استدل على قبول شهادة النساء فی الرضاع بطوائف من الروایات:

الطائفة الاُولى

هی مجموعة من الروایات التی یمکن استفادة کبرى کلیة منها مفادها أنه تقبل شهادة النساء فی ما لا یطلع علیه الرجل، أو فی ما لا ینظر إلیه الرجال.

وتمامیة الاستدلال بهذه الروایات فی مقامنا تتوقف على إثبات الصغرى وأنّ الرضاع ممّا لا یطلع أو لا ینظر الرجال علیه.

وروایات هذه الطائفة هی:

1ـ عن أبی بصیر، قال: سألته عن شهادة النساء؟ فقال: ((تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا یستطیع الرجال النظر إلیه))(1).

وإذا کانت شهادتهنّ مقبولة منفردات فقبولها فی صورة الانضمام إلى شهادة الرجال أولى، کما أنّ المقصود بـ ((لا یستطیع)) هو عدم الاستطاعة شرعاً لا تکویناً، وذلک فی الموارد التی لا یجوز للرجال شرعاً النظر إلیها.

2ـ عن إبراهیم الحارقی أو الحارثی، قال: سمعت أبا عبد الله ـ علیه السلام ـ یقول: ((تجوز شهادة النساء فیما لا یستطیع الرجال أن ینظروا إلیه ویشهدوا علیه..))(2) وظاهرها شهادتهن منفردات.

3ـ عن محمد بن الفضیل، قال: سألت أبا الحسن الرضا ـ علیه السلام ـ قلت له: تجوز شهادة النساء فی نکاح أو طلاق أو رجم؟ قال: ((تجوز شهادة النساء فیما لا تستطیع الرجال أن ینظروا إلیه ولیس معهنّ رجل..))(3).

وهی صریحة فی کونهن منفردات، ومفهوم هذا الجواب هو عدم قبول شهادتهن فی الطلاق والنکاح والحدود؛ لأنّ هذه الاُمور لیست ممّا لا یستطیع الرجال النظر إلیه.

4 ـ عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله ـ علیه السلام ـ یقول: ((لا تجوز شهادة النساء فی رؤیة الهلال..)) وقال: ((وتجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال فی کلّ ما لا یجوز للرجال النظر إلیه))(4).

ومن الواضح هنا أنّ عدم الجواز مشترک بین الرجال والنساء، غایة الأمر هو فی الرجال أشدّ. إذن فهو أمر نسبی بینهما.

5ـ عن دجاود بن سرحان، عن أبی عبد الله علیه السلام، قال: ((اُجیز شهادة النساء فی الغلام صاح أو لم یصح))؛ وذلک لإثبات تولده حیاً لیحسب له نصیب من الإرث، ((وفی کلّ شیء لا ینظر إلیه الرجال تجوز شهادة النساء فیه))(5).

6ـ عن السکونی، عن جعفر، عن أبیه، عن علی  ـ علیهم السلام ـ أنه کان یقول: ((شهادة النساء لا تجوز فی طلاق، ولا نکاح، ولا فی حدود، إلاّ فی الدیون، وما لا یستطیع الرجال النظر إلیه))(6).

7ـ وفی (العلل) و (عیون أخبار الرضا) بأسانیده إلى محمد بن سنان ـ والذی هو محل بحث ـ عن الرضا ـ علیه السلام ـ: ((.. لا تجوز شهادتهن إلاّ فی موضع ضرورة، مثل شهادة القابلة، وما لا یجوز للرجال أن ینظروا إلیه...))(7).

وبعض هذه الروایات معتبرة سنداً، وهی بمجموعها متضافرة فیعضد بعضها سند بعض، مضافاً إلى عمل المشهور بها.

وهی بمجموعها تدل على إثبات الکبرى التی ذکرناها.

هذا من ناحیة الکبرى، وأمّا الصغرى فقد دغدغ فیها بعضهم بأنه یجوز لمحارم المرأة أن ینظروا إلى صدرها حال الرضاع، لأنّ الصدر من المواضع التی یجوز لهم النظر إلیها، إذن لا یکون الرضاع ممّا لا یستطیع الرجال النظر إلیه، وبهذا لا تقبل شهادة النساء فیه.

ولکننا قد بینا فی مباحث النظر عدم تمامیة هذا القول، وقلنا بأنه یجوز للمحرم أن ینظر إلى المقدار المتعارف من بدن محرمه لا أکثر، مثل بعض الصدر، والیدین، والساقین.. نعم، یمکن أن یکون الزوج شاهداً على الرضاع، أو غیره فی محل الضرورة.

وأشار فی (الجواهر) إلى أنه یجوز لغیر المحرم أداء الشهادة على الرضاع فیما لو تحملها فی حال کان یجوز له النظر، کما لو کان صغیراً ـ على القول بجواز تحمل الصغیر للشهادة ـ أو زوجاً ثمّ حصل الطلاق، فیشهد بعده.

وینبغی أن ینصب البحث بحسب اعتقادی على المقصود من ((لا یستطیع)) أو لا ((یجوز))، منها هو عدم الجواز دائماً أو عدمه غالباً؟ إذا کان المقصود به عدم الجواز دائماً فلا تقبل شهادة المرأة إلاّ فیما لا یجوز أبداً للرجال النظر إلیه، فهذا یلزم منه عدم وجود مصداق لشهادة النساء؛ لأنه یجوز للطبیب النظر حال الضرورة فیشهد على الولادة مثلاً، أو الزوج حیث إنه یجوز له دائماً النظر إلى زوجته.

إذن المقصود هو عدم الجواز غالباً، یعنی أنه غالباً وبحسب المتعارف لا یجوز للرجال النظر، وإن کان یجوز لهم فی بعض الموارد. وبهذا یکون الرضاع صغرى من صغریات تلک الکبرى؛ لأن الغالب هو عدم جواز نظر الرجال إلى صدور النساء محارماً کانوا أم غیر محارم. بینما نجد أن النساء یرضعن أولادهن أمام غیرهن من النساء فتبدو بذلک صدورهن، فیمکنهن النظر وتحمل الشهادة ثم أداؤها.

إذن تقبل شهادة النساء فی الرضاع منفردات.

وصلّى الله على سیدنا محمدٍ وآله الطاهرین.

____________________

(1) الوسائل 27 : 351 کتاب الشهادات، ب 24، ح4.

(2) الوسائل 27: 352، کتاب الشهادات، ب 24، ح 5.

(3) الوسائل 27: 352 ـ 353، کتاب الشهادات، ب 24، ح 7.

(4) الوسائل 27: 353 ـ 354، کتاب الشهادات، ب 24، ح 10.

(5) الوسائل 27: 354، کتاب الشهادات، ب 24، ح 12.

(6) الوسائل 27: 362 ـ 363، کتاب الشهادات، ب 24، ح 42.

(7) الوسائل 27: 365، کتاب الشهادات، ب 24، ح 50.