المحور الرابع :
حصیلة الجمع بین الروایات:
قد أسلفنا أنّ فی کلا الطائفتین من الروایات صحیح کما وأنّ القائلین بکل من الرأیین کثیرون إلا أنَّ الروایات القائلة بالأصل أکثر صراحة فی حین أنَّ الروایات القائلة بالثلث أکثر عدداً .
والخطوة الأولى لرفع التنافی بین هاتین الطائفتین من الروایات هی اللجوء إلى الجمع الدلالی الذی نتابعه من خلال الطرق التالیة :
الأول : إنَّ روایات الأصل التی تقول : « مادام فیه الروح » نص فی الجواز ، وروایات الثلث فی حرمة ما زاد على الثلث ظاهرة فی الحرمة فنحمل روایات النهی على الکراهة جمعاً بین الطائفتین وهو جمع عرفی خصوصاً وأَن له شاهداً من قوله (صلى الله علیه وآله) : « . . . ترک صبیته صغاراً یتکففون الناس . . . » حیث أنه ظاهر فی الکراهة ، وما یؤید ذلک أیضاً ما جاء فی الروایتین : (2) و (9) من الباب (17) من کتاب الوصایا .
إنَّ هذا الجمع یعالج التنافی بین بعض الروایات فقط ولا یصلح لمعالجتها جمیعاً .
الثانی : جملة من روایات الثلث التی ورد فیها : « عند
موته وحین موته » ـ وقد قلنا فی وقتها أنها مرددة بین المنجزات حال المرض والوصیة بما بعد الموت ـ یمکن حملها على الوصیة بعد الموت بقرینة صراحة روایات الأصل ، وهذا الجمع یجری خصوصاً فی روایات : (2) ، (7) ، (8) من الباب (10) من کتاب الوصایا .
الثالث : أن نحمل بعض الروایات المتقدمة التی لم تُجز حتى الثلث ـ کروایات الإبراء والهبة ـ على من اختلَّت حواسه فیعد مریضاً محجوراً علیه ; لأنَّ تلک الروایات لیس فیها لفظة الثلث والمنع فیها مطلق .
وهذه الطرق الثلاثة بعد ضمّ بعضها إلى بعض تکفی لحل مشکلة التعارض بین روایات الباب ونتیجتها هی القول بخروج المنجزات من الأصل .
وبذا یتبیّن أنّ کل جمع یصلح لصنف من الروایات ، ومن هنا یتضح أنَّ دعوى التواتر (1) فی روایات الثلث لایقوم على أساس رکین.
–—
إذا ما رفضنا طرق الجمع الثلاثة الآنفة الذکر ورفضنا الأخذ بها ( فرضاً ) ، نلجأ عند ذاک الى الأخذ بالمرجحات ، فان للقول بالأصل ثلاثة مرجحات :
الأول : إنّ القول بالأصل موافق لعمومات الکتاب فهو موافق لقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وهو عام یشمل المریض والصحیح . وکذلک قوله تعالى : ( تِجَارَةً عَن تَرَاض ) وهکذا ما ورد فی السنة من أن : « الناس مسلطون على أموالهم » .
الثانی : شهرة القدماء وهی المراد فی قوله (علیه السلام) : « خذ بما اشتهر بین أصحابک » لأنهم أقرب إلى عصر المعصوم (علیه السلام) ولم تصل الینا أدلتهم . خلافاً للمتأخرین حیث أن أدلتهم بین أیدین (2) .
الثالث : هو أنّ روایات الأصل مخالفة للعامة فی وقت أنّ روایات الثلث موافقة لهم ; لأنَّهم یقولون بالثلث إِلا من شذ وندر ، إذن تُحمل روایات الثلث على التقیة (3) .
وعلیه نخلص إلى أنَّ المختار هو القول بالأصل وفقاً لما تقدم ولا ینبغی التردد فی شیء من ذلک .