والآیة السادسة تحدثت عن المشیئة الإلهیّة أیض ، والحدیث هذه المرّة یدور حول مصیر العباد وأعمالهم ، فالتفت عزّ وجلّ بالخطاب إلى رسوله الکریم (صلى الله علیه وآله)بقوله : (وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَىء إِنِّى فـَاعِلٌ ذَلِکَ غَداً * اِلاَّ اَنْ یَشـَاءَ اللهُ) . أی عندما تتحدث عن عزمک بالقیام بعمل مافی المستقبل فتوکل على المشیئة الإلهیّة دائماً وقل : «إن شاء الله» . وهذه الجملة تدلّ على تقدم مشیئة الله على بقیة المشیئات وعدم وقوع أی شیء دون مشیئته سبحانه .
وواضح أنّ هذا الکلام لایشیر أدنى إشارة إلى مسألة الجبر ، بل یشیر إلى غلبة المشیئة الإلهیّة التی لایستطیع أیّ فرد بلوغ هدفه بدونه ، وما الحریة التی منحها الله للإنسان إلاّ لاختباره وتربیته والعروج به فی سُلم الکمال ، وحریة الإرادة الإنسانیة لا تعنی سلب القدرة الإلهیّة .
إضافة إلى هذا فإنّ إرادة ومشیئة الإنسان هی احدى عوامل وصوله وبلوغه أهدافه ، وهنالک مئات من العوامل الاُخرى ، خارجة عن قدرته ، ولا ترتبط إلاّ باللّه تعالى .
ومن هنا فإنّ أدب الکلام والخضوع للأمر الواقع یفرض على الإنسان أن لا ینسى عبارة : «إن شاء الله» فی برامجه الخاصّة أبد .
وجاء التأکید هنا أیضاً على أثر «المعرفة» على أعمال الإنسان ، فإیمانه بالإرتباط بالمشیئة الإلهیّة یجعله یشعر دائماً بالفقر إلى الله وعدم الاستقلال عنه سبحانه ، فلا یصیبه الغرور أبد ، ولا یرکب مرکب الأنانیة ، ویزیده استقامة وصلابة فی مواجهة الصعاب والمشاکل ، وینقذه من الوقوع فی مخالب الیأس والقنوط لأنّه یعلم أنّ مشیئة الله أکبر من کلَ شیء .