إن منزلة النبوّة والرسالة هی مکانة تتطلب «الصدق» و«الأمانة»، الأمانة فی نقل الوحی وإیصاله إلى الناس والأمانة فی حفظ الأسرار الإلهیّة، والصدق والأمانة یعودان فی حقیقة الأمر إلى أصل واحد، غایة الأمر أنّ الصدق أمانة فی الحدیث والأمانة صدق فی العمل! ولذا یقول القرآن فی ثانی آیة من آیات بحثنا: (کَذَّبَتْ قَوْمُ نُوح الْمُرْسَلِینَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّى لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ)، کما أنّ نفس هذا التعبیر (إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ) قد ورد بحقّ کلّ من «هود» (الشعراء / 125)، و«صالح» (الشعراء / 143) و «لوط» (الشعراء / 162) و «شعیب» (الشعراء / 178) و «موسى» (الدخّان / 18)، وممّا لا شکّ فیه هو أنّ هؤلاء الأنبیاء(علیهم السلام)وغیرهم من الأنبیاء الإلهیین کانوا قد أثبتوا أمانتهم للناس عملیّاً کما قرأنا عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه کان یلقّب بـ «محمّد الصادق الأمین» من قبل خاصّة الناس وعامّتهم وذلک قبل نزول الوحی، ولذا کان(صلى الله علیه وآله) یستدلّ بسابقته هذه أمام المخالفین بأنّهم کیف لا یصدقون بإنذاره فیما یتعلّق بالوحی الإلهی مع علمهم وإقرارهم بصدقه وأمانته؟!(1).
والملفت هو أنّ القرآن قد وصف جبرئیل حـامل الوحی الإلهی بهذا الوصف أیضاً حیث قال: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِینُ * عَلَى قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنذِرِینَ). (الشعراء / 193 194)
وفی الحقیقة إن حملة الوحی، سواءً الملائکة الذین هم الواسطة فی إبلاغ الوحی، أم الأنبیاء أنفسهم أو الأئمّة ونواب المعصومین الذین أُنیطت بهم مسؤولیة إبلاغ وحفظ الوحی الإلهی، هم أُمناء الله فی خلقه، ومن هنا فاننا نرى أن الامام علیاً(علیه السلام) وباقی الأئمّة الاطهار(علیهم السلام) ینعتون بأمناء الله فی الزیارة المعروفة بزیارة «أمین الله»، حیث ورد هذا الخطاب: «السلام علیک یا أمین الله فی أرضه» وهو شاهد آخر على إثبات هذا الادعاء.