إن قیل: هناک روایات تدل على مطلوبیة مجرد إراقة الدم، مثل ما رواه شریح بن هانی عن علی(علیه السلام) أنّه قال:
«لو علم الناس ما فی الأضحیة لاستدانوا وضحّوا، إنّه لیغفر لصاحب الأضحیة عند أوّل قطرة تقطر من دمها»(1) ومارواه بشر بن زید قال: قال رسول الله (صلى الله علیه وآله) لفاطمة (علیها السلام):
«اشهدی ذبح ذبیحتک، فإنّ أول قطرة منها یغفر الله بها کلّ خطیئة علیک إلى أن قال هذا للمسلمین عامّة».(2)
قلنا: التمسّک بمثل هذه الرّوایات لمطلوبیة مجرّد إراقة الدم واعتبار الموضوعیة لها، کما ترى، لأنّ کلّ من ألمّ بفنون الکلام عرف أنّ مثل هذا التعبیر کنایة عن سرعة أثر الأضحیة للمضحّی بلا فصل ومن دون مهملة، کمن یرید بیان فضیلة الجهاد، فیقول: «یغفر الله للمجاهد بأوّل خطوة یضعها فی طریق الجهاد فی سبیل الله» أی أنّ من یخرج من بیته قاصداً الجهاد فی سبیل الله وإحیاء أمر الله یسرع إلیه غفران الله بأوّل خطوة یخطوها، لا أنّ المطلوب من الجهاد یحصل بأوّل الخطوة.
وهکذا ما نحن فیه، فکأنّ الامام (علیه السلام) قال: «من ذبح ذبیحته فی سبیل الله لإشباع المساکین وإطعامهم فإنّه ینال غفران الله عند أوّل قطرة تقطر من دمها». فمثل هذه العبارة لا تشمل من أقدم على الأضحیة لأن یشبع بها حفر الأرض ومصاهر النار، ویعلم بعدم إطعام المساکین منها، بل تحرق أو تدفن، خصوصاً بعد ملاحظة ما مرّ من قول رسول الله (صلى الله علیه وآله):
«إنّما جعل الله هذا الأضحى لتشبع مساکینکم من اللحم فأطعموهم»(3)
فالرسول الذی ینطق بمثل هذا البیان کیف یأمر اُمّته بإهراق دماء الأضاحی ولو لم یترتب علیه الإشباع والإطعام.
وبما ذکرنا یظهر الجواب عن التمسک بروایات تعبّر عن الهدی بالدّم، فإنّ «الدّم» أو «إهراق الدّم» (نظیر ماورد فی قوله(صلى الله علیه وآله): «ما أنفق الناس نفقة أعظم من دم یهراق فی هذا الیوم»(4) وقول الصادق(علیه السلام) فی رجلین اقتتلا وهما محرمان: «على کلّ واحد منهما دم»)(5) کنایة عن الهدی وعظمته، لا على عظمة إراقة الدّم ولو بلغ ما بلغ، فإنّه نظیر ما إذا قلنا فی محاورتنا الیومیة لمن نجا ولده من خطر السقوط والموت مثلا، أو نجا هو وأهل بیته من حادثة سیارة فی الطریق: «علیه إهراق الدم»، فمن الواضح أنّه کنایة عن إطعام المساکین من لحمها فی سبیل الله، لا مجرّد إهراق الدّم مطلقاً وإن لم یصرف من لحمها فی سبیل الله.