أشرنا فیما سبق إلى وجود معنیین للبدعة، البدعة الخاصة، والبدعة العامة، والمقصود بالبدعة الخاصة هو ما ورد النهی عنها فی الآیات القرآنیة وروایات المعصومین(علیهم السلام) وورد فی النصوص ذمّ العامل بها والمبتدع لها، وهذه البدعة هی ما وصفها علماء الدین فی تعریفها بأنّها: (إدخال ما لیس من الدین فی الدین).
فممّا لا شک فیه أنّ هذا النوع من البدعة حرام، وقد أقام المرحوم الشیخ الأنصاری(رحمه الله)فی کتابه القیم (الرسائل) فی بحث حجیّة الظن أربعة أدلة من القرآن والروایات والعقل والإجماع على حرمة هذا اللون من البدعة.
والملفت للنظر أنّ أحد علماء أهل السنّة ألف کتاباً حول البدعة وقسم البدعة إلى خمسة أقسام: البدعة المحرمة، البدعة الواجبة، البدعة المکروهة: البدعة المستحبة، البدعة المباحة، وضرب مثالاً لکل واحد منها مع شرحها وبیان تفاصیلها، فی حین أنّ البدعة التی بمعنى (إدخال ما لیس من الدین فی الدین) لیس لها أکثر من حکم واحد وهو الحرمة، ولا یمکن تقسیمها إلى أقسام أربعة أخرى، (واجب ومستحب ومکروه ومباح).
وعلى هذا الأساس فالبدعة الخاصّة حرام، والمقصود من البدعة الواردة فی المعارف والأحکام الدینیة هو هذا القسم منها.
وأمّا المقصود من البدعة العامّة، فهی کل نوع من الإبداع الفکری والعلمی والأدبی والصناعی، الاقتصادی، النظامی، الاجتماعی، الطبی وأمثال ذلک من العلوم والفنون المختلفة، ولا أحد یعتقد بحرمة هذا النوع من البدعة والإبداع، لأنّ ترقی العلوم وتطور المعارف البشریة یتوقف على هذه الإبداعات، فالبلدان المتطورة هی البلدان التی تعیش کمّاً هائلاً من هذه الإبداعات فی المجالات العلمیة المختلفة ویتحرک الخبراء والعلماء فی تلک البلدان على مستوى اکتشاف واختراع الوسائل والأجهزة المختلفة کل یوم، ومن هنا عندما یبتکر علماؤنا الشبّان ابتکاراً علمیاً جدیداً فنشعر بالفرح الشدید یستولی على کل وجودنا.
وعملیة الإبداع هذه ربّما تمتد إلى المسائل الدینیة أیضاً، ولکن لا ینبغی أن ننسب ذلک إلى دین الله تعالى، وحینئذ لا إشکال فیه، إنّ مسجد النبی فی المدینة المنورة عندما بناه رسول الله(صلى الله علیه وآله) لم یکن سوى أربعة جدران بارتفاع قامة الإنسان فلا سقف ولا عمود ولا اسطوانة ولا فراش ولا مکان للوضوء، ولا مکان للتطهیر، ولا یوجد فیه أجهزة التبرید والتدفئة، ولیس هناک أقفاص ورفوف للقرآن، ولا أحجاز مرمر، ولا أبواب مرصعة وجمیلة، ولا مآذن عالیة، ولا قبة خضراء، ولا ساعة، ولا سماعة ولا أی شی آخر ممّا هو متوفر الآن، وبعد عصر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وعصر الأئمّة(علیهم السلام) وبعد الأعصار الأخرى إلى زماننا هذا فإنّ هذا المسجد یشهد
إضافات کل یوم، حتى أصبح فی هذا الزمان من أضخم مساجد الدنیا، ولم یطرح القائمون على هذا المسجد والذین أضافوا إلیه تلک الإضافات الکثیرة أنّ ذلک من أحکام الدین وأنّ عملهم هذا من أمر الدین والشرع المقدّس، ولذلک لا إشکال فی عملهم المذکور، لأنّ ما یحرم إحداث التغییر فیه هو الأحکام الإلهیة والحلال والحرام فی الشریعة(1)، وأمّا اجراء التغییر فی الأمور العرفیة وفی إطار الابداعات والاختراعات الجدیدة فلا إشکال فیه.
النتیجة أنّ البدعة بالمعنى الخاص هی حرام شرعاً ولا حکم آخر لها، أمّا البدعة بالمعنى العام فهی حلال وإن کان من المحتمل وجود أحکام أخرى لها باختلاف العناوین.