بنظرة إجمالیة إلى وضع عالم الیوم نرى طوفاناً مرعباً یهب علیه، أزاح الستار عن وجهه الحقیقی، والذی سیطرت علیه الشعارات البرّاقة کإعلان حقوق الإنسان والدیمقراطیة، والمنظمات الدولیة المغلوبة على أمرها، وأقویاء العالم أعدّوا مخططاتهم الخطیرة للسیطرة على دول العالم الأخرى، وکشفوا عن نوایاهم بکل وضوح.
والجمیل أنّهم قالوا کل شیء، وبحسب المثل القائل: «آب پاک بر دست همه خوش باورها ریختند»(1).
وفی هذه المعمعة لم یبق بعد اللطف والعنایة الإلهیّة ملاذ سوى إمکانیة الشعب وقدرته!
فیجب على الشعب أن یکون قویاً فی إرادتهِ فی هذا النظام العالمی الضعیف والمسحوق!
فإذا اتّحد مسلمو العالم فی هذه الظروف الصعبة واستفادوا من القدرة العظیمة (الثقافیة والمادیة) التی یمتلکونها لأصبحوا فی مأمن من شر أصحاب النفوذ.
مضت سنوات عدیدة والحدیث عن وحدة المسلمین یرتفع فی کل مکان، وتوالت الأخبار عن تشکیل أسبوع الوحدة، وعقدت مؤتمرات وندوات حول الوحدة، وشعارات ترفع هنا وهناک.
هذه الأمور وإن کان لها أثر إیجابی فی المجالات السیاسیة والاجتماعیة، ولکن إلى الآن لم نستطع تحقیق الوحدة المطلوبة للوقوف بوجه الطوفان العظیم.
ویمکن تلخیص ذلک فی الأمور التالیة:
1. الأعمال التی أنجزت لم تکن أساسیة، وموضوع الوحدة لم یستطع النفوذ إلى أعماق المجتمعات الإسلامیّة، ولا إلى داخل المنظومة الفکریة، ولم یعبّأ مسلمو العالم فی اتجاه واحد.
2. عمل الأعداء بشکل واسع ومخطط على بث الیأس وسوء الظن والاختلاف والنفاق فی المجتمعات الإسلامیّة، کما یتجلّى ذلک ممّا ینقل من أخبار، ورصدوا لها أموالاً طائلة لتحقیق ذلک، وعبّأوا المتطرفین والمتعصبین من الطرفین لتنفیذ مخططاتهم المشؤومة، ومن جملتها:
أ) تنقل بعض الأخبار الموثّقة أخیراً عن قیام السلفیین المتعصبین فی السعودیة بطبع عشرة ملایین کتاب لنشر الفتنة والتفرقة وتوزیعها على الحجاج. والحج الذی یفترض أن یکون عامل وحدة بین المسلمین فی العالم جعلوه عامل فرقة بینهم، وهذا العمل یتکرر کل سنة وللأسف.
ب) یبذل الخطباء الوهابیون المتعصبون جهداً کبیراً فی أیّام الحج والعمرة فی بث جمیع أشکال السموم لإیجاد حالة النفاق، وعلى الرغم من التقارب السیاسی بین إیران والسعودیة، إلاّ أننا نرى حملاتهم ضد الشیعة أخذت فی الاتساع والزیادة.
ج) لا یخفى على أحد عملیات جیش الصحابة المتکررة بین الحین والآخر والتی تستهدف قتل الأبریاء والمظلومین المستضعفین، والأکثر یشاعة من ذلک هو الافتخار والابتهاج بعملیات القتل والاغتیال.
د) ومن الأعمال الخطیرة التی یقومون بها هو تحریک بعض العناصر المتشددة مثل: حرکة طالبان من قبل الاستخبارات الأمریکیة ـ طبقاً لبعض الوثائق الموجودة ـ لتشویه صورة الإسلام وإظهاره بصورة وحشیّة وخشنة لا رحمة فیه، وبعیداً عن العلم والمعرفة من جهة، ومن جهة أخرى لإیجاد الفرقة والفتنة بین صفوف المسلمین، مع أنّ هؤلاء الذین ترعرعوا فی أحضان الاستخبارات والسیاسة الغربیة بدأوا بالخروج عن سیطرتهم، لتحل علیهم المصیبة واللعنة من الذین ربوهم وأمدوهم لیدفعوا ضریبة ما صنعوه.
3. تقصیر بعض الساسة الإسلامیین حیث قدموا مصالحهم الشخصیة والمحدودة على المصالح العامة للعالم الإسلامی، وهذا أحد العوامل التی حالت دون تحقیق الأهداف الأساسیة للوحدة.
وعلى سبیل المثال: أقامت بعض الدول الإسلامیّة ـ المعروفة ـ علاقات تعاون حمیمة مع الکیان الصهیونی فی المجال السیاسی والاقتصادی; لتحقیق بعض المصالح المحدودة والصغیرة، وهی مکشوفة للجمیع، بل وصل الأمر إلى القیام بالمناورات العسکریة المشترکة!
وعلى کلّ حال فالمجال المتاح لعلماء الإسلام هو التذکیر بالعواقب السیئة لهذه الإشتباهات، وإنّ تلک السیاسات المدمرة والعنیفة لن تدع أی دولة إسلامیّة أو أی فریق إسلامی فی أمان وراحة، وإنّ طرح هذه المسائل الطائفیة بشکل واضح وشفاف قدر الإمکان سیفوت الفرصة على الأعداء فی نشر سمومهم، ویقف بوجه بث عدم الثقة وسوء الظن من قبل بعض المجموعات المتشددة والمتعصبة من کلا الطرفین.
ولأجل هذا تمّ وضع هذا الکتاب بین یدی القراء الأعزاء، بأسلوب مبتکر وشیق وجذاب; لأجل تقویة الروابط، وبهذا الأسلوب ستتضح هذه المسألة بشکل کامل، من أن جذور الموارد الخلافیة المهمّة بین أتباع مذهب أهل البیت(علیهم السلام) وأهل السنّة موجودة فی کتبهم المعروفة، وإنّ ما تقوله الشیعة فی هذا المجال أدلته موجودة فی کتب أهل السنّة، وکما یقول أحد علماء السنّة الأحرار: «یستطیع الشیعة أن یثبتوا جمیع أصول وفروع مذهبهم من کتبهم وتصانیفهم»!
فإذا ثبت هذا المطلب وإن شاء الله یثبت فی هذا الکتاب فلن یبقى مجال للقلق أو لنشر الشبهات بالنسبة لعقائد أتباع مذهب أهل البیت(علیهم السلام)، وسیکون سبباً للتفاؤل ووحدة الصف ورفع سوء الظن عند أهل الإنصاف والمنطق، وستبقى الجمهوریة الإسلامیّة الإیرانیة دولة قویة تدافع عن الإسلام، وکذلک عن مذهب التشیّع فی العالم الإسلامی.
والآن أنتم والأدلّة الموجودة بین أیدیکم!
1. ومعناه: أنّ إفصاحهم عن مخططاتهم قد أتم الحجّة على الجمیع (مثل فارسى).
