رغم أنّ الاستعمار حالة منحرفة فی أسلوب الحیاة الجماعیة، لکونه یعمل على إلغاء أبسط المبادىء الأساسیة وأکثرها بداهة فی الحیاة الاجتماعیة أی «العدالة» و«التعاون» ولیستبدلهما بالتسلط والغطرسة، مع ذلک نرى من الطریف أنّ «مفکری المستعمرین» الذین هم جزء من مجتمع مستعمر، یعملون بکل وقاحة لاضفاء الصبغة الفلسفیة على هذا العمل على أنّه من إفرازات انتخاب الأصلح بعد تنازع البقاء بهضم حقوق الضعفاء وسیادة الأقویاء.

و تتناهى للأسماع همسات تصدر من البعض عن فطریة النزعة التسلطیة لدى الإنسان وامتزاجها بروحیته، لتکون ذرائع مناسبة لتبریر الجرائم التی یرتکبها المستعمرون، فیقال إنّ الإنسان ومن أجل السیر فی حرکته التکاملیة بل ومن أجل الاستمرار فی الحیاة لابدّ له من العمل على تسخیر القوى الموجودة فی الطبیعة على تنوعها، وبالتالی فمن الطبیعی أن یمارس ذات الأسلوب تجاه نوعه، غافلا عن أنّ «الطبیعة» قد خلقت لتکون تحت تصرف البشریة وخدمتها، بل إنّها تبادر إلى خدمة الإنسان حتى لو دفعها إلى الوراء، إلاّ أنّ أمثالنا من بنی الإنسان لم یخلقوا مطلقاً من أجل أن

یصبحوا عبیداً وخدماً لنا. فهؤلاء بشر مثلنا لهم مشاعر کمشاعرنا ورغبات کرغباتنا ولیاقات کلیاقاتنا، ولهذا فلیس هناک مبرى لأن یسخروا لنا کخشب ومجرّد من ضمن الطبیعة.

و على أیة حال فمن الأفضل أن نترک هذه الفلسفة المضحکة التی لا یخفى لونها الاستعماری على أحد والاهتمام بالموضوعات الرئیسیة: