الجواب الاجمالي:
ان القارئ والمطلع على ما یکتبه رجالات السلفیة المعاصرون فی الأصول والفروع، وما ینشرونه من کتب التراث التی تدعم مذهبهم، وما یدعون إلیه، سیجد بأن الدعوة «الحشویة الحنبلیة» قد قامت من رقادها الطویل مستعیرة لقب «السلفیة» للتضلیل والتمویه على عامة الناس عموما و أبناء الصحوة الإسلامیة خصوصا.
الجواب التفصيلي:
ان السلف لغة، تعنی التقدم الزمنی «فکل زمن من الأزمان سالف بالنسبة الى الأزمنة الآتیة فی أعقابه و خلف بالنسبة الى الأزمنة التی سبقته و مرت من قبله»[1] لکن الاختلاف ظهر فی تحدید مفهومه الاصطلاحی و ربط ذلک بفترة زمنیة محددة أطلق علیها اسم «السلف».
والمعنى الاصطلاحی المستقر لهذه الکلمة کما ذهب إلیه البوطی: «هو القرون الثلاث الأولى من عمر هذه الأمة الإسلامیة»[2] وذهب غیره الى «اتفاق رأی العلماء بأن السلف یراد بهم الصحابة رضی الله عنهم والتابعون علیهم رحمة الله، و تابعوا التابعین رحمهم الله»[3] وقیل ما قبل الخمسمائة[4]
وعند الفقهاء: السلف: من ابی حنیفة الى محمد بن الحسن و الخلف:من محمد بن الحسن الى شمس الائمة الحلوائی و المتأخرون: من الحلوائی الى حافظ الدین البخاری هکذا ذکره صاحب (الخیالات اللطیفة) فى الهامش[5]
والمراد بمذهب السلف فیقول احمد بن حجر: ما کان علیه الصحابة رضوان الله علیهم و ما کان علیه أعیان التابعین لهم بإحسان و ما کان علیه أتباعهم.
وعلی علیه السلام کان افضل الصحابة فمن یرید اتباع سیرة السلف حقیقتا یجب علیه اتباع افضل الصحابة و اعلمهم.
أنظر ما یقوله ابن أبی الحدید المعتزلی فی شرحه لنهج البلاغة عن الإمام علی علیه السلام: «ما أقول فی رجل تعزى إلیه کل فضیلة، وتنتهی إلیه کل فرقة، وتتجاذبه کل طائفة ... فإن المعتزلة- الذین هم أهل التوحید والعدل وأرباب النظر، ومنهم تعلم الناس هذا الفن- تلامذته و أصحابه ... وأما الأشعریة فینتهون بأخرة الى علی بن أبی طالب ... وأما الإمامیة والزیدیة فانتماؤهم إلیه ظاهر ... ومن العلوم علم الفقه، وهو علیه السلام أصله و أساسه. و کل فقیه فی الإسلام فهو عیال علیه ومستفید من فقهه، «وأبو حنیفة و مالک والشافعی وابن حنبل» هؤلاء الفقهاء الأربعة. واما فقه الشیعة فرجوعه إلیه ظاهر ... ومن العلوم علم تفسیر القرآن، وعنه أخذ ... و من العلوم علم الطریقة والحقیقة و أحوال التصوف، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن فی جمیع بلاد الإسلام إلیه ینتهون، وعنده یقفون، وقد صرح بذلک الشبلی والجنید وسری، وأبو یزید البسطامی، وأبو محفوظ معروف الکرخی و غیرهم[6]
اما فی قرون المعاصرة یطلق السلفیة علی الحشویة الحنبلیة! انهم تمام سعیهم الاعتماد على أقوال ابن تیمیة و آرائه مکان الاعتماد على الکتاب و السنّة وسیرة السلف الصالح فکیف یمکن اطلاق السلفیة علیهم!؟
وکیف یجوز قبول ما جاء فی تعریف الدکتور السلفی المعاصر علی عبد الحلیم محمود حول مذهب السلف و ان مصداقه «الأئمة الأربعة و السفیانیین و اللیث بن سعد و ابن المبارک و النخعی و البخاری و مسلم و سائر أصحاب السنن» ... و المحقق و المطلع المقتصد على آثار هؤلاء و سیرهم فی کتب التاریخ یجد بینهم من الاختلاف أکثر من عدد اللغات فی القارة الهندیة الیوم!.
و قد کان یهون الاختلاف لو لم یکفر بعضهم بعضا و یعتبر ذلک دینا له و أصلا من أصوله. فالإمام أبو حنیفة فی نظر الإمام أحمد بن حنبل مرجئی، و المرجئی ضال منحرف. و قد کفرته باقی الفرق، و هو یقول بخلق القرآن، و علیه فقد لزمه الکفر لأن کل من قال بخلق القرآن فهو جهمی و کل جهمی فی نظر الحنابلة و إمامهم کافر. و هذه مسألة متعلقة بالعقائد و أصول الدین و لیست من الفروع حتى یقال لا یضر الاختلاف فیها[7]
أما أصحاب الحدیث و جامعی السنن فحدث و لا حرج، فمذاهبهم الأصولیة و الاعتقادیة بعدد الأحادیث التی رووها و دونوها فی کتبهم؛ ففیهم المنزهة، و فیهم المشبهة المعتدلین، و المشبهة الغلاة، و فیهم المجسمة المعتدلین و الغلاة، و فیهم الجبریة و القدریة، و المرجئة بکل فرقهم و الخوارج و...
هذا الخلیط العجیب من الأفکار و المعتقدات المتناقضة و المتضاربة یسمیه الدکتور السلفی «مذهب السلف». و اذا کان کذلک فکل الفرق و المذاهب و الملل و النحل الیوم، و فی الماضی سلفیون و أتباع للسلف. و إذن لا حاجة لفرقة تدعی الیوم لنفسها أنها هی الوحیدة التی تمثل نهج السلف، و أن غیرها قد استقى تعالیمه من الیهود و النصارى و المجوس و من الغرب و الشرق؟![8]
و اذا رجعنا الى المذهب الأصولی و العقائدی لابن تیمیة، محیی و باعث مذهب السلف فی القرن السابع الهجری، کما ذکر الشیخ محمد أبو زهرة فی تعریفه، نجد أن الرجل- أی ابن تیمیة- قد اشتهر بالتشبیه و التجسیم و کان یذهب مذاهب الحشویة فی العقائد. و قد قام بمجهود جبار فی الدفاع عن هذه العقائد و الانتصار لها.
ان القارئ و المطلع على ما یکتبه رجالات السلفیة المعاصرون من کتب، فی الأصول و الفروع، و ما ینشرونه من کتب التراث التی تدعم مذهبهم، و ما یدعون إلیه صباح مساء، سیجد بأن الدعوة «الحشویة الحنبلیة» قد قامت من رقادها الطویل تنفض عنها غبار الزمن، مستعیرة لقب «السلفیة» للتضلیل و التمویه على عامة الناس عموما و أبناء الصحوة الإسلامیة خصوصا. و قد تنبه لذلک طائفة من علماء أهل السنة، فبادروا لاعلان ذلک. و تنبیه المسلمین کافة من خطر انتشار عقائد و أفکار هذه الفئة المخربة و المشاغبة.
کما یقول ابن خلیفة علیوی وهو عالم أزهری:
«لقد ظهرت فی بلادنا الشامیة طائفة تدعوا الى «السلفیة» ونهجها اعتناق العقیدة «الحشویة الحنبلیة» وتبدیع أهل السنة والجماعة.
ویضیف: «ولنحذر جمیعا من وساوس الشیاطین أن تزین لنا نزعات الضالین من الیهود و النصارى المجسمین الذین اتبعتهم فی ذلک «الحشویة الحنبلیة». فقد أصیب بهم المسلمون بأکبر بلیة. ترکوا العقل و النظر وأخذوا بظاهر الخبر. ولا مستند لهم من شرع سید البشر محمد علیه أفضل الصلاة و السلام. فلیت شعری کیف یدعون «السلفیة» ویزعمون أنهم یدعون الى التوحید الخالص والأعمال الصالحات، وهم مجسمون ومتمسکون بأذناب الضلالات!! فاخلق بهم أن یأخذوا بعقیدة أهل السنة والجماعة لرشدوا الى طریق الإسلام»[9]
لا يوجد تعليق