإنّ مقیاسه الجعلی لا یکون عاماً وشاملا، ولیس قابلا للإعتماد.
إنّ دوران الشمس والقمر ـ وبتعبیر أصح دوران الأرض حول الشمس ـ والمنازل التی لهما، یشکل تقویماً طبیعیاً واضح الأساس ویستفید منه الجمیع فی کل مکان، ویعتمدون علیه، فکما أن مقدار الیوم واللیلة یعتبر مقیاساً زمنیاً صغیراً ینشأ نتیجة عالم طبیعی، أی حرکة الأرض حول نفسها، فإنّ الشهر والسنة یجب أن تستند إلى دوران طبیعی، وعلى هذا المنوال فإنّ حرکة القمر حول الأرض یشکل مقیاساً أکبر، فإنّ الشهر یساوی ثلاثین یوماً تقریباً، وحرکة الأرض حول الشمس ینتج منها مقیاس أعظم، وهو السنة.
قلنا: إنّ التقویم الإسلامی یستند إلى التقویم القمری ودوران القمر، ورغم أنّ دوران الشمس فی الأبراج الإثنی عشر طریقة جیدة لتعیین الأشهر الشمسیة، أنّ هذا التقویم مع أنّه طبیعی، إلاّ أنّه لا ینفع الجمیع، وإنّما یستطیع علماء النجوم فقط عبر رصد النجوم من تحدید کون الشمس فی البرج الفلانی، ولهذا السبب فإنّ الآخرین مجبورون على مراجعة التقاویم التی نظمت من قبل هؤلاء المنجمین، بینما یعطی دوران القمر المنتظم حول الأرض تقویماً واضحاً یستطیع قراءة خطوطه وخرائطه حتى الأمیون وسکّان البوادی.
وتوضیح ذلک إن هیئة القمر تختلف فی کل لیلة فی السماء عن اللیلة السابقة واللاحقة، بحیث لا توجد لیلتان فی طول الشهر تتحد فیها هیئة القمر فی السماء، وإذا دققنا قلیلا فی وضع القمر کل لیلة فإنّنا سنعتاد رویداً رویداً على تعیین تلک اللیلة من لیالی الشهر.
وقد یتصور البعض أنّ صورة القمر فی النصف الثانی من الشهر تتکرر فی صور النصف الأوّل بعینها، وأنّ صورة القمر فی لیلة الإحدى والعشرین مثلا هی بعینها صورته فی اللیلة السابقة، إلاّ أنّ هذا اشتباه کبیر، لأنّ جانب النقص فی القمر فی النصف الأوّل هو الطرف الأعلى، فی حین أنّ جانب نقصه فی النصف الثّانی من الطرف الأسفل، وبتعبیر آخر فإنّ أطراف الهلال الدقیقة تکون إلى الشرق فی البدایة، بینما هی فی الجانب الغربی عند أواخر الشهر، إضافةً إلى أنّ القمر یرى فی الغرب أوائل الشهر، أمّا فی أواخره فإنّه یرى فی الشرق، ویتأخر کثیراً فی طلوعه. وعلى هذا فإنّه یمکن الإستفادة من شکل القمر مع تغییراته التدریجیة کعداد یومی، ولتحدید أیّام الشهر بدقة من خلال شکل القمر.
على کل حال، فإنّنا فی هذه الموهبة التی نسمیها «النظام التأریخی»، مدینون لهذا الخلق الإلهی، ولولا حرکات القمر والشمس (والأرض) لکان لنا وضع مضطرب وفوضوی فی الحیاة لم یکن فی الحسبان تصوره.
إنّ السجناء فی الزنزانات الإنفرادیة المظلمة، والذین أضاعوا الزمان والأوقات ولم یهتدوا إلیها، قد أحسوا بهذه الحیرة وعدم الهدفیة والتکلیف(1)
لا يوجد تعليق