هذه المسألة تتناول البحث عن من لم يكن في منى تمام الوقت ولها صورتان: الأولى ما لو كان من أول الليل إلى نصفه ثم خرج منها وقد مر الكلام فيه وانه لا تجب عليه الكفارة. الثانية:
ما لو خرج من منى قبل انتصاف الليل ولم يكن يحضرها من أول الليل، فالأحوط وجوب الكفارة عليه.
قال صاحب الجواهر في طيات عبارته: وفي صحيح العيص عنه (عليه السّلام) أيضاً أن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا وهو بمنى بل قد تومئ هذه النصوص إلى إدراك المبيت بمنى بذلك فلا تجب الشاة حينئذ إلا بالمبيت تمام الليل في غيرها ولكن لم أجد من أفتى به[2]
وقد مر الكلام سابقاً من أن بعض الروايات دلت على كفاية المبيت ما لو كان حاضرا مقداراً من الليل قبل الطلوع في منى. وقد ذكرنا ثلاثة روايات صحيحة الاسناد على ذلك، وللمزيد من التوضيح نذكرها مجدداً:
الأول: الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَ فَضَالَةَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا ع أَنَّهُ قَالَ فِي الزِّيَارَةِ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ مِنًى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا تُصْبِحْ إِلَّا بِمِنًى[3] وهذه الرواية صحيحة وظاهرها كفاية ما لو كان قبل الطلوع قليلاً في منى.
الثاني: صَفْوَانَ عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الزِّيَارَةِ مِنْ مِنًى قَالَ إِنْ زَارَ بِالنَّهَارِ أَوْ عِشَاءً فَلَا يَنْفَجِرُ الصُّبْحُ إِلَّا وَ هُوَ بِمِنًى وَ إِنْ زَارَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوِ السَّحَرَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ وَ هُوَ بِمَكَّةَ[4] وهذه صحيحة الاسناد.
الثالث: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ مِنًى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا تُصْبِحْ إِلَّا بِهَا[5] وهي أيضاً صحيحة وأظهر من سابقتيها في المطلوب.
وهذه الروايات الثلاث قد عارض ما سبق من الأخبار. لأنها دلت على لزوم الكون في منى سواء في ذلك من أول الليل إلى منتصفه أو في نصفه الثاني.
ويمكن الجمع بينها بمحاولتين:
المحاولة الأولى: أن ما دل من الروايات على الكون في منى في نصفه الأول أو الثاني، ظاهرة في الوجوب وهذه الروايات الثلاث ظاهرة في الجواز وطريق الجمع هو أن نحمل هذه على الاستحباب.
المحاولة الثانية: أن نحمل الروايات الثلاث الأخيرة على صورة الضرورة بمعنى أن من كان مريضا أو الجأته الحاجة إلى الخروج فيكفيه الكون في ما قبل طلوع الفجر ولو بمقدار قليل. كالساعة أو نصف الساعة مثلاً.
لكن مع هذا أن الثلاثة الأخيرة قد أعرض الأصحاب عنها كما قال في الجواهر، وعليه لا يمكن الافتاء بمضمونها.
مضافاً إلى ذلك أن هذه الروايات قد تعارض قوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[6]
وقد فسره لفة (يومين) بليلتين، وعليه لا يمكن الذهاب إلى القول بكفاية البقاء ساعة أو نصف ساعة في منى لعدم صدق المبيت عليه. ثم انه يحتمل أن سبب احتياط الماتن رحمه الله هنا هذه الملاحظات.
ثم أن صاحب الجواهر استظهر من هذه الأخبار كفاية الكون في من قسما من الليل مع أن الأخبار الثلاث ناظرة إلى خصوص القسم الأخير من الليل، فظهر انه لا تجب الكفارة على من كان خارج منى تمام الليل بل حتى إذا أدرك مقداراً قليلاً منه كالساعة مثلاً.
وهذا بخلاف ما لو الجأته الضرورة إلى الكون في خارج منى كالازدحام وما شاكله. فإنه لو أدرك شيئاً من الليل قبل الطلوع عن الكفارة.
المسألة التاسعة: من جاز له النفر يوم الثاني عشر يجب أن ينفر بعد الزوال، ولا يجوز قبله، ومن نفر يوم الثالث عشر جاز له ذلك في أي وقت منه شاء[7]
مر سابقاً انه ثلاث طوائف لابد لهم من النفر في اليوم الثالث عشر ولا يجوز قبل ذلك وهم من لم يحترز عن الصيد وعن النساء وبقى إلى غروب الشمس في منى ولم يخرج منها، والظاهر أن المسألة بشقيها إجماعية، إلا ما عن العلامة في التذكر حيث ذهب إلى الاستحباب.
قال في الرياض: ومن نفر الأول لا يجوز أن ينفر إلا بعد الزوال إلا لضرورة ومن نفر في الأخير يجوز له قبله بلا خلاف هنا حتى من القائل بأن وقت الرمي بعد الزوال، بل في الغنية والتذكرة عليه الإجماع وعن المنتهى بلا خلاف لا في الأول؛ إلا ما يحكى عن التذكرة، فقرّب فيها أن التأخير مستحب[8]
وقال في الحدائق: الظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في أن النفر الأول لا يكون إلا بعد الزوال، وأنه لا يجوز قبل الزوال إلا لعذر من ضرورة أو حاجة، وأما النفر الثاني فيجوز له أن ينفر قبل الزوال وبعده أي ساعة شاء[9]
والعجب من صاحب الحدائق لم يشير إلى ما ذهب إليه العلامة مع انه متضلع بالأقوال.
Peinevesht: [1] تحرير الوسيلة، الامام الخمينی، ج1، ص455.
[2] جواهر الکلام، محمد حسن جواهری، ج20، ص9.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملی، ج14، ص252، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم19120، ح3، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملی ، ج14، ص252، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم 19121، ح4، ط آل البيت.
[5] وسائل الشیعة، الشيخ الحر العاملی ، ج14، ص257، ابواب العود الی منی، الباب1، الرقم 19137، ح20، ط آل البيت.
[6] بقره/سوره2، آيه203.
[7] تحرير الوسيلة، الامام الخمينی، ج1، ص455.
[8] رياض المسائل، سيد علی طباطبائی، ج7، ص167، ط جامعة المدرسين.
[9] حدائق الناضرة، شيخ يوسف بحرانی، ج17، ص326.