لکَلمة «الَخلْق» معنیان کما یقول صاحب « مقاییس اللغة » ، أحدهما تقدیر الأشیاء ، والآخر النَّقی والمسطَّحْ .ویقول الراغب فی المفردات : « الخَلْقُ» أصله التقدیر ، ویستعمل فی ابداع الشیء من غیر أصل ولا احتذاء، قال تعالى : ( خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ) أی أبدعهما بدلالة قوله : ( بَدِیْعُ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ ) ، ... ولیس الخلق الذی هو الإبداع إلاّ لله تعالى ، ولذلک قال فی الفصل بینه تعالى وبین غیره : ( أَفَمَنْ یَخْلُقُ کَمَنْ لاَ یَخْلُقْ اَفَلاَ تَذَکَّرونَ ) ، أمّا الذی یکون بالاستحالة فقد جعله الله تعالى لغیره فی بعض الأحوال ، وتستعمل هذه المفردة فی الکذب أیضاً ( وربّما اطلق على الکذب بسبب اختلاق وایجاد موضوع ما فی فکر السامع » (1) .ویقول ابنُ منظور فی « لسان العرب » : الخلق فی کلام العرب ابتداع الشىء على مثال لم یُسبق إلیه .وعلیه ... أنّ کلمة الخلق تَعنی فی الأصل التقدیر والتنظیم وتنقیة الأشیاء ، إلاّ أنّها اُستخدمت فیما بعد بمعنى الابداع والإیجاد وتغییر هیئة الأشیاء بالنحو الذی یتبادر هذا المعنى الآن .ومعنى «السماء» استناداً إلى ما قاله علماء اللغة ، الشیء الذی یرتفع عالی ، لذلک فانَّ البعض یعتقد أنَّ لها صفة النسبیة حیث یمکن أنْ تکون نسبةُ شیء إلى شیء آخر کالسماء إلى الأرض ، واشتُقَ « الاسم » من هذه المادة أیضاً لأنَّ التسمیة عاملٌ فی رفعةِ وسمو مقام المُسمى .
واستناداً إلى کلام مؤلف « التحقیق » فإنّ السماء قد تکون ملموسةً ومادیة کما فی: ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) أو معنویة کما فی: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِکَ فِى السَّمَاءِ ) .( البقرة / 144 )ویقول « ابن منظور » فی « لسان العرب » أیض : السمو : تعنی الارتفاع والعُلو (2).وبناءً على ذلک فانَّ کلمة السماء لا تعنی هذه السَّماء فقط بل أیَّ نحو من الارتفاع والعلو ، ولکنها جاءت فی الآیات المُنتَخبة فی هذا البحث بشکل عام بمعنى السماء .وتُطلقُ «الأرْض» فی الأصل على الجزء الأسفل لکل شیء قبالة « السماء » التی هی الجزء الأعلى لکل شیء ، قال هذا الکلام صاحب « مقاییس اللغة » ، ویقول الراغب فی تعبیر مشابه : الأرض هی الجرمُ الذی یقابلُ السماء ، ویعبَّرُ عن أسفل کل شیء ب « الأرض » .وورد فی کتاب « التحقیق » أنّ الأرض لها مسمّیات متعددة بعضها أوسعُ من بعضها الآخر ، فهی تُطلقُ على المسکنِ ، والمحلِّ ، والقریةِ ، والمدینةِ ، والبلد ، والکرة الأرضیة ، وما تحت السماء ، وحتى ما موجود فی عالم الجسم وتحت عالم الأرواح ، حیث یقال لکلٍّ منها « أرض » ، وفی هذه المفاهیمِ یلاحظ قیدان هما الانخفاض ، ومقابلة الارتفاع .( أرَضَة ) ( على وزن حَدَقة ) وتعنی الحشرة التی تخرج من الأرض وتأکل الخشب .واللطیف هو أنّ أحد معانی « الأرض » هو مرض الزکام ، والآخر هو « الرِّعْدَة » .ولعلَّ السبب فی ذلک أنّ هذه الأمراض تُقعدُ الإنسان وتُخلدُهُ إلى الأرض (3).