جمع الآیات و تفسیرها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
تمهید:الأسرى فی الرّوایات:

تخاطب الآیة الأولى المسلمین وتذکِّرهم باستعمال الشدّة والحزم فی الحرب، فتقول أوّلا: (فَإِذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ).

وواضح أنّ کلمة «لقیتُم» هنا مأخوذة من «اللقاء» بمعنى الحرب لا کلّ لقاء، وخیر دلیل على ذلک هو ذیل الآیة حیث تتحدث عن أسرى الحرب.

وبعد التأمل فیما مرَّ من أنّ الحرب فی الإسلام کانت دائماً دفاعیة ومفروضة على المسلمین، تتضح منطقیة الأمر أعلاه وذلک لأنّ المسلمین إذا لم یظهروا الشدّة والحزم قبال هجوم الأعداء، فإنّ الفشل سیکون حلیفهم لا محالة، فکل إنسان یواجه عدواً سفاکاً للدماء، إذا لَم یوجه الضربات المهلکة له، فإنّ ذلک یعنی الهزیمة أمامه.

ثُمّ تضیف الآیة: (حَتَّى إِذَا اَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ).

وأکثر المفسرین قالوا: إنّ هذه الجملة تعنی التّشدید على العدو والإکثار من قتلهم، ولکن وبعد الإلتفات إلى أنّ هذه الجملة مأخوذة من مادة «ثخن» بمعنى «الغلظة» والصّلابة فإنّه یمکن حینئذ تفسیرها بالنّصر والغلبة التّامّة على العدو والسّیطرة الکاملة علیه، أی ینبغی أن یستمروا بالقتال بقوّة واقتدار حتّى یغلبوا العدو (وعلیه فلیس الهدف هو إراقة الدّماء وإنّما الهدف هو الغلبة على العدو).

وعلى أیّة حال، فإنّ الآیة الاُولى ناظرة إلى أمر عسکری مهم وهو وجوب متابعة الحرب وعدم إیقافها مالم یتمّ التّغلب على العدو وکسره وأخذ الأسرى، لأنّ إیقاف الحرب یکون

سبباً فی زعزعة صمود المسلمین فی الحرب، وأنّ الإنشغال بنقل الأسرى إلى الخطوط الخلفیة یشغل المقاتلین عن أهدافهم الأساسیة.

وتعبیر «شُدّوا الوَثاق» إشارة إلى ضرورة إحکام قید الأسرى والتّدقیق فی حبسهم، کی لا یهربوا من الأسر، فینقلبوا إلى مقاتلین ضد المسلمین.

ثُمّ تبین الآیة حکم الأسرى وتقول: (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً).

فهنا تخیِّر المسلمین بین أمرین، إطلاق الأسرى بلا مقابل، أو مقابل الفدیة (ویراد بالفدیة «الغرامة» التی یتحملها العدو فی أزاء إطلاق سراح أسراه، وهی فی الواقع جزءٌ من الخسائر التی تسبب بها فی عدوانه).

والنّکتة المهمّة هنا هی أنّ فقهاء الإسلام وتبعاً للرّوایات، ذکروا طریقاً ثالثاً فی المسألة وهی استرقاق الأسرى، ولکن لم ترد إشارة إلى ذلک فی الآیة الشّریفة على الرّغم من مسألة استرقاق الأسرى کانت أمراً عادیاً فی ذلک الزّمان، وقد یکون ذلک باعتبار أن «الإسترقاق» ـ وکما ذکرنا ذلک مفصلا فی محله ـ کان حکماً مقطعیاً متناسباً مع شرائط خاصة، وکان نظر الإسلام هو أن یتمّ تحریر هؤلاء العبید تدریجیاً حتّى لا یبقى شیء بإسم الإسترقاق، ولهذا فإنّ الآیة إشارة فقط إلى الطریقین الأولین أی الإطلاق بلا مقابل أو فی مقابل الفدیة (وتبادل الأسرى بین الطرفین نوعٌ من أخذ الغرامة فی مقابل إطلاق سراح الأسرى).

کما أنّهم ذکروا طریقاً رابعاً فی الکتب الفقهیة للأسرى (وهو قتل الأسرى) ولم تذکره الآیة أیضاً، وذلک لأنّ قتل الأسیر لیس حکماً أساسیاً فی الأسرى، بل هو استثناء یتمّ إجراؤه فی خصوص الأسرى من ذوی الخطر ومجرمی الحرب لا فی کل أسیر(1).

وممّا ذکرنا یتضح أنّ حکم الآیة لیس منسوخاً، ولا دلیل على نسخة، وعدم ذکر بعض أحکام الأسرى فیها، له دلیل وجیه.

 

وفی الآیة الثّانیة إشارة إلى کیفیة أسر الأسرى، تقول: (مَا کَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ اَسْرَى حَتَّى یُثْخِنَ فِى الاَرْضِ).

وتعبیر (یُثْخِنَ فِى الاَرْضِ) وکما أشرنا سابقاً لا یعنی المبالغة فی إراقة الدّماء والإکثار من القتل، بل ومن خلال جملة (فِی الاَرْضِ) یتضح أنّ المراد هو تحکیم المواقع على أرض المعرکة والتّفوق على العدو، والسّیطرة على المنطقة، وحتّى لو فرضنا أنّ معناها هو إراقة الدّماء فإنّما هو من أجل کسر شوکة العدو والغلبة علیه.

وفی الواقع فإنّ هذا التّعبیر شبیه جدّاً بما جاء فی ذیل الآیة حیث یقول تعالى: (حَتَّى تَضَعَ الْحَربُ أَوْزَارَهَا) وهذا خیر شاهد على تفسیرنا.

والنّکتة المهمّة هنا هی أنَّ هذا تحذیر للمسلمین من أخذ الأسرى قبل تحقیق الأهداف المرسومة، بسبب أنّ بعض المسلمین الذین أسلموا حدیثاً، کان هدفهم الأساسی هو أخذ الأسرى، لیحصلوا على مبلغ أکبر من المال عند الفداء، وکان ذلک یؤدّی إلى تماهل هؤلاء فی أداء مسؤولیاتهم الخطیرة فی الحرب وعدم اکتراثهم بالأخطار المحتملة ضد المسلمین، وانشغالهم بالأمور الثّانویة، فیتعرض جندُ الإسلام إلى ضربة ماحقة، کما حدث ذلک فی معرکة أُحد وانشغال بعض المسلمین فی جمع الغنائم.

ولذا یقول تعالى فی ذیل الآیة: (تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیَا وَاللهُ یُرِیدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ).

ثُمّ إنّ المستفاد من الآیة هو أن أخذ الأسرى لم یکن فی عصر نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله)فقط، بل کان ذلک أمراً جاریاً فی عصور الأنبیاء السّابقین أیضاً، غایة الأمر أنّ هذه الآیة تؤکد على أنّ أخذ الأسرى ینبغی أنّ لا یکون لأجل الربح المادی، فکم من مورد تقتضی فیه مصلحة المسلمین أنْ یطلق المسلمون سراح أسرى العدو بدون أخذ الفدیة منهم.

والملفت للنظر هنا هو أنّ القرآن الکریم یُحذِّر فی الآیة اللاحقة أولئک الذین یضحّون بالمصلحة العامة وأهداف الحرب المهمّة من أجل مصالحهم الشّخصیة المادیّة، فیعّرضون مصلحة المجتمع للخطر، تقول الآیة: (لَّولاَ کِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ)(وهو أنّه لا یعذب أمة بلا

حجة) (لَمَسَّکُمْ فِیَما أخَذْتُم) (الأسرى الذین أخذتموهم لأغراض دنیویة) (عَذابٌ عَظِیمٌ).   (الانفال / 68)

ومن مجموع هذه العبارات، یستفاد بوضوح أنّ أخذ الأسرى لابدّ أنْ یتمّ أولا بعد السّیطرة الکاملة على العدو (ولو فی موقع معین من میدان القتال)، وثانیاً إنّ أخذ الأسرى یجب أنْ لا یکون لأغراض مادیة أی لأخذ الفدیة مقابل إطلاق سراحهم فیما بعد، إذ فی کثیر من الأحیان تستوجب المصالح الإنسانیّة ومصلحة المسلمین أن یتمّ إطلاق سراح هؤلاء الأسرى بلا مقابل، وفی مثل هذه الظروف یصعب على المسلمین الذین أسّروا هؤلاء الأسرى لأغراض مادیة إطلاق سراحهم والإمتثال للحکم الإلهیّ.

وفی الآیة الثّالثة، نجد حدیث عن مسألة الرفق بالاسرى بما یَدّلُّ على احترام الإسلام لَهُم ولأحاسیسهم، تقول الآیة: (یَا اَیُّهَا النَّبىُّ قُلْ لِّمَنْ فِى اَیْدِیکُمْ مِّنَ الأَسْرَى إِنْ یَعْلَمِ اللهُ فِى قُلُوبِکُمْ خَیْراً یُؤْتِکُمْ خَیْراً مِمَّا اُخِذَ مِنْکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُم وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ).

وکلمة «خیراً» فی الجملة الأولى إشارة إلى الإیمان والإسلام وإتّباع الحقّ، والمراد من «خیراً» فی الجملة الثّانیة هو الثّواب الإلهی المادیّ والمعنوی الذی یحصل علیه هؤلاء فی ظلّ الإیمان بالله، وهذا أفضل بکثیر من المبالغ التی دفعوها بعنوان الفدیة أو الّتی خسروها فی ساحة الحرب.

وجملة (إنْ یَعْلَمِ اللهُ) وکما ذکرنا ذلک مِراراً، بمعنى التّحقق ـ المعلوم ـ إذ إنّ علم الله شمل کلّ شیء من الأزل، ولا یحدث شیءٌ فی علمه أو یزید أو ینقص، إلاّ المعلومات التی تتحقق على أثر مرور الزّمن مثل وجود نیّة أوْ اعتقاد فی قلب الأسیر.

ومضافاً إلى هذا الثّواب، فإن لطفاً إلهیاً آخر یشملهم وهو غفران ذنوبهم، والذی یُشغل بالهم لا محالة بعد إیمانهم ویُعذب روحهم، فالمغفرة الإلهیّة تسکین لهم.

کان هذا تفسیراً مختصراً للآیات القرآنیّة الواردة فی الأسرى، واستنتاجاتها.

 


1. وللفخر الرازی فی تفسیر هذه الآیة وعدم ذکر القتل والإسترقاق، رأی یشابه ما ذکرناه أعلاه (تفسیر الکبیر، ج 28، ص 44).

 

تمهید:الأسرى فی الرّوایات:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma