لجأ المفتشون عن مخرج عندما رأوا صراحة الآیات السابقة التی تشیر إلى مشروعیة شفاعة الأنبیاء(علیه السلام) وأنّه لا محیص من قبولها، إلى ذریعة أخرى، حیث قالوا: إنّ هذه الآیات تتحدث عن الشفاعة فی حال حیاة الشفعاء، ولا دلیل لدینا على شمولها لما بعد الوفاتهم. وبهذا قد تخلوا عن ذریعة الشرک وتمسکوا بذریعة أخرى.
ولکن یطرح هنا سؤال، هل أنّ النبی(صلى الله علیه وآله) یتبدل إلى تراب بعد وفاته وینعدم بشکل تام ـ کما أقرّ أمامنا بعض علماء الوهابیة بذلک ـ أو أنّ هناک حیاة برزخیة؟
فعلى القول إنّهُ لم تکن هناک حیاة للنبی ـ وهو باطل ـ ترد بعض الأمور:
أولاً: هل مقام النبی(صلى الله علیه وآله) أقل مرتبة من مقام الشهداء الذین قال فیهم الله سبحانه وتعالى: (بَلْ أَحْیَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ)(1).
ثانیاً: هل السلام الذی نذکره على النبی(صلى الله علیه وآله) فی التشهد ویذکره جمیع المسلمین بلا خلاف «السلام علیک أیّها النبی...» نذکره على شخصیة خیالیة لا وجود لها؟
ثالثاً: ألا تعتقدون بأنه یجب علیکم إذا کنتم فی المسجد النبوی التحدث بهدوء عندما تکونون بجوار قبره الشریف؟; لأنّ القرآن الکریم یقول: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ...)(2)، وقد کتبت هذه الآیة على لوحة وعلقت فوق قبر النبی(صلى الله علیه وآله).
فکیف تقبلون بهذا الکلام المتناقض؟
رابعاً: إنّ الموت لا یمثل نهایة الحیاة فقط، بل هو ولادة ثانیة وحیاة جدیدة: «النَّاسُ نِیَام فإذا مَاتُوا انْتَبَهُوا»(3).
خامساً: نقرأ فی الحدیث المعروف الذی جاء فی مصدر معتبر لدى أهل السنّة أن عبد الله بن عمر نقل عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «مَنْ زَارَ قَبْری وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتی»(4). وجاء فی حدیث آخر نقله نفس الراوی عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) «مَنْ زَارَنی بَعْدَ مَوْتِی فَکَأنَّما زَارَنی فی حَیاتی» (5). وعلیه فهذه الفرضیة من التفریق بین زمن الحیاة والموت لیس إلاّ تصور واه.
ومن خلال الإطلاق الموجود فی هذه الأحادیث المذکورة یمکن أن نؤکد مشروعیة شدّ الرحال بقصد زیارة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله).
1. سورة آل عمران، الآیة 169 .
2. سورة الحجرات، الآیة 2 .
3. عوالی اللئالی، ج 2، ص 73 .
4. السنن للدارقطنی، ج 2، ص 278. وقد ذکر العلاّمة الأمینی 41 مصدراً لهذا الحدیث من الکتب المعروفة لدى أهل السنّة; الغدیر، ج 5، ص 93 .
5. الغدیر، ج 5، ص 101 .
