ونقرأ فی الآداب المتعلقة بجمع الزکاة والأموال لبیت المال أنّ الإمام علیّاً (علیه السلام)کلما بعث رجلا لجمع الزکاة أوصاه بوصایا عدیدة. منها ما یلی:
«اِنْطَلِقْ عَلى تَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِیْکَ لَهُ، وَلا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً، وَلا تَجْتازَنَّ عَلَیْهِ کارِهاً، وَلا تَأخُذَنَّ مِنْهُ اَکْثَرَ مِنْ حَقِّ اللهِ فِی مالِهِ فَاِذا قَدِمْتَ عَلَى الْحَیِّ فَانْزِلْ بِمائِهِمْ مِنْ غَیْرِ اَنْ تُخالِطَ اَبْیاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ اِلَیْهِمْ بِالسَّکِیْنَةِ وَالْوَقارِ حَتّى تَقُومَ بَیْنَهُمْ، فَتُسَلِّمَ عَلَیْهِمْ وَلا تُخْدِجْ بِالتَّحِیَّةِ لَهُمْ، ثُمَّ تَقُولَ: عِبادَ اللهِ! اَرْسَلنی اِلَیْکُمْ وَلِیُّ اللهِ وَخَلِیْفَتُهُ لآخُذَ مِنْکُمْ حَقَّ اللهِ فی اَمْوالِکُمْ فَهَلْ للهِ فِی اَمْوالِکُمْ مِنَ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ اِلى وَلِیِّهِ، فَاِنْ قالَ قائِل: لا، فَلا تُراجِعْهُ، وَاِنْ اَنْعَمَ لَکَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَیْرِ اَنْ تُخِیْفَهُ اَو تُوَعِّدَهُ اَوْ تُعَسِّفَه أو تُرهقه»(1).
وبعد هذه التعلیمات، یوصیه الإمام (علیه السلام) بوصایا مؤکدّة عن کیفیة الإنتخاب العادل لزکاة بیت المال من بین الأموال الجیدة والسقیمة، ورعایة الرفق والمداراة والمحبة، وغیر ذلک ممّا یعتبر نموذجاً واضحاً على حاکمیة القیم الإسلامیة فی هذه الأمور فی المعاملة مع الناس.
قد یتصور البعض أنّ طریقة المعاملة هذه فی مسألة الضرائب الإسلامیة توجب الضعف والفتور لدى الناس، وتختلف کثیراً عمّا نشاهده الیوم من کیفیة جمع الضرائب.
ولکن لا ینبغی الغفلة عن أنّ هذه التعلیمات واردة فی المجتمع الإسلامی الذی تربى أفراده تربیة إسلامیة وشعروا فیه بالمسؤولیة.
کما أننا نجد الآن وفی بعض المجتمعات غیر الإسلامیة، کثیراً من الأشخاص ـ وبسبب الثقافة الحاکمة هناک ـ یدفعون الضرائب عن طیب خاطر من دون أن یطالبهم أحد، وأکثر من ذلک وأفضل ما یجری فی مجتمعنا الإسلامی حیث تأتی الناس زرافات ووحداناً إلى مراجع الدین لیؤدوا ما علیهم من الخمس الواجب وبدقة متناهیة حتى یحسبوا حساب عدّة کیلو غرامات من السکّر أو الشای الموجودة فی بیوتهم ممّا زاد عن مؤونة السنة، حیث إنّ النّاس یشعرون جمیعاً بالمسؤولیة، وهکذا بالنسبة لزکاة الفطرة وشعور الناس بالمسؤولیة تجاهها.
وکلما انتشرت وتعمقت هذه الثقافة والشعور بالمسؤولیة اتّضح الجواب عن هذا الإشکال کاملا.