قال السيد الماتن: البيتوتة من العباداتتجب فيها النية بشرائطها[1].
قلنا في المحاضرة لاسابقة انه قد استدل المحقق الخويي على عبادية المبيت بقوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[2].
بتقريب أن المراد من الأيام المعدودة هي ليلى المبيت، بمنى وان الذكر فيها هو اشارة إلى أنها عبادة لان الذكر لا يكون إلا عبادة فلابد من قصد القربة فيها.
ولكن أوردنا عليه انه لا دلالة في الآية على كون البيتوتة بمنى عبادة وإن كات مرتبطة بليالى المبيت في منى، كام فسرت في عدة روايات بذلك، لأن المراد من الذكر الوارد فيها وإن كان عبادة، ولكن ليس هو إلا الاذكار والاوراد اللفظية كـ التكبير والتسبيح والتهليل والاستغفار، وما يضاهيها من الاذكار والأدعية الوارد استحبابها في حال المبيت وكون الذكر عبادة لا يدل على أن البيتوتة أيضاً عبادة. مع انه ورد في كثير من الأخبار انه أريد مه هذه الأوراد والاذكار اللفظية، كما في الباب الثامن من أبواب العود إلى منى.
منها: صحيحة مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قَالَ التَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَ فِي الْأَمْصَارِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ[3]
ومثله: صحيحة مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ نَوَادِرِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً قَالَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْتَخِرُونَ بِمِنًى إِذَا كَانَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَيَقُولُونَ كَانَ أَبُونَا كَذَا وَ كَانَ أَبُونَا كَذَا فَيَذْكُرُونَ فَضْلَهُمْ فَقَالَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ[4]
وقلنا أنها صحيحة لأن كتاب البزنطي كان عند ابن إدريس وانه ينقل عنه مباشرة فلا كون الرواية مرسلة بل صحيحة.
والروايتان تدلان على أن المراد من الذكر هنا هو الذكر اللفظي ليس إلا.
كما انه وردت اخبار اخر في الباب الثامن فليراجع.
الدليل الثاني: أن المرتكز عند المتشرعة أن ما يؤتي به من الأعمال في الحج وفي تلك البرهة هو من العبادات وان خرجوا من الاحرام لعدم الدليل على عدم عبادية تلك الأعمال، وعليه لوان شخصا قصد الرياء في البيتوتة أو قصد الترفه والتنزه هناك لا يعدوه ممن بات بمنى. ويحكمون ببطلان بيتوتته.
ويمكن اقامة الشاهد على كون البيتوتة عبادة يشترط فيها النية من بعض الأخبار والروايات الدالة على عدم وجوب المبيت بالنسبة إلى من كان مشتغلا بالعبادة بمكة المكرمة، حيث تدل بظاهرها على صحة ابدال العبادة في مكة عن المبيت وهذا يعني أن البيتوتة عبادة وإلا لما صح ذلك، لأنه لما كان البدل عبادة فلابد من كون المبدل أيضاً كذلك.
والحاصل انه قد ظهر أن البيتوتة عبادة ولاشك في ذلك. ويجب فيها قصد القربة. وقد استدل البعض على عبادية البيتوتة، بالحكم بوجوب الكفارة على من ترك المبيت بمنى. فلو لم تكن عبادة لما صح الحكم بالكفارة!
إلا أن ذلك واضح البطلان لأنه كثيرا ما يكون العمل غير عبادى ومع ذلك يوجب الكفارة كما في كفارة قتل النفس. فلا تدور الكفارة مدار العبادة، وللعبادة اصطلاحان الأول العبادة بالمعنى الخاص وهي ما يشترط في صحتها النية وقصد القربة كالصلاة والصوم والزكاة والثاني بالمعنى الأعم وهي ما تقتضي النية ولا يشترط ذلك فيها ولكن إذا قصد امتثال الأمر يحصل على الثواب أو ازدياده كما في تطهير المسجد من النجاسة فلو أتى به بغير نية أو للرياء مثلاً يقع صحيحاً وأما لو نوى امتثال الأمر وقصد القربة فإنه لا ريب يكون مأجوراً عليه.هذا.
بقي هنا أمران:
الأول: هناك اصرار من قبل جماعة بعد ذهابهم إلى عبادية البيتوتة، على أنه لو وقف في منى ولم يقصد التقرب به إلى الله ولم يقصد الامتثال صح منه ولا تجب عليه الكفارة وإن كان آثما وان الكفارة تجب على من ترك المبيت رأساً فحسب، وسبب ذلك أنهم زعموا أن نفس الوقوف في منى يكفى في صدق عنوان المبيت وان النية أمر زائد عليه ولا تكون شرطاً للصحة، كما لم يستبعده في المسالك قال: ولو ترك النية ففي كونه كمن لم يبت أو يأثم خاصة نظر والثاني ليس ببعيد[5]. ونفي الباس عنه في الرياض[6].
وقال في المستند: وعلى هذا (في ما لو ترك القصد) فلا يلزم عليه فداء، لأنه مرتّب على ترك البيتوتة، وهي غير متحقّقة[7].
واقتفى أثرهم المحقق الخوئي (ره) بقوله: إحتمل بعضهم ثبوت الفدية، والظاهر عدمه، فإن الكفارة ثابتة على من ترك المبيت بمنى، والظاهر منه انصرافه بحكم التبادر إلى الترك الحقيقي لا الحكمي[8].
نقول انه باعتقادنا إذا اشترطنا قصد القربة يكون تركه بمعنى ترك أصل الواجب، وليس الواجب هو مجرد الكون بمنى بل الكون المشروط بالنية وترك قصد القربة، كالصلاة بلا نية وهي بمعنى عدم إتيان الواجب لا حقيقتاً لا حكماً، وقد ظن هؤلاء الإعلام أن البيتوتة هي مجرد الكون في منى وان النية أمر إضافي. وعليه أما أن نقول بعدم اشتراط النية في البيتوتة وانها ليست عبادة وأما إذا ذهبنا إلى عباديتها لابد من الإلتزام بلوازمها من وجوب الكفارة عند عدم قصد الامتثال.
والسّلام
Peinevesht: [1] تحریر الوسیلة، الامام الخمینی، ج1، ص455.
[2] بقره/سوره2، آیه203.
[3] وسائل الشیعة، الشیخ الحر العاملی، ج14، ص271، ابواب العود الی منی، الباب8، الرقم19171، ح4، ط آل البیت.
[4] وسائل الشیعة، الشیخ الحر العاملی، ج14، ص272، ابواب العود الی منی، الباب8، الرقم19173، ح6، ط آل البیت.
[5] مسالک الافهام، الشهید الثانی، ج2، ص364..
[6] ریاض المسائل، السید علی الطباطبائی، ج7، ص140، ط جامعة المدرسین.
[7] مستند الشیعة، المحقق النراقی، ج13، ص33.
[8] موسوعة الامام الخوئی، ج29، ص376.