كان الكلام في وجوب قصد الامتثال والقربة في البيتوتة وعدمه وذكرنا انه بقى امران وقد تقدم الأمر الأول وأما الأمر الثاني فنقول:
قد حاول بعض الفقهاء إلى انه تجب النية من أول الليل ولا يجوز تأخيرها وهذا بمعنى أنه لابد أن يخطرها بباله قبل العمل، وأما بناء على كون النية بمعنى الداعى الذي هو كامنفي النفس فالأمر واضح لأن النية من بداية الأمر كانتموجودة في النفس وحتى يمكن انه عند الشروع باعمال الحج عندما كان يخط الأعمال في ذهنه كان قصده المبيت بمنى في تلك الليالي، وعليه فمن أوجب النية من أول الليل فكان مقصوده انه يخطر العمل في ذهنه ويمر عليها في ذهنه.
ولكن نقول أن اخطار النية في بدايةالعل ليس من النية ولربما هذا الاخطار يوجب الوسواس بالنسبة للمكلفين بالنسبة إلى هل انه نوى بعد الدخول فيالعمل أو قبل ذلك أم لا؟ كما لو كبر للصلاة فيكثر حينئذ الشك والترديد في وقوع الاخطار مقارناً للتكبير أو لا؟ وهل أتى بقيد القربة أو لا؟ ومع انه لم يرد دليل في كون النية هي عبارة عن اخطار العمل بالبال، بل هي منالعرفيات الواضحة ويكفى في صدق النية كونها موجود في الذهن، وان غفل عنها في حين الاتيان بالعمل، فلو كان قبل العمل قاصداً لها فلا محالة يكون ناويا لها في اثناء العمل. والشاهد على ذلك أن النية من الأمور التي يشترط استدامتها إلى نهاية العمل ولازم القول بكونها اخطار لا يجوز بل أمر راجح لكن لايشترط في صحة العمل، وهذا بخلاف ما لو أتى بالعمل سهوا فإن الساهى لانية له، فلو أتى بعمل سهوا ومن دون قصد لابد من إعادته.
المسألة 6: من ترك المبيت الواجب بمنى يجب عليه لكل ليلة شاة متعمدا كان أو جاهلا أو ناسيا، بل تجب الكفارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة إلا الخامس منهم، والحكم في الثالث والرابع مبني على الاحتياط[2].
ويقع الكلام في هذه المسألة في ثلاثة فروع.
الفرع الأول: في في من ترك المبيت بمنى فإنه يجب عليه كفارة شاة لكل ليلة.
الفرع الثاني: لا فرق في وجوب الكفارة بين العامد والجاهل والناسي.
الفرع الثالث: تجب الكفارة على الطوائف المذكورين في المسألة الثالثة إلا الخامسة منهم.
ثم قال السيد الماتن (قدس): أن وجوب الكفارة بالنسبة إلى الرعاة وأهل السقاية مبنى على الاحتياط بخلاف المرضى وغيرهم فانه افتى بوجوبها عليهم.
أما الفرع الأول:
وقد ادعى الاجماع فيها في المنتهى كما في الحدائق حيث قال: فهو مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه[3]. فإن عبارة الحدائق أيضاً صريحة في دعوى الاتفاق والإجماع.
وقد ادعى الشهرة في كشف اللثام بقوله: ولو بات الليلتين بغير منى وجب عليه عن كل ليلة شاة وفاقا للمشهور... وفي الخلاف والغنية وظاهر المنتهى الإجماع عليه، وفي المقنعة والهداية والمراسم والكافي وجمل العلم والعمل، إنّ على من بات ليالي منى بغيرها دما، وهو مطلق كصحيح علي بن جعفر ومعاوية، فيحتمل الوفاق ولعله اظهر والخلاف، أمّا بالتسوية بين ليلة وليلتين وثلاثا أو بأن لا يجب الدم إلاّ بثلاث[4]. ومثله في الجواهر[5].
وأما الدليل في المسألة: ومما يدل على ذلك الأخبار الكثيرة والتي فيها الصحيح وغيره، وقد وردت في الباب الأول من أبواب العود إلى منى ولكن دلت بعضها على وجوب الكفارة لكل ليلة بينما القسم الآخرمنها دل على ان الكفارة واجب من حيث المجموع ولا تجب إلا شاة واحدة.
منها: صحيحة عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى ععَنْ رَجُلٍ بَاتَ بِمَكَّةَ فِي لَيَالِي مِنًى حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ إِنْ كَانَ أَتَاهَا نَهَاراً فَبَاتَ فِيهَا حَتَّى أَصْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمٌ يُهَرِيقُهُ.[6]
ويبدو أن ظاهرها وجوب شاة للمجموع إلا إذا حملنا الدم هنا على الجنس فإنه حينئذ يمكن الاستدلال بها على وجوب الكفارة لكل ليلة.
ومنها: صحيحة صَفْوَانَ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع سَأَلَنِي بَعْضُهُمْ عَنْ رَجُلٍ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَا أَدْرِي فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِيهَا فَقَالَ ع عَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ إِذَا بَاتَ ...[7]
ومها: عن مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ نَاجِيَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَمَّنْ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى بِمَكَّةَ فَقَالَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْغَنَمِ يَذْبَحُهُنَّ[8]
وهذا الرواية ضعيفة بجعفر بن ناجية وهو مجهول الحال، ولكن دلالتها على تعدد الكفارة واضحة كما يمكن الاستدلال بها في خصوص من ترك ليلتين من البيتوتة فإنه يجب عليه حينئذ كفارتان.
Peinevesht: [1] تحریر الوسیلة، الامام الخمینی، ج1، ص455.
[2] تحریر الوسیلة، الامام الخمینی، ج1، ص455.
[3] حدائق الناضرة، شیخ یوسف بحرانی، ج17، ص298.
[4] کشف اللثام، المحقق الاصفهانی، ج6، ص238، ط جامعة المدرسین.
[5] جواهر الکلام، محمد حسن جواهری، ج20، ص4.
[6] وسائل الشیعة، الشیخ الحر العاملی، ج14، ص251، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم19119، ح2، ط آل البیت.
[7] وسائل الشیعة، الشیخ الحر العاملی، ج14، ص252، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم19122، ح5، ط آل البیت.
[8] وسائل الشیعة، الشیخ الحر العاملی، ج14، ص253، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم19123، ح6، ط آل البیت.